رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كش ملك

منذ 25 عامًا حكي لي أحد الأصدقاء المفكرين قصة معبرة، وقد بحثت عن مرجعها ولكن لم ‏أحصل عليه، وهنا ليس المرجع هو المهم بل التعبير الأدبي والثقافي عن مجريات تلك القصة ‏هو الأهم، تلك القصة قبل أن اسردها في مقالي هذا فهي تعبر عن الذي حدث في مصر منذ ‏سبعينيات القرن الماضي إلى وقتنا هذا.‏

القصة، في الرواية الهندية يذكر بأنّ الذي اخترع الشطرنج هو وزير يدعى سيسا كان يعمل ‏لدى ملك يدعى شرهام، وكان يريد تسليته بلعبة تجلب عقله وترفع عنه الهم، إلا أنّ الملك ‏أعجب كثيرًا باللعبة، فأعطاه مكافأة، وطلب منه تحديدها بنفسه حتي لو كانت "جزءًا من ‏مملكته"، أمّا سيسا فقد خالف توقعات الملك وطلب حبة أرز واحدة توضع في المربع الأول، ‏ثمّ تضاعف في المربعات الأخرى حتى يتم انتهاء جميع مربعات الشطرنج الأربعة والستين، ‏ولكن الملك سخر من طلبه واعتبر ذلك الوزير "مجنون وغبي"، إلا أنه أمر له بما يريد، ‏فاتضح في نهاية اللعبة، أنّ مجمل محصول أرز الهند سيكون ملكًا للوزير الذي اخترع اللعبة ‏لمدة 20 عامًا، وبما أن الأرز كان هو غذاء مملكة الهند العظمي ولشعوب أخري كثيرة، ‏ومصدر اقتصادها الأول فأصبح ذلك الوزير هو حاكم البلاد الفعلي والمتحكم في كل شئونها، ‏هنا أيقن الملك أن كل حكم المملكة قد ضاع منه، وأنه هو المجنون والغبي وليس الوزير.‏

هذا ما حدث في مصر وكانت البداية نظام السادات في السبعينيات عندما أراد القضاء علي ‏الهوية المصرية فسلم وزارة التعليم إلي يد الجماعات المتطرفة، وبالطبع وضعوا المنهج الذي ‏هو أول حبة أرز (ثقافة إرهابهم) في قطعة الشطرنج التي تمثل (الهوية المصرية) وفي كل تحرك عبر كل ‏عام دراسي الذي يمثل كل مربع في "قطعة الشطرنج" تتضاعف حبات الأرز، ‏وفي الربع الأول من مربعات الشطرنج تم حصار الملك (السادات) والقضاء عليه برصاصة ‏كش ملك بيد أحد عساكر القطعة التابعين للوزير مخترع الشطرنج، رغم أنه كان حليفًا سياسيًا وربما أيدلوجيًا لهم، وجاء ملك آخر ليستكمل ‏اللعبة (حسني مبارك) لم يكن لديه أي مهارة أو علم باللعبة فعمل علي إطالة مداها الزمني ‏والتسلية مع مخترع اللعبة (الجماعات المتطرفة) لكي يجلس أطول فترة ممكنة علي رقعة ‏الشطرنج فترك لهم كل تنقلات اللعبة علي قطعة الشطرنج، وطلب منهم امتلاك كل شيء، ولكن ‏أن يتركوا الملك يعيش بدون حصاره والقضاء عليه كمثل سابقه السادات، فامتلكوا الاقتصاد والنقابات وكل ‏المنصات الإعلامية والتعليمية والثقافية وحكموا قاع المجتمع، لكن في النهاية عندما جاءت ‏الفرصة  تم حصاره، وكان مصيره الرمي به خارج دائرة الغرفة التي تمارس فيها اللعبة ليتم ‏إزلاله والقضاء عليه.‏

وهنا أصبح مخترع اللعبة (الجماعات المتطرفة) هم ما يمثلون الملك والمسلي (محمد مرسي ‏والجماعات المتطرفة) وامتلكهم الغرور ليفعلوا بقطعة الشطرنج (مصر) ما يحلو لهم بعد أن ‏ملأوا كل مربعات قطعة الشطرنج (الهوية المصرية) بكل أرز الشيطان (ثقافة الإرهاب والتطرف) لعشرات سنوات قادمة، وأن الوطن مصر أصبح اللعوبة في ‏أيديهم يفعلون به كما يشاءون.‏

لكن فجأة وجدوا الملايين تصرخ خارج غرفة اللعبة ومطلبها هو القضاء علي الوزير المسلي ‏‏(مرسي) وجماعته المتطرفة وإنقاذ ما تبقي من الهوية المصرية للبناء عليها لما هو قادم.‏

لكن الذي حدث تم إخراج الوزير والملك (مرسي وجماعته) دون القضاء عليهم وبقيت رقعة ‏الشطرنج وحبات أرز عليها وجاء آخرون (السلفيون) من أتباع الوزير المسلي ‏‏(الإخوان) لكي يحافظوا على حبات الأرز (تعاليمهم الإرهابية) التي على الرقعة (الهوية ‏المصرية) ويعملون على تثبيتها تمامًا حتى يتم امتلاك مصر كاملة وستكون النتيجة بكل تأكيد ‏ضياعها.‏

والسؤال المهم والمنطقي بعد مرور 9 سنوات على ثورة 30 يونيو العظيمة: هل الذي حدث ‏في إدارة أحداث تلك الثورة، كان يهدف إلى إنقاد ثقافة الإخوان الإرهابية محاكم فعلي للمجتمع المصري من ثورة  الشعب بدلًا من إنقاذ ‏الشعب من إرهاب حكم الإخوان"؟ سيظل هذا السؤال مطروحًا حتى تتخذ القيادة السياسية خطوات ‏جادة للقضاء على ثقافة الإخوان الإرهابية التي تسيطر على كل شىء وإنقاذ الهوية المصرية وإلا فضياع مصر قادم بكل ‏تأكيد، من له أذن للسمع فليسمع ما يقوله ضمير الوطن للقيادة السياسية قبل فوات الأوان.‏