رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا تؤجج الصراع في ليبيا

في مؤتمر صحفي مشترك، عقب مباحثاته مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياديس، أكد سامح شكري، وزير الخارجية، على أن حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس ـ ليبيا، لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقيات دولية أو مذكرات تفاهم، وأن هذه الحكومة أتت وفقاً لاتفاق وتفاهم، تم صياغته واعتماده من قبل الأمم المتحدة، وبالتالي لا يجب أن تكون الأمم المتحدة صامتة فيما يتعلق بالتنفيذ الكامل والأمين لما اعتمدته وصاغته، من اتفاق واضح ضمن منتدى الحوار الليبي.
وذلكعندما كلف هذه الحكومة بالاضطلاع بمدة ولايتها وبمهمة محددة وهي الوصول الى نهاية المرحلة الانتقالية بعقد الانتخابات في 24 من ديسمبر الماضي وهي المسئولية التي لم تضطلع بها.. في الوقت الذي ذهبت فيه حكومة الدبيبة، المنتهية صلاحيتها، إلى توقيع اتفاق مع الحكومة التركية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.. الأمر الذي يثير التعجب من تكرار أنقرة محاولتها في هذا الصدد، بعد ثلاث سنوات من محاولتها الأولى مع حكومة فايز السراج السابقة.
وفي محاولة لتفسير أسباب رغبة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في السيطرة على ليبيا، نجد أنه، «إذا كان من السهل فهم تورط تركيا السياسي والعسكري في سوريا، على طول حدودها الجنوبية، لصراع مع تداعيات متعددة على أراضيها، فإن تدخلها في ليبيا البعيدة قد يكون مفاجئاً».. أن أحد الأسباب الرئيسية لتأجيج الحرب الأهلية الليبية، هو طموح الرئيس التركي لإدخال بلده في دور القوة الإقليمية، في مختلف صراعات العالم العربي، خاصة وأن حكومة طرابلس يهيمن عليها شخصيات إخوانية.. وإردوغان يريد تحويل طرابلس إلى مسرح لحرب بالوكالة واسعة النطاق.
وهنا، «لا يجب على ليبيا، أن تقع في أيدي تنظيم الإخوان، الذين لهم نفوذ داخل المؤسسات الليبية».. ونقلت إحدى الصحف الفرنسية، عن أستاذ العلوم السياسية بمعهد باريس، علي بن سعد، قوله «إن تركيا تدافع بشكل أساسي عن حكومة طرابلس، بتقديم الأسلحة والطائرات بدون طيار والعربات القتالية والمقاتلين المسلحين، في انتهاك صارخ لقرار الأمم المتحدة بحظر الأسلحة في ليبيا».
هناك عدة دوافع، حركت تركيا وحكومة طرابلس، للتوقيع بشكل سريع وغير مُعلن كاملاً على الاتفاق.. وتتساوي حدة الدوافع لدى الجانبين، إلا أنها تتباين في الاتجاهات، بين مصالح الهيمنة الاقتصادية لدى تركيا، وأخرى ذات طبيعة عسكرية لدى طرابلس.. ويمكن الإشارة اليها فيما يلي..
■ مناوأة منتدى غاز شرق المتوسط.. حيث ترى تركيا، أن الفرصة سانحة لإضفاء شرعية على تحركاتها المشبوهة شرق المتوسط، بتعزيز تحركاتها للتنقيب عن الغاز ـ بالمخالفة لقواعد القانون الدولي ـ وخصوصاً في منطقة النزاع مع قبرص.. وسيعزز الاتفاق من جهودها، استناداً إلى اعتراف السراج ـ سابقاً ـ بمقابلة المياه الاقتصادية التركية للمياه الاقتصادية الليبية، الأمر الذي ينتقص من حقوق قبرص اليونانية، المنضمة الى تجمع دول منتدى غاز شرق المتوسط.
■ تبرير التدخل التركي في الشأن الليبي.. إذ يعتقد النظام التركي أن توقيع اتفاقيتي تعاون، أمني وبحري، ثم اتفاق التنقيب الأخير، سيمكنه من التحرك بحرية في المياه الليبية، وسيجعل بإمكانه الالتفاف على عمليات التفتيش البحري، وفقاً لقرارات مجلس الأمن، ومن ثم إيصال المزيد من الدعم والأسلحة للمليشيات في طرابلس.. كذلك توفير مبررات للتحرك على سواحل ليبيا، بما يهدد أمن وسلامة ومصالح الدولة الليبية.
■ فرض الإرادة على طرابلس.. حيث وجدت تركيا الفرصة سانحة أمامها لفرض منظورها على الحكومة هناك، ودفعها للتوقيع على اتفاقيتي التعاون البحري، من قبل، إلى جانب الاتفاقية الأخيرة، بعد تراجع قدرات ميليشيات الوفاق والتنظيمات التابعة لها، في وجه الجيش الوطني الوطني الليبي.. لذا فإن أى عرض ستقدمه تركيا ستوافق عليه الحكومة، أملاً في حصاد دعم تركي جديد لعناصره.
■ إشعال الصراع واستنزاف الموارد.. تستهدف تركيا إشعال الصراع الليبي مجدداً، لذلك يأتي الاتفاق فرصة لإمداد الميليشيات والتنظيمات الإرهابية بالمنطقة الغربية، بما يمكنها من إعادة بناء قوتها، وتعويض الخسائر التي مُنيت بها، في المواجهات السابقة مع الجيش الوطني، وهو الأمر الذي سيقود إلى تقويض جهود إعادة الأطراف الليبية، للتفاوض حول مسار جديد للحل السياسي، وإعادة تشكيل دورة صراع جديدة تدخلها المليشيات بقدرات أحدث، وتعيد خلالها تركيا استنزاف الموارد الليبية، مقابل دعمها لجكومة طرابلس.
■ توفير الدعم للميليشيات المسيطرة على العاصمة.. ويرتبط هذا الهدف، بشكل رئيسي، بحكومة طرابلس، التي تقع دولتها المحصورة في 2% من مساحة ليبيا، وهي أيضاً خارجة عن سيطرتها وقابعة تحت يد مجموعات مسلحة، لا يوجد لدى الحكومة حيلة للتعاطي معها، سوى تقديم الدعم لها؛ لضمان وجودها في صدارة المشهد.
في مقال تحليلي نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية، يناير 2020.. أكد روجر بويز، المحرر الدبلوماسي، أن تركيا تشكل مصدر إزعاج كبيراً، حيث تحاول الوصول عبر المياه الإقليمية إلى ليبيا، بهدف إحياء فكرة الإمبراطورية العثمانية القديمة أو ما يعرف بـ «الوطن الأزرق»، من خلال إظهار القوة البحرية التركية في البحار الثلاثة، إيجة والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط.. في 2019، أجرت أنقرة مناورات بحرية كبيرة، بالتزامن مع عمليات التنقيب عن الغاز.
وقد أبرمت صفقة مع حكومة فايز السراج في طرابلس، تخلق ممراً استراتيجياً رمزياً بين «دالامان» على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا، و«درنة» على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا.. هذا الاتفاق يعكس مطامع إردوغان، رغم أن حليفه، وقتئذ، أو ما يسمى حكومة الوفاق، لا يسيطر حتى على تلك الشريحة من الساحل الليبي، لكن الرسالة كانت واضحة، وهي مشاركة أنقرة في تقسيم البحر الأبيض المتوسط.. وتحقيقاً لهذه الغاية، تعهد إردوغان بتقديم الدعم العسكري لحكومة طرابلس الضعيفة، مما يعني تورط أنقرة عضو «الناتو»، في مواجهة دموية بالشرق الأوسط.
نشر إردوغان مرتزقة سوريين من أصل تركماني، للقتال بالوكالة عن أنقرة، كما اختبرت تركيا طائرات مُسيرة محلية الصنع كسلاح جديد، مما يذكّر، في بعض النواحي، بالمراحل الأولى من الحرب السورية.. هذا الوضع، يمكن أن ينتهي بمزيد من الفوضى، ويفضي إلى سفك الكثير من الدماء.. وحذر الكاتب، وقتها، من أنه، في حال تفكك ليبيا، ستتسارع وتيرة انقسامها إلى كيانات قبلية، مما يثير تساؤلاً وحيداً، سيطرحه أي شخص بشأن مستقبلها، وهو: من يمكن الوثوق به للسيطرة على تدفق نفطها الثمين.. ولفت إلى أن طموح إردوغان أوسع من ذلك، حيث يعلم أن تركيا تم تهميشها، بعد أن كانت فيما مضى، قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، وهذا يُعزى جزئياً إلى افتقاره للبصيرة.. ورجح أنه ربما يسعى إلى إنقاذ موقفه، من خلال مساومة الاتحاد الأوروبي على إيواء نحو 3.5 مليون لاجئ من سوريا وشمال إفريقيا، كانوا سيغمرون أوروبا لولا ذلك.
واختتم بالقول، إنه في حال زاد نفوذ تركيا في ليبيا، فإن نقطة الانطلاق الكبيرة القادمة للهجرة الجماعية إلى أوروبا، ستكون تحت سيطرة إردوغان، الذي يسعى لاستعادة ميزة جيوسياسية، من خلال التهديد المتمثل، في فتح صنابير موجة جديدة من المهاجرين، واستغلال البحر المتوسط لكسب نفوذ سياسي.
وتصديقاً لما ذهب إليه، المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، في ديسمبر 2019، من أن تركيا فاقمت الوضع في ليبيا، وتسبب تدخلها تحديداً، في تأجيج الصراع بطرابلس، وأن مصداقية الأمم المتحدة على المحك في ليبيا، بعد أن بات المجتمع الدولي عاجزاً أمام هذا الوضع، وأمام تسليم السلاح، وانتهاك حظر توريده إلى ليبيا، وعجز مجلس الأمن الدولي عن فرض هذا الحظر، بموجب المرسوم الصادر عام 2011، بسبب انتهاك بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن لهذا الحظر، وليس فقط الدول الإقليمية.. تصديقاً لذلك، حذرت صحيفتان فرنسيتان، من مطامع الرئيس التركي في ليبيا، وطموحه لتوسيع نفوذه في المنطقة، معتبرتين أنه يريد تحويل طرابلس إلى مسرح للحرب والصراعات الدولية لتحقيق أطماعه.
وتحت عنوان «ليبيا، الحدود الجديدة لطموحات إردوغان»، قالت صحيفة «ليبراسيون»، إن إردوغان، أجرى ـ فيما سبق ـ زيارات مكوكية، منها إلى تونس للحصول على الدعم اللوجيستي من أراضيها، والموافقة الضمنية بعدم الاعتراض من دول المنطقة على الغزو التركي لليبيا.. وبعد 24 ساعة، من زيارة إردوغان غير المتوقعة إلى تونس، أعلن الرئيس التركي أنه سيقدم إلى البرلمان، أوائل يناير 2020، اقتراحاً بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة السراج.. واعتبرت تلك الخطوة، طريقة إردوغان لتوسيع دائرة نفوذه، بدعم الحكومة الهشة في ليبيا.