رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفتى كاليفورنيا في ملتقى التصوف: العلم النافع هو ما يرتجى به رضى الله

مفتي كاليفورنيا يشارك
مفتي كاليفورنيا يشارك في ملتقى التصوف

ألقى الدكتور بلال الحلاق، مفتي ولاية كاليفورنيا الأمريكية، كلمة بفعاليات الملتقى العالمي السابع عشر للتصوف، والذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية، بالمملكة المغربية في الفترة من 5 أكتوبر إلى 11 أكتوبر، بمشاركة علماء وشيوخ وباحثين من دول العالم كافة. 

وتأتي مشاركته الدكتور بلال الحلاق مفتي كاليفورنيا في ملتقى التصوف العالمي؛ بهدف التأكيد على الدور الذى تقوم به الزوايا الصوفية في التصدي للفكر المتطرف والذي تسعى التيارات المتشددة لنشره في المجتمعات. 
وقال "الحلاق" في كلمته:الحمد لله ذي الصفات العلية، والصلاة والسلام على محمد خير البرية، من أرسله الله بالدين القويم رحمة للعالمين، فهدى الضلال، وعلم الجهال، وفتح أعينًا عميا، وءاذانًا صمًا وأيقظ قلوبًا حيرى، وربى أصحابًا أطهارًا، نصروا الدين ورفعوا لوائه في العالمين.

وأضاف: أي ذكرى عظيمة تلك التي يحملها شهر ربيع الأول فإنَّ غُرَّتَهُ لا تكاد تنبثق في أفق الدنيا حتى يسترجع المسلمون ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم، ذكرى ولادة النبي الأعظم، والأكرم، سيد ولد آدم أجمعين، قائد الغر المحجلين، صاحب الخلق العظيم، أسوتنا في كل حين، وقدوتنا إلى الصراط المستقيم،  صلوات ربي وسلامه وعلى ءاله وعِترتِهِ الطاهرين وأصحابِهِ البررةِ المرضيين صلاة وسلامًا تامين دائمين إلى يوم الدين وبعد، فإن الله تبارك وتعالى قد أنعم علينا بنعم لا تحصى وءالاء لا تستقصى، تفضلا منه وكرمًا، من غير وجوب عليه. فوجب علينا شكر النعم، وتعظيم المـُنعم، ولا يكون ذلك إلا بعبادته سبحانه وتعالى ولزوم أوامره والابتعاد عما نهى عنه وزجر. وإن من شكر الله تعالى على نعمه العملُ بالصالحات وهذا دأب الأنبياء ومسلك الصالحين وطريق السلف المهديين، علم وعمل، قولٌ وفعلٌ.
وأوضح : العلم النافع هو ما يُطلب للعمل به رجاء رضى الله، والزلفى إليه، لا الذى يطلب مع سوء نية، أو خُبث طوية، أو لغراض دنيوي من جاه، أو مال، أو مكاثرة في الأتباع، والطلاب أو طلب شهادة دكتوراة أو غير ذلك بل حقيقة الأمر كما قال الإمام ابن الجوزى رحمه الله في العلم أنه: ليس بمجرد صورته هو النافع، بل معناه، وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به، فكلما دلَّه على فضل اجتهد في نيله، وكلما نهاه عن نقص بالغ في مباعدته، فحين إذن يكشف العلم له سره اهـ. 

وتابع: وقد أجاد الخطيب البغدادي رحمه الله حيث صوَّر العلم وكأنه شجرة وثمرتها العمل وقال: وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، والعلم يراد للعمل كما يراد العمل للنجاة، فإن كان العمل قاصراً عن العلم كان العلم كَلًّا على العالم، ونعوذ بالله من علمٍ عاد كَلًّا، وأورث ذلا، وصار في رقبة صاحبه غُلا".

 وأوضح : وقال الراغب الأصبهاني في كتاب-تفصيل النشأتين-: (العبادة ضربان: علم وعمل،وحقهما أن يتلازما، لأن العلم كالأُسِّ والعمل َكالبناء، وكما لن يغنى أسّ ما لم يكن بناء ولا يثبت بناء ما لم يكن أسّ، كذلك لا يغني علم بغير عمل ولا عمل بغير علم. ولذلك قال – تعالى -: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) [فاطر: 10]. والعلم أشرفهما ولكن لا يغني بغير عمل اهـ، وعن لقمان بن عامر قال: كان أبو الدرداء – رضي الله عنه – يقول: (إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربّ. فيقول: ما عملت فيما عَلِمْت) ،فينبغي على المسلم أن يعتني عناية عظيمة بأن يعمل بعلمه وأن يكون عمله مقبولًا، وسعيه مشكورًا مرضيًا عند الله وهذا مطلب عظيم دأب شيوخ الصوفية على الاهتمام به والاعتناء به عناية عظيمة.

وقال: وإن لقبول العمل عند الله شروط ثلاث:الأول الإيمان بالله تعالى وبرسوله إذ هو رأس الأمر وأساس التقوى وهو شرط لقبول العمل الصالح والنجاة في الآخرة، والثانى أن يكون العمل موافقًا لأحكام الدين،والثالث اخلاص النية لله تعالى أى بأن يقصد بالعبادة مرضاة الله لا غير. وعلى هذه الأمور الثلاث يكون كلامنا هنا إن شاء الله تعالى، الشرط الأول ليكون عمل العبد مقبولًا عند الله هو الإيمان بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.  يقول الله تعالى في القرءان الكريم (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي بهذا القيد (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فالإيمان هو أصل الدين وقوامه وشرط قبول العمل الصالح ولهذا قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" -وفي رواية: "إلى أن يوحدوا الله-، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة" فقدم الأمر بالإسلام ومن ثّم عقب بالأمر بالصلاة
 وواصل: كما أن الإيمان شرط لقبول العمل الصالح كان نقيضه وهو الكفر محبطًا للعمل الصالح قال تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فالأعمال الصالحة لا تُقبل مع الكفر والشرك بالله، قال الله: (أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ)[الأحزاب:19]، بل تكون أعمالهم هباء منثورًا (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا). وقال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} نعوذ بالله من ذلك.

 

 واختتم: وهذا أمر لم يغفله الصوفية، بل عرفوه ودرسوه وغرسوه في قلوب اتباعهم فعلموا العقيدة وأمروا بالإيمان وتصحيح العقائد قبل الأعمال والأخلاق، وقد قال الغِطريفُ أبو العباس أحمد بن على الرفاعى الكبير: "أى سادة، نزهوا الله عن سِماتِ المـُـحدَثِينَ وصفات المخلوقين وطهّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار كاستواء الأجسام على الأجسام الـمُستلزِمِ للحلولِ تعالى الله عن ذلك وإياكم والقولَ بالفوقيةِ والسفليةِ والمكانِ واليد والعين بالجارحة والنزول بالإتيان والانتقال" وقال رضى الله عنه أيضًا: "غايةُ المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيفٍ ولا مكان"، وروى الرفاعي وغيره عن أن إمامنا الشافعىّ رضى الله عنه أنه قد جمع جميع ما قيل فى التوحيد بقوله مَنِ انتهض لمعرفة مُدبره فانتهى إلى موجود ينتهِى إليه فكره فهو مشبّهٌ وإن إطمأنَّ إلى العدمِ الصِرْفِ فهو مُعطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحّد.