رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهرجان الموسيقى العربية يتحدى بالطرب الأصيل

تغيّرت الأغانى كثيرًا الآن عن السنوات الأخيرة، وأصبحت الأغانى الجيدة والراقية قليلة، وتكاد تتوه وسط حالة فوضى واضحة فى مجال الأغنية والموسيقى فى بلدنا، فقد كثرت الأغانى التى تحوّلت إلى صخب وصوت عالٍ وموسيقى مدوية، بحيث يتوه صوت المغنى وسطها، فلا تعرف إن كانت لديه موهبة أم لا؟ ولم يعد الطرب من بين أهم سمات الأغنية فى كثير من الأغانى الشبابية.

كما لم يعد الفنان يحرص على انتقاء كلماته، بحيث تكون راقية ومنتقاة بدقة ومناسبة لكى يسمعها الجمهور، أيًا كان عمره، ولم يعد الفنان يحرص على الالتزام بسلوكياته أو مظهره الأنيق أو طلته أو كلماته التى يقولها فى حواراته التليفزيونية، وظهرت أصوات ومغنون يغيّرون من مسارات الأغانى المصرية، كما أحببناها وعرفناها ونشأنا عليها، والغريب أن الأصوات الجديدة معظمها يعتمد على الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة والأجهزة التى تجعل أصواتهم تتوه وسط هذه الآلات، حتى أصبح من غير الممكن للمستمع التمييز بين الأصوات أو التحقق من موهبة الصوت من عدمه.

وأصبح المهم الآن هو التمسك بالموسيقى ذات الصوت العالى والاعتماد عليها قبل الاعتماد على موهبة الصوت الذى يقدمها، وهكذا ظهرت موجة أخيرة من أغانٍ لأصوات عالية وغير مدربة تدريبًا كافيًا، وبعضها لا يمتلك موهبة الصوت الجيد، وقليل منها لديه صوت جيد إلا أن كثيرًا منها يختار كلمات فجة أو غير لائقة أو سيئة أو بعضها خارج، وبعضهم يطلقون على أنفسهم «أغانى المهرجانات».

إلا أننى حرصت على الاستماع إلى كثير منها من باب حب الاستطلاع، فوجدت أن بعض المغنين الذين اشتهروا فى الآونة الأخيرة قد اختاروا كلمات بسيطة وسهلة يرددها الشباب ثم ينساها بعد ذلك، وهذه لا بأس بها، كما أن هناك أنواعًا أخرى من الأغانى التى أرى أنها تشكل حالة من الإسفاف والهبوط فى مستوى الأغنية، إلا أننى أيضًا، ومن ناحية أخرى، أقف ضد منع الأغانى وإيقاف المغنين أو المؤدين، فلا مجال فى وقتنا هذا للمنع والإيقاف والحَجر على حرية التعبير، ولكن يمكن لنقابة الموسيقيين أن تقوم بدور مهم فى اختيار الأصوات الجيدة، وأن توجههم إلى ضرورة حسن اختيار الكلمات والأغانى لإعطاء تصاريح إقامة الحفلات.

من ناحية أخرى، فإنه ينبغى مواجهة الهبوط والإسفاف بأغانٍ جديدة ذات كلمات راقية وجميلة ومنتقاة بدقة، وبألحان عصرية تناسب العصر وتستهوى المستمعين من الشباب؛ لأن اختيارات الشباب فى معظم الأحيان تختلف عن اختيارات الكبار، وهم يميلون إلى الإيقاعات السريعة والأغانى القصيرة ذات الأنغام الراقصة.

أما بالنسبة لى، فلقد نشأنا على أغانٍ مختلفة فيها الطرب والموسيقى الجميلة والكلمات الراقية، كنا نسمع الأغانى فنطرب لها، ونعيد ترديدها لأننا نحفظها عن ظهر قلب، أحببنا قممًا خالدة، لا تزال أغانيهم وكلماتهم وألحانهم فى الوجدان وفى القلب، فحينما كنا صغارًا كنا نرى أمهاتنا وآباءنا يطربون ويحرصون على سماع أغانٍ لقمم خالدة لا تزال أغانيهم تعيش بيننا، مثل أغانى كوكب الشرق العظيمة أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب وليلى مراد وعبدالمطلب ومحمد قنديل، ثم جاء بعدهم قمم فنية لا تزال أغانيهم ترددها الأصوات الجديدة وأفلامهم نشاهدها ونقبل عليها كلما عرضتها الفضائيات، مثل عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ونجاة وشادية وفايزة أحمد ووردة الجزائرية.

ثم جاء جيل محمد منير وهانى شاكر ومدحت صالح ثم عمرو دياب ومحمد فؤاد وتامر حسنى وبهاء سلطان، وأنغام وآمال ماهر ونادية مصطفى، ومن هنا جاءت فى نظرى أهمية إقامة مهرجان الموسيقى العربية الذى يُقام سنويًا فى القاهرة والذى تحل هذه الأيام دورته الـ٣١، فهذا المهرجان فى تقديرى أيقونة نجاح لريادة مصر العربية فى الموسيقى والطرب الأصيل، ومنذ أن أسسته الراحلة القديرة د. رتيبة الحفنى ما زال أهم مهرجان موسيقى فى المنطقة العربية.

وهذا العام افتتحته د. نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة، فى مسرح النافورة المفتوح، ونجح بجدارة د. مجدى صابر، رئيس مجلس إدارة دار الأوبرا المصرية، فى اختيار موضوع ليلة الافتتاح، حيث أُقيمت مئوية ناجحة لموسيقار مصرى عبقرى راحل هو على إسماعيل الذى تم تقديم مختارات من أشهر أعماله الموسيقية العاطفية والوطنية التى أحببناها وحفظناها عن ظهر قلب، كما تم تكريم ابنته شجون و١٦ من قمم الموسيقى وتأليف الأغانى والخط العربى فى حفل الافتتاح الذى حضره بعض السفراء العرب والفنانين والإعلاميين والضيوف العرب. 

وصاحبت الأغانى الشهيرة لعلى إسماعيل تابلوهات راقصة لباليه أوبرا القاهرة من تصميم أرمينيا كامل، وألقت وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى، كلمة، كما كرمت ١٧شخصية، وأكد د. مجدى صابر أن هذه الشخصيات جميعًا قد أسهمت فى إثراء الحياة الفنية فى مصر والعالم العربى بتسليمهم أوسكار المهرجان وشهادات التقدير، كما ألقت جيهان مرسى، كلمة، مديرة المهرجان، وقدمته بشكل راقٍ الإعلامية القديرة جاسمين طه زكى، وصاحب التابلوهات عرض سينمائى على شاشة كبيرة فى خلفية المسرح تم فيها عرض لقطات شهيرة من أشهر الأفلام التى وضع لها الموسيقار على إسماعيل الموسيقى التصويرية البديعة.

وهكذا أعادنا الفنان المبدع د. مجدى صابر إلى العصر الذهبى للإبداع المصرى الرائع والخالد للأغنية والفيلم المصرى الجميل ذى القيمة الكبيرة، مثل تابلوهات «الأقصر بلدنا»، «حلاوة شمسنا»، وموسيقى «فيلم الأرض» مع بعض مشاهده الخالدة المؤثرة، والأغنية الوطنية «دع سمائى»، ثم أغنية أبكتنا جميعًا هى أغنية «أم البطل» للفنانة شريفة فاضل، التى وجدت دموعى تنحدر رغمًا عنى على وجهى لدى سماعها فى ليلة الافتتاح، والتى ألفت كلماتها نبيلة قنديل، زوجة على إسماعيل ووالدة شجون ابنة الموسيقار التى كانت تجلس بجانبى وتردد الأغانى عن ظهر قلب كلها، والتى عبرت لى عن فخرها بوالدها ووالدتها»، ونجح د. مجدى صابر فى هذه الدورة فى إقامة حفلات كثيرة ناجحة لعدد كبير من قمم الغناء المصرى والعربى الأصيل فأعادنا إلى زمن الفن الجميل.

وهكذا أضاء الغناء والطرب المصرى والعربى سماء دار الأوبرا فى القاهرة والإسكندرية ودمنهور بأصوات شهيرة مصرية وعربية، أو بأصوات شباب وشابات دار الأوبرا المصرية الذين أصبح بعض منهم بدورهم نجومًا على الساحة الغنائية، وأتوقع لهم مستقبلًا زاهرًا مثل ريهام عبدالحكيم ومروى ناجى ومى فاروق ورحاب عمر، وخلال ليالى المهرجان أُقيمت حفلات ناجحة مليئة بجمهور غفير لقمم مصرية، مثل محمد منير ومدحت صالح وعلى الحجار وهانى شاكر ومحمد الحلو ونادية مصطفى، ومن قمم العرب أحيا حفلات ناجحة كل من عاصى الحلانى وراغب علامة وصابر الرباعى وأصالة وفؤاد زبادى وديانا حداد وكارول سماحة.

وفى تقديرى أن الإقبال الكبير للجمهور على حفلات مهرجان الموسيقى العربية الـ٣١ هو دليل حى على أن جمهور الفن الراقى ما زال حاضرًا وحريصًا على متابعة الجديد من نجومه المفضلين، وما زال عدده كبيرًا.

وفى تقديرى أن الفن الراقى ما زال قادرًا على استقطاب جمهور غفير من الشعب المصرى الذى يحب الفن الجيد والموسيقى والغناء والأفلام والاستعراضات الغنائية والبهجة، وهو يلتف حول الأغانى الراقية التى تلمس أحاسيسه ويتفاعل معها التى لها كلمات تمس القلب، كما يهوى الموسيقى الشرقية الجميلة.

وأرى أن صمود الفن الراقى يكمن فى تقديم الأجود دائمًا والأكثر إبداعًا، والجمهور بشكل عام فى رأيى فى حاجة إلى إقامة المزيد والمزيد من الحفلات الغنائية العديدة وفى مختلف المناسبات وفى مختلف المحافظات لكى تصل للجمهور فى مختلف المحافظات، وأتمنى أن تكون تذاكرها بأسعار فى متناول الجميع حتى يشاهدها جمهور المحافظات، وأنا على ثقة فى أن الجمهور سيقبل عليها جدًا، هذا على الرغم من انتشار أغانى الشباب الحديثة التى لا تعيش طويلًا، لكن لها جمهورها الغفير مثل أغانى الراب والبوب والأغانى الشعبية وأغانى الأفلام الشبابية وأغانى المهرجانات.

وإننى هنا أطالب د. مجدى صابر بإقامة مهرجان موسيقى آخر للأصوات الشابة من مصر والعالم العربى؛ لتقديم مهرجان يقبل عليه الشباب والشابات الذين يحبون الأغانى الشبابية ذات الإيقاعات السريعة وذات الألوان الجديدة من الغناء، على أن يتم حسن الاختيار للأصوات وللكلمات والألحان وبدقة لمن سيشاركون فى مهرجان الشباب للموسيقى والغناء، وحتى تكون القاهرة منطلقًا لعشرات الأصوات الشابة والجديدة واستمرارًا لدور مصر الرائد والسباق فى تقديم وانطلاق مختلف الأنواع الموسيقية والغنائية والفنون والإبداع؛ منذ العصور القديمة وإلى يومنا هذا.

ويستمر المهرجان منذ انطلاقه فى ٢٠ أكتوبر ١٥ يومًا، ولمن لا يستطيع الذهاب يمكنه مشاهدة الحفلات على الهواء على إحدى القنوات الفضائية المصرية، فلقد استطاع هذا المهرجان فى دورته الـ٣١ أن يكبر ويتطور خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد بناء مسرح النافورة الذى يتسع لأعداد غفيرة من الحضور؛ حتى أصبح واحدًا من أهم المهرجانات الموسيقية فى العالم.