رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاد النسوة رهان اليوم وطوق النجاة للغد

تعيش الجمهورية الجديدة الآن حالة من الوعي الكبير بأهمية استشراق المستقبل القريب، والسعي لطرح سيناريوهات وحلول مبنية على معطيات اليوم من أجل تجنب أزمات الغد، وهذا ما يظهر جلياً في أضخم حدث مر علينا منذ سنوات، وإن دل يدل على عمق رؤية قيادتنا المصرية الحالية واهتمامها بأوضاعنا المستقبلية، فالمؤتمر الاقتصادي هو فعلا نقطة محورية اليوم من أجل خارطة واضحة، وذات جودة لمستقبل هذا الوطن.
وبما أننا ذكرنا الوطن فلا بد من أن نفرد حديثا عن رحم هذا الوطن، بهية الأرض وتأثيرها الغائب الحاضر في الاقتصاد في كل عصر، فهي منذ فجر التاريخ تشارك في العمل بداية من الاقتصاد غير المدفوع الأجر برعاية الأسرة والأبناء، وتوفير المواد الغذائية بالمنزل، مرورًا بالوجود في الحقول والمزارع، حتى العمل العام والإداري بالدولة .
وشهدت المرأة المصرية مؤخراً تحسناً جليًا وواضحًا في ارتفاع مستوى التعليم الذى لعب دورًا في تقليل الفجوة بين الجنسين في سوق العمل والدفع بالنساء على الكثير من الوظائف، بل والوصول مؤخرًا لمقاعد تنفيذية  لم تجلس عليها من قبل، بل إن قدرة المرأة على التأثير قد تجاوزت إلى إنعاش الصناعات، والمشاريع بكل مستوياتها والمساهمة بقوة في دعم حجم نمو الاقتصاد ككل.
وتبلور الأرقام هذا التقدم الملحوظ الذي حققته المصريات بخطى ثمينة في العصر الحالي بانخفاض نسبة بطالة النساء إلى 16% عام 2021 مقارنة بـ24% عام 2014، وارتفعت نسبة النساء العاملات لـ44,2% في القطاع العام والخاص، وبالنظر للتأثير على الأرض فسنجد أن هناك 291 ألف قرض ذهب للنساء بدعم من بنك ناصر بقيمة 14 مليار جنيه من أجل التمكين الاقتصادي للنساء فقد حصلت 51% من النساء على قروض تمويل متناهي الصغر، و69% قروض مشروعات صغيرة، وتم تمويل 20 ألف قرض بمبادرات حكومية.
علاوة عن استفادة 62.7 ألف سيدة من برامج  التنمية  لدعم مشروعاتهن، وكان نصيب النساء في كل المشروعات يتخطى33.1%، كما استفادت 16.1 ألف سيدة من صندوق التنمية، ليكون نصيبها في المشروعات يتخطى 64.8% من الإجمالى العام، وتم توجيه 698.4 ألف مشروع من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر بنصيب 45% للنساء، وبتكلفة 11 ملياراً لتوفير 837.9 ألف فرصة عمل، وقد بلغ عدد المستفيدات 161.6 ألف سيدة فيما يتعلق ببرامج الادخار والإقراض الرقمي عام 2021، وذلك وفقا لتقرير نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء.
وقدارتفعت نسبة النساء اللاتي يمتلكن شركات إلى 16%، وبلغت نسبة النساء في البورصة 30%، إضافة إلى 27% سيدة تمتلك حسابات بنكية، وتوجت لنا مجلة فوربس قائمة بأقوى 100 سيدة بالشرق الأوسط في إدارة الأعمال؛ منهن 11رائدة مصرية كالسيدة هند الشربيني كمدير تنفيذي لشركة التشخيص المتكاملة القابضة، وريم أسعد لشركة سيسكو، وعبير لهيطة لإيجي ترانس، وكذلك نهى الغزالي لفاروس القابضة، وباكينام كفافي لشركة طاقة عربية، ومنى ذو الفقار لتأسيسها شركات محاماة، وإلهام محفزط لرئاستها البنك التجاري الكويتي، وياسمين وفريدة خميس لإدارة شركة النساجون الشرقيون.
إضافة لهدى منصور خبيرة التحول الرقمي، وميرفت سلطان رئيسة تنفيذية لأحد البنوك، كذلك ياسمين عبدالكريم مؤسسة منصة يلا، وعزة فهمي أيقونة صناعة الحلي، وآية وموناز عبد الرءوف مؤسسات علامة أختين، وغيرهن من المصصمات كمرام برهام ورنا العزم، ومرمر حليم، سارة أنسي وأخيراً دعاء جاويش صاحبة منتجات للعناية بالشعر إضافة لعدد هائل من الرائدات، والمعيلات، والفلاحات، والمصنعات التي يتبادر أسماؤهن ما بين أطراف العالم وما بين جوانب الوطن.
الإحصائيات والأسماء السابقة، قد ثبت حجم الدعم الكبير الذي قدمته القيادة المصرية لاقتصاد النساء، كإعلان رسمي لإيمان راسخ بجدوى تمكين المصريات، من أجل عائد ذات قيمة وذات إضافة للاقتصاد المصري ككل، وهي أيضا تنم عن الوعي الكبير لدى نسائنا بأهمية وجودهن في الساحة الاقتصادية، وهرولتهن من أجل بناء صروح ذات قيمة، تعمل بحب وتفان وتنتج ثمارا تظلل عليهن، وعلى بلادهن ككل في نهاية المطاف.
وبالفعل قد أثر هذا التبني الاقتصادى للنساء بعائد شمولي على الاقتصاد الكلي لا محالة وهذا أمر مستحق لكل الأطراف التي ساهمت في هذه الحالة بداية من سعي النساء وإصرارهن على إثبات جدوى الاقتصاد النسوي مروراً ببذل الدولة جهوداً للتيسير، وفتح الأبواب على مصراعيها، بالتكاتف مع كل المؤسسات في الدعم المالي والتثقيفي والتدريبي لضمان الجودة .
واستثماراً للوضع الحالي بكل جوانبه المترامية ما بين حالة حوار كبيرة تتبناها البلاد، وما بين شغف وقلق منصب بقوة على وضع الاقتصاد المصري لحاضرنا ومستقبلنا القريب، وما يلازم ذلك من دفع للمرأة، والتيمن بها في إصلاح الوضع الاقتصادى من قبل الإرادة المصرية الحالية، فلنفتح معنا أعيننا ونمعن النظر في حجم الجهد الذي تبذله النساء في مقابل بعض الفتات فيقال إن النساء يعملن أكثر من ثلثي العمل بالعالم، وينتجن نصف الغذاء، ولكنهن في المقابل قد لا يملكن الأرض ولا المال المناسبين.
فما زالت المعرقلات تحيطهن وتلتف حولهن بقوة رغم الامتيازات المستحقة، ورغم رغبة النساء المعاصرات للعمل بقوة والحاجة لبذل الجهد العام في المجتمع، والسعي وراء الأمان الاقتصادي الذي بدوره لن يتحقق إلا بوجود استقرار ونمو حقيقي بمجتمعاتهن ومن هنا آمن أن دورهن وسعيهن في العمل العام والاهتمام بالمشروعات الخدمية والصناعية هو بوابتهن للحصول على ما يردن التلذذ به.
وليتحقق ذلك هناك بعض الأمور التي تحتاج منا دفعاً وشحناً حقيقيًا في أسرع وقت خارج النطاق الجغرافي لتكتمل المساعي الرائعة التي تبذلها قادتنا للخروج من النفق الاقتصادي المظلم برجالنا ونسائنا وشبابنا لليوم وغدًا، ففي اعتقادي أن أوضاع النساء ما زالت تحتاج تحركاً لمساهمة اقتصادية أعلى، وعائد أضخم، ونمو مستدام يحقق الرؤية ويصل بنا لآخر نقطة على الخارطة التي في طي البلورة حالياً.
فعلى سبيل الطرح يجب أن يرسخ لاستثمار نسوي مستدام يستقطب النساء بأفكارهن، ويقرب لهن ما يردن مع ما تحتاجه السوق، ويتوجه لدعم نساء أخرى تشتاق لبيئة عمل تناسبها، وتنتشلها من ظلمة سياسات لاتراعي التكافؤ، ولا تدعم أمومتها، ورعايتها، ولا تتيح خيارات عمل مرنة، أو دعم إجازات الأبوة المشتركة، فما حققته النساء يجعلنا نسعى في دفعها لطريق الصناعة والريادة بقوة باتحاد صناعات خاص بهن، وبتخصيص مراكز بحثية متخصصة لاقتصاد النساء وموارده المطلوبة ودوره الرائد، إضافة لخدمات توجيهية وتقييمية وتدريبية على نطاق واسع.
ومن الممكن فيما بعد أن يخصص باب في الموازنة العامة يتعلق بدعم مشروعات النساء المتوسطة والصغيرة، ويلزم المؤسسات بتقديم مشورتها ودعمها وفقاً لتخصصها الإداري، والخدمي، إضافة لإتاحة ملكية أكبر للنساء في الأصول والأراضي، والأعمال التجارية وتنظيم المشاريع وتيسير الحصول على الموارد، إضافة لمساع قوية على المستوى الاجتماعي في تغيير النظرة للأدوار الجندرية لتخفيف الأعباء والمسئوليات التي ألقاها المجتمع في جعبة النساء وحدهن، والقضاء على استلاب قد يتحكم بمصيرهن في العمل واستدامة مشاريعهن دون وجه حق، فضمانة الإصلاح الاقتصادي بحق هو في الاستمرار، واستكمال دفع الاقتصاد النسوي، فهن دوماً أرض ونبتة وثمار لا تجدب ولن تنقطع يوما عن العطاء.