رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموت في المدارس!

يترقب الصغار بداية العام الدراسي بالأشواق العارمة، هكذا مهما يكن ضجرهم من الاستيقاظ المبكر وقلقهم من المسؤوليات الدراسية، وحين يذهبون إلى المدارس ليتعلموا ويمرحوا يذهبون مفعمين بالبهجة والأمل، وأما أولياء الأمور فيرجون لأبنائهم أن يعودوا إليهم سالمين غانمين، بعد نهاية يوم دراسي حافل بالعلوم المنوعة والأنشطة والمجهودات الذهنية والبدنية.. 
بالأمس القريب أخطأت طفلة في الإملاء فعاقبها المعلم بالضرب على رأسها بعصاته، أو بخشبة كما أوردت بعض الأخبار في حينه، وكانت النتيجة فقدانها للحياة.. كان الله في عون والديها وزملائها طبعا، ومن عجيب أن العنف في المدارس ممنوع بكل أشكاله، ممنوع بالقانون، وتوجيه الطالب بالحسنى، عند الخطأ، هو الوسيلة الوحيدة التي يملكها المعلم ليصحح الأوضاع، ولكن جماعة من المعلمين أدمنوا عقاب التلاميذ باستخدام العصي والأيدي والأرجل والشتم والتذنيب والطرد من الفصول، وكلها طرق لا إنسانية تتسبب في إحراج التلميذ أمام الباقين فتصيبه بالأذى النفسي وتجعله معدوم الثقة مع تكرارها؛ ومن ثم لا تحقق العملية التعليمية هدفها الأسمى الذي هو تقديم شخص سوي للمجتمع، تضاف طاقته الخلاقة إلى الطاقات الأخرى؛ فيحدث التعاون النافع الذي يحصد الجميع ثماره..
لا يتفهم المعلمون محدودو العقول أمرا بديهيا كهذا الأمر؛ فيعاقبون تلاميذهم عقابا مهينا باستمرار، عقابا يسلب التلميذ كرامته فيشوه روحه تشويها، وكم في الهيئات والمؤسسات من موظفين معقدين، يعاني منهم المتعاملون أشد المعاناة، ربما كان ماضيهم التعليمي السلبي أساسا في حالتهم البائسة غير المفسرة!
كما أننا ضد عقاب المعلم للتلاميذ الصغار فإننا ضد اعتداء الطلاب الكبار على أساتذتهم بالمثل، أيا كانت الدواعي، فثم طلاب، في المرحلة الثانوية بالذات، يقومون بالاعتداء على الأساتذة، بمنتهى الجرأة والوقاحة، وهو اعتداء قد يفضي إلى الموت أيضا، معنويا كان أو ماديا، والمؤسف أن المعلمين لا يكفون عن معاقبة التلاميذ الصغار، بحجة الأخطاء أيا كانت، والطلاب الكبار لا يكفون عن الاشتباك المؤسف مع أساتذتهم، كلما وجدوا أسبابا، وهكذا دواليك.. إن الذهاب إلى المدارس كان يعني، مجملا، أن الحياة هي الهدف؛ فإذا صار الذهاب إليها
يعني موتا ما فإن المعادلة الواضحة حوت غموضا يجب إزالته بسرعة..
التربية والتعليم لا ينفصلان، والمنظومة التعليمية، في المرحلة الأساسية بالأخص، تهتم بالتربية نفس اهتمامها بالتعليم (يقترن المعنيان في مسمى الوزارة)، والأهالي كما يحسنون الظن بتعليم أبنائهم في المدارس يحسنونه بتربيتهم فيها، أي إتمام التربية التي تضطلع بها البيوت أصلا، وعلى هذا يجب أن يكون شهيرا أن الشأن التربوي ظل الشأن التعليمي، وأنهما متكاملان..
قانون منع العنف في المدارس موجود كما أسلفت، ولكنه وجود بلا تطبيق؛ فلنسرع في تفعيله بكل طريقة ممكنة، ومن ذلك أن نطلق أسماء الضحايا على مدارسهم تخليدا لهم وتعزية لذويهم وتذكيرا بعقبى إهدار القانون!