رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الحرب فى الشرق» تروى مأساة هزيمة ٦٧ وفرحة نصر ١٩٧٣

يوم الجمعة الماضى ١٣ أكتوبر ٢٠٢٢ حضرت ندوة بمقهى الفيشاوى العريق بجوار المسجد الحسينى وفى رحابه وعبق التاريخ، وهى ندوة حديثة نوعًا ما، وتعتبر صالونًا أدبيًا مستقلًا، يضاف إلى سلسلة الصالونات الأدبية المنتشرة فى القاهرة، ومشاركة من القطاع الخاص فى إثراء الحركة الثقافية إلى جانب الجائزة التى خصصها أحد رجال الأعمال للشعر والقصة والنقد الفنى. 

وقد بدأت الندوة تكتسب جمهور المثقفين فى مصر، ويفد إليها الأدباء من كل أقاليم مصر، فضلًا عن النخبة المميزة التى تدير الندوة ممثلة فى الكاتبة المعروفة مى مختار، والدكتور زين عبدالهادى والكاتبة منى ماهر. 

كانت الندوة لمناقشة رواية «الحرب فى الشرق» للدكتور زين عبدالهادى، وتعتبر الرواية السادسة للدكتور زين عبدالهادى الذى نشر أول أعماله عام ١٩٩٥ برواية المواسم.

أما تلك الرواية فهى من الروايات القليلة التى تتناول موضوع الحروب التى خاضتها مصر فى الستينيات والسبعينيات، وتركز على منطقة تتعلق بحرب العدوان الثلاثى على مصر وتدمير المدينة وتهجير سكانها، وهو ما كان يشكل حالة مأساوية وإنسانية كاملة فى مصر كلها، وهى تدور فى أغلب فصولها على لسان صبى أصبحت كل رغبته التى يتمناها من أبيه هى زيارة بورسعيد وكان ذلك فى صيف ١٩٦٩. 

كما يعد الدكتور زين عبدالهادى من جيل التسعينيات فى الرواية العربية ويتميز بخطوطه الإنسانية وعمق شخصياته. وقدرته الشديدة على التمسك بتلابيب القارئ حتى نهاية الرواية. ويظل البناء الروائى عنده مكتملًا حتى السطر الأخير.

وهو ما عبرت عنه الناقدة الدكتورة أمانى فؤاد فى تناولها بالنقد للرواية. كان ردها راقيًا وموضوعيًا. وقالت إن جو الهزيمة التى حدثت ساعد على تشكيل صورة صادقة عبرت عنها الرواية. وهنا قاطعتها الكاتبة المعروفة سلوى بكر التى تنتمى إلى جيل الستينيات المشبع بالناصرية والحساسية للهزيمة، واعترضت على مصطلح الهزيمة الذى استخدمته الناقدة الدكتورة أمانى وردت أمانى فى صورة تساؤل يقول:

- وماذا نسمى ما حدث فى ١٩٥٦؟

وبتلقائية وعفوية ردت الكاتبة سلوى بكر قائلة:

- النصر.

بالطبع كان الضحك سيد الموقف، وحدث تداخل من الجمهور، مؤيدًا مصطلح الهزيمة دون أدنى حساسية، مع اعتراض الكاتبة سلوى بكر ودهشة الدكتور زين عبدالهادى الأكاديمى المعروف والروائى فتحى إمبابى الذى عبر بابتسامته الساخرة عن موقفه من الجدل الذى احتدم بين جيل الناصريين وجيل جديد يسمى الأمور بأسمائها.

وربما أغلب الحاضرين لم يشهدوا تلك الأيام، لأن أكثرهم فى سن الشباب، الذى مضت عليه أكثر من ستة وستين سنة.

وبعيدًا عن الصورة التاريخية لما درسناه فى المدارس وتعلمناه وقتها، فإننا تعلمنا أننا انتصرنا، بدليل الأغنيات التى دشنها عبدالحليم وغيره من الأغانى القومية التى لا تزال تُتداول حتى اليوم، مثل نشيد «الله أكبر، والله زمان يا سلاحى، وهذه أرضى أنا»، وغيرها من الأغانى التى هزمت العدوان. والعيد الذى كانت الدولة تحتفل به فى ٢٣ ديسمبر، كما كان هذا اليوم أيضًا إجازة رسمية، ألغاها السادات قبل انتهاء أيامه الأخيرة.

العدوان كان بسبب قيام مصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس لتصبح مصرية وملكًا لمصر، كان هذا يلائم السياسة المصرية فى ذلك الوقت، حيث كانت تسير فى ركاب المعسكر الشرقى، الذى يرى أن من حق الدول تأميم الشركات الأجنبية، غير أن القرار أصاب أصحاب المصالح فى شركة قناة السويس وهى بريطانيا وفرنسا، وانضمت إليهما إسرائيل التى كانت تنتظر أى مناسبة لإثبات وجودها العسكرى، وقامت الدول الثلاث بغزو مصر عسكريًا، وانصب الهجوم الجوى كله على مدينة بورسعيد واجتاحت إسرائيل منطقة سيناء بالكامل دون مقاومة.

بالطبع ساندتنا الكتلة الشرقية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى، ودول عدم الانحياز مثل الهند ويوغوسلافيا قبل تقسيمها. وكانت أمريكا تريد أن تثبت زعامتها على العالم، فأنذرت الدول الثلاث بالانسحاب، وتحت ضغوط روسيا وأمريكا استجابت تلك الدول وانسحبت، وهو ما اعتبرناه انتصارًا لنا، وجندت مصر كل قواها الناعمة الفنية والثقافية لتكريس يوم ٢٣ ديسمبر عيدًا للنصر. 

منشأ الخلاف بين سلوى بكر والدكتورة أمانى فؤاد هو تمسك الكاتبة سلوى بكر بمصطلح النصر، باعتبارها ناصرية عتيدة، وتمسك الدكتورة أمانى فؤاد بالواقع الذى حدث لمدينة بورسعيد التى تهدمت بالكامل، وتم تهجير عائلاتها وسكانها بطريقة بشعة، عبرت عنها الرواية كما أوضحنا. 

المشكلة أن تلك القصة، قصة العدوان الثلاثى. وما حدث فيه، لم تعد تهم الناس، ولم يكترثوا لأى تسمية يمكن إسباغها على ما حدث، ولكن الواقع يقول إنه لولا تدخل الدول العظمى وقتها، لم تكن مصر قادرة حتى على إدارة القتال. وكانت هناك مقاومة شعبية فقط صنعت مجدًا بالبطولات الفردية. 

وهو نفس ما حدث حول هزيمة يونيو والتى تم تدليلها باسم النكسة، وأصبح الاسم ثقيلًا على المسئولين عنها، ولم نصرح بأننا انهزمنا فى حرب ١٩٦٧ إلا بعد أن أحرزنا النصر فى أكتوبر ١٩٧٣.

إلا أنه خلال الندوة، كان هناك تساؤل حول ما إذا كانت رواية «الحرب فى الشرق» تعتبر ضمن روايات الحرب المصرية التى صدرت فى فترات الحروب، وهى «أبناء الصمت» لمجيد طوبيا، و«الأسرى يقيمون المتاريس» لفؤاد حجازى، و«الحرب فى بر مصر» ليوسف القعيد، ثم «وميض تلك الجبهة» لسمير الفيل؟