رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور تزور متحف الفن الحديث.. 17 ألف لوحة من روائع الفن فى قصر النيل

جريدة الدستور

معروضات عن البطالة والمناظر الطبيعية وشخصيات الأدب والفن والسياسة 

«الجوع» أشهر لوحة تسببت فى سجن صاحبها عبدالهادى الجزار

مديرة المتحف: قبلة للوزراء والسفراء الأجانب.. وخطة دعائية تركز على «مواقع التواصل» 

تمثالا إيزيس و«البرد» لمحمود مختار ولوحة «مغربى» لحسين بيكار من أهم المعروضات

متحف مختلف عن غيره، بمثابة صرح لعبقرية فنانى مصر، جزء مهم من تاريخ الحركة الفنية المصرية الحديثة بما يحتويه من أعمال رفيعة المستوى، فهو إنجاز فريد يضم إرثًا فنيًا عظيمًا، يجمع بين عدد غير محدود من الاتجاهات الفكرية؛ فنجد به لوحات تمثل المدرسة التجريدية والواقعية والسريالية والتكعيبية، ومقتنيات من جميع الأجيال.

 

هو منارة المتاحف الفنية بمصر، حيث يضم أعمالًا فنية متميزة من مختلف الأجيال، ومختلف الحقب الزمنية، كما يلعب المتحف دورًا هامًا فى توثيق وصون ذاكرة المجتمعات والهوية التراثية، حيث يضم أكثر من 17 ألف لوحة.

فكرة المتحف

المتحف يضم أعمالًا فنية من عام ١٨٨٦ حتى الآن، وهو تمثيل حقيقى لحركة الفن التشكيلى المصرى من بدايته حتى الآن، من لوحات وتماثيل وقطع خزفية وأعمال فى مجال الحفر، وأعمال فى مجال الرسم، وجرى تأسيس المتحف تأكيدًا لنهضة مصر فى الفن فى أنواع كثيرة مع إنشاء كلية الفنون الجميلة. 

وتعود فكرة إنشاء المتحف الذى يضم روائع الفنون إلى عام ١٩٢٧ بعدما نجح محمود خليل فى إقناع السراى بإصدار مرسوم ملكى بتشكيل لجنة استشارية لرعاية الفنون الجميلة، حيث أوصت اللجنة بإنشاء متحف الفن الحديث بالقاهرة، حيث يضم مقتنيات وزارة المعارف مما تقتنيه من صالون القاهرة السنوى، الذى تنظمه جمعية محبى الفنون الجميلة، وفى نفس العام تم تجميع الأعمال فى قاعة صغيرة بمقر جمعية محبى الفنون الجميلة بشارع الجمهورية حاليًا، ثم انتقلت إلى موقع متحف الشمع الذى أنشأه فؤاد عبدالملك، سكرتير جمعية محبى الفنون الجميلة، ليصبح أول مبنى يحمل اسم متحف الفن الحديث بمصر.

ثم نقلت وزارة المعارف المتحف «حيث كان يتبعها قبل إنشاء وزارة للثقافة» إلى مقر آخر فى شارع البستان، وذلك فى فبراير ١٩٦٣، ثم انتقل المتحف بعد ذلك إلى قصر الكونت «زغيب» بجوار قصر هدى شعراوى فى شارع قصر النيل، وشغل المتحف ٤٤ غرفة من القصر، إضافة إلى المدخل والممرات، وفى نفس العام أُغلق المتحف، حيث تم هدم مبناه العريق والمكتبة الملحقة به.

وخلال عام ١٩٦٦ انتقلت المجموعة المصرية من مقتنيات المتحف إلى مقر مؤقت فى فيلا إسماعيل أبوالفتوح بميدان «فينى بالدقى»، بينما انتقلت أعمال الأجانب إلى متحف الجزيرة للفنون، وفى عام ١٩٨٣ تم تخصيص سراى ٤ فى ساحة الأوبرا الجديدة لتكون مقرًا جديدًا ودائمًا لمتحف الفن الحديث وهو المقر الحالى، كأحد منابر الفنون والتنوير التابعة لوزارة الثقافة ممثلة فى قطاع الفنون التشكيلية. 

وجرى إعادة تطويره وتجهيزه ليفى بحاجات العرض المتحفى، وليكون المقر الدائم لمتحف الفن المصرى الحديث، والذى تم افتتاحه رسميًا فى أواخر أكتوبر ١٩٩١، ويشمل العرض المتحفى حاليًا الطوابق الثلاثة للمتحف، إضافة إلى عرض فى الهواء الطلق فى مقدمة المتحف لأعمال النحت كبيرة الحجم، وقد خضع المتحف لعمليات تطوير متعددة شملت نظم العرض المتحفى والإضاءة والنظم الأمنية خلال الفترات المتعاقبة حيث افتتح فى ٥ مارس ٢٠٠٥.

ويتكون المتحف من ثلاثة طوابق تضم ١٥ قاعة للعرض، وتم انتقاء ٨٨٨ لوحة للعرض اُختيرت بعناية شديدة.

وتتنوع المعروضات بين الصور واللوحات والخزف، وتأتى من بين ١٧ ألف عمل فنى من مقتنيات المتحف الذى يعد واحدًا من أهم المتاحف بمصر، فبه ثروة وكنوز لا تقدر بثمن، ومقتنيات تؤرخ للفن التشكيلى بمصر.

ويضم أعمالًا تظهر تنوع الفنانين المصريين المعاصرين، حيث تم تقسيم طوابقه الثلاثة بحسب الرواد والأجيال، فالطابق الأرضى يضم جيل الرواد التسعة الرئيسيين فى حركة الفن التشكيلى من عام ١٨٨٧ حتى عام ١٩١٠، ثم الطابق الثانى يضم الجيل الذى بعده، وكذلك الطابق الثالث يضم جيل الشباب المعاصرين.

فكل ثلاثة أشهر تبدل إدارة المتحف ما هو معروض من إنتاج الفنانين الشباب حتى تمنح الفرصة لأكبر عدد ممكن منها للظهور، فهو يعرض الروح الأصيلة للفنان المصرى الذى أبدع ورسم ونقش من آلاف السنين.

عملية التطوير

 

أُغلق المتحف فى عام ٢٠١٠ لأعمال التطوير والصيانة والترميم، حتى يكون صرحًا ثقافيًا يليق بالموروثات الفنية المصرية التى تروى تاريخًا عظيمًا راقيًا عرف الفن منذ القدم، وأعمالًا أخرى تصور معالم العصر، بعد أن تم افتتاحه جزئيًا فى ٢٠١٤ جرى غلقه مرة أخرى، وأُعيد افتتاحه فى ٢٥ نوفمبر عام ٢٠٢٠.

وأهم ما شمله ملف التطوير تحديث منظومة الأمن والمراقبة، وكذا أعمال التوصيف والتسجيل الدقيق دفتريًا وإلكترونيًا، وأنظمة الكهرباء، فقد كان المتحف قبل تطويره يضع أعمال العرض بأقصى تقدير ٤١٩ فنانًا بإجمالى ٦٠٠ قطعة، بينما أصبح حاليًا قادرًا على استيعاب أعمال ٧٠٤ رسامين بإجمالى ٩٠٠ عمل.

وخلال عملية تطوير المتحف استحدثت وزارة الثقافة قاعة جديدة للفنان رمسيس يونان، تتضمن ٢٤ عملًا من أعماله أهدتها ابنتا الفنان الراحل للمتحف، وحالت أعمال تطوير المتحف دون عرضها فى السابق. ويتكون العرض من ٨ لوحات زيتية و١٦ اسكتش، كلها جرى إنتاجها فى ستينيات القرن الماضى.

أبرز اللوحات

تعد لوحة «الجوع» أو «الكورس الشعبى»، للفنان عبدالهادى الجزار واحدة من أهم مقتنيات المتحف التى تسببت فى اعتقاله فى عهد الملك فاروق، واعتقل شهرًا هو وأستاذه، وصودرت اللوحة، وأُلغى المعرض، وكانا أول تشكيليين يُعتقلان بسبب لوحة، وتضم اللوحة مجموعة رجال ونساء وأطفال يقفون حفاة صفًا واحدًا، ويرتدون ملابس بالية، وإحدى النساء منتقبة، وأخرى عارية، والثالثة شعرها أشعث، والرجال بملابس نسائية دلالة على هوانهم، وأمامهم جميعًا أطباق فارغة، ينتظرون طعامًا لا يأتى، وعلى وجوههم بؤس وحيرة.

كما تعد لوحة «المدينة» التى رسمها رائد الفن المصرى المعاصر الفنان محمود سعيد، عام ١٩٣٧، واحدة من أسمى المقتنيات، وهى لوحة مجمعة من أعمال فنية له، وكأنه قد أراد أن يجمع كل أبطال لوحاته فى هذه اللوحة مثل: بنات بحرى وبائع العرقسوس وراكب الحمار مع ابنه، وحاملة الجرة، وحاملة القلل تنظر من الشباك، والمقرئ مستندًا إلى جدار، وبائع البرتقال، والجالس على سور الكورنيش، وأم وابنها فى حوار حميم، تطلان من التراسينة الخشبية، والمراكبية فى مراكبهم الشراعية والملامح المعمارية لبيوت رشيد، والنهر بشاطئيه، وهضبة المقطم تعلوها قلعة صلاح الدين، ومسجد محمد على، وقد صور كل ذلك فيما يشبه الكولاج المحكم، وراعى مسألة تكبير العناصر من الإطار وتصغير تدريجى للعناصر.

ويضم المتحف مجموعة كبيرة من التماثيل، ومن أشهرها تمثال «إيزيس» للفنان محمود مختار، وتمثال البرد، ولوحة الفنان حسين بيكار بعنوان «مغربى».

وتوجد ضمن مقتينات المتحف لوحات تعكس تطور الحياة فى مصر طوال القرن العشرين، وبالطبع لا تخلو من وجود الفلاح المصرى بكثرة، ولوحة لعمال الحديد والصلب رسمتها مودى حكيم، وكذلك البطالة حاضرة فى لوحة بديعة لحامد عويس، ولوحة بائع الزهور التى رسمها حسين يوسف، وعندما ننظر فى المعروضات نجد السياسة ليست غائبة، فهناك لوحة لاجتماع سياسى كبير، ولكن الحاضرين فيه مكممو الوجوه، والعملاق الذى يحاول الفكاك من القيود والذى أبدعه جمال السجينى فى ستينيات القرن الماضى رسمه عمر الفيومى.

ونجد أيضًا شخصيات الأدب والفن حاضرة فى صورة توفيق الحكيم التى رسمها أحمد صبرى، والتمثال النصفى لمديحة يسرى الذى نحته كمال جاويش، فكل المدارس الفنية موجودة من الواقعية إلى التأثيرية والتكعيبية وغيرها من المدارس الفنية التى تعكس تفاعل الفنانين المصريين مع ما يموج من تيارات فنية فى العالم وخصوصًا فى أوروبا، وأما عن قادة مصر فهناك تمثال صغير ربما كان للملك فؤاد، ولا تخلو مائدة الطعام والفواكه أيضًا من الصور، فقد وجدت مجموعة كبيرة من طعام الإفطار الشهير فى مصر الفول والبيض والطعمية، وفاكهة التفاح، وكانت المناظر الطبيعية حاضرة بقوة فى كثير من الأعمال الفنية، وكذلك الشواطئ وغيرها من الأعمال التى جسدت كل مناحى الحياة.

ومن بين الرسامين الأعلام الذين ملأت لوحاتهم المتحف أحمد صبرى وأحمد لطفى وجورج الصباغ، ومحمد حسن، وراغب عياد، ومحمود سعيد، والأخوان وانلى ورمسيس يونان، مرورًا بتحية حليم وجاذبية سرى وجورج بهجورى، وانتهاءً بفاروق شحاتة وفاروق حسنى، إضافة إلى أعمال غنية متميزة من مختلف الأجيال والحقب الزمنية التى قد استلهمها الفنانون من الموروث المصرى القديم فى عناصر الفن الفرعونى والبعض أخذ من المدارس الغربية الحديثة.

المواعيد وأسعار التذاكر

يفتح المتحف أبوابه طوال أيام الأسبوع عدا الجمعة والإثنين من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثالثة والنصف عصرًا، وفيما يخص أسعار التذاكر فقد تم تحديدها للطلاب ٥ جنيهات، والمصريين ١٠ جنيهات، وأما الزوار الأجانب فسعر التذكرة ٢٠ جنيهًا.

ويقدم المتحف العديد من الأنشطة الثقافية والفنية للزوار والأطفال، فقد نُظم الكثير من الورش الفنية منذ افتتاحه، يقدمها متدربو الفرقة الرابعة من كلية التربية الفنية بالمتحف. 

مديرة المتحف تتحدث

قالت الدكتورة إيمان نبيل، مديرة متحف الفن الحديث بدار الأوبرا، إن المتحف يضم مجموعة متميزة من العاملين به، حيث يوجد به ٧ أمناء، على دراية كاملة ووعى تام بالفنون التشكيلية والبعض منهم حاصل على ماجستير ودكتوراه فى النقد والأدب، وبعضهم يجرى أبحاثًا يطور من نفسه.

وأضافت، لـ«الدستور»، أن العاملين بالمتحف يتم تأهيلهم بشكل منتظم، من حيث الدورات التدريبية، وكذلك القراءة والأبحاث، وجميع العاملين بالمتحف يعرفون قيمة اللوحات والتماثيل وتاريخها.

وأشارت إلى أن أهم وأبرز الرسامين الجزار والفنان أحمد صبرى، ولوحته الشهيرة توفيق الحكيم، ومحمد حسن محمد، ورمسيس يونان، والمتحف يستعرض أعمالًا من بدايات القرن العشرين حتى تسعينيات القرن الماضى، ويضم المتحف ٧٠٤ رسامين بإجمالى ٩٠٠ عمل، يعرضون أعمالهم فى ١٥ قاعة، وتم وضع علامات ترقيم على القاعات وليس أسماء.

وأوضحت أن المتحف على مدار تاريخه توافد عليه عدد كبير من السفراء والوزراء، والرحلات المدرسية والجامعات وزيارات كثيرة، من مصر وخارجها، ويتوافد على المتحف يوميًا ما بين خمسين إلى أكثر من سبعين زائرًا معظمهم من الأجانب. 

وقالت إن المتحف يقدم الكثير من الأنشطة المتنوعة للزائرين منها ندوات عن الفن التشكيلى وحفلات موسيقية وورش فنية وثقافية للأطفال بشكل مستمر، كما يساعد المتحف الباحثين فى أعمالهم من حيث تاريخ اللوحات والفنانين والتماثيل التى توجد به. 

وأشارت إلى أن «المتحف عندما تأتى زيارات رسمية يتم إبلاغنا بها ومستعدون إليها، وأما فكرة إقامة المعارض المؤقتة فمتوقفة الآن، لأن المتحف مر بمرحلة تطوير».

وأكملت: «وعودة الناس للمتاحف لن تكون إلا عن طريق تعريف النشء بالمتاحف، وكذلك الدعاية والتسويق للمتحف عن طريق جميع الوسائل الممكنة وخاصة السوشيال ميديا، ومما يساعد على تعريف الناس بالمتحف أنه مدرج فى البرنامج السياحى، وهذا يجعله قبلة الأجانب والوافدين»، موضحة أن افتتاح المتحف بعد الترميم كان فى ظروف استثنائية فى جائحة كورونا.