رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محسن الغمرى: نصر أكتوبر فرحة تسعد كل من شرب من نيل مصر

محسن الغمري
محسن الغمري

يحتفل الشعب المصري اليوم، بالذكرى التاسعة والأربعين، على نصر السادس من أكتوبر 1973. 

وحول ذكرياته عن انتصار أكتوبر، قال الكاتب الروائي محسن الغمري: تذكرني هذه الأيام، بذكريات عزيزة على النفس، حلوة أحيانًا، ومرة أحايين، تتداعى الذكريات، وأتذكر وجعنا، ومنطقتنا العربية، أسترجع مرارة طعم الساعات، ودموعنا الملتهبة تذرفها عيوننا المتقيحة.

أذكر يوم بكيت كما لم أبك أمي، يوم لبسنا السواد حدادًا، في عام 1967، والتي لا يجب نسيانها، منها كان الدرس القاسي، الذي تعلمه القادة، ولم ينساه الناس، ولا يجب أن ننساه، فإن الذكرى تنفع المؤمنين! ثم تستدعي الذاكرة عام الضباب، والضيق والسخرية التي اجتاحت الناس كالوباء، كان ذلك في يناير من عام 1972 ميلادي، وقت أن ثار طلاب جامعة القاهرة من ورائهم طلاب بقية جامعات مصر، آنذاك كنت طالبًا في العام الثاني بكلية الزراعة، جامعة أسيوط، وخرجنا في مظاهرات تضامنًا مع طلاب الجمهورية، مطالبين بإنهاء حالة اللا سلم ولا حرب التي عشناها لسنوات تحت ظل معاناة الهزيمة، كان (الشعب) الطلبة في الطليعة ومن ورائهم العمال، يهتفون ضد مراوغة رئيس البلاد وقائدها الذي وعد أن تكون 1971 هي سنة الحسم، لكنه خلف وعده وخرج علينا بمصطلح عام الضباب، السبب الرئيس في ثورتنا، خرجت جحافل الطلبة تنادي "اصحي يا مصر"، ومن ورائنا قوات الأمن المركزي، التي أنشئت خصيصًا عام 1968 لمواجهة مظاهرات العمال والطلبة، ومنع انتفاضتهم، تنفيذًا لتعليمات الرئاسة، وضربت الشرطة الطلبة العزل، الذي لا يحملون غير كلمات.. هتافات كانت تنادي على مصر الأم كي تفيق من غيبوبة متعمدة بفعل الحاكم وحاشيته، من منافقين وأصحاب مصالح، لمنع استمرار وضع الثبات والموات، أطلقت بنادق الأمن المركزي خراطيش الرش على ظهور الطلبة العارية، وكان من يقع منهم تحت أيديهم، تقوم خرزاناتهم برسم ألوان الوجع على جسده، وكأنه العدو.

ــ الجيش المصري يعبر القناة

واستطرد صاحب رواية "أفندينا" محسن الغمري في تصريحات خاصة لــ"الدستور": ثم وبعد عام وعدة أشهر، وفي شهر أكتوبر من عام 1973، وقد كنت آنذاك أمضي إجازة نهاية العام الدراسي الثالث، في إنجلترا كعادة طلاب الجامعات وقتذاك، إذ كانت الظروف الدولية مهيئة لا لتنقل واستقبال طلبة الجامعات، بجوزات سفر خاصة محدودة الصلاحية، وفجأة جاءت الأخبار عبر موجات الأثير، وكما سمعتها على لسان بعض المصريين، المقيمين بفندق صغير: الحرب قامت! حرب إيه فين؟ الجيش عبر! بتقول إيه؟ بأقولك جيشنا.. الجيش المصري، عبر قناة السويس، ورجعت سينا! كانت كلمات الخبر أكبر من استيعابها من الوهلة الأولى! لم أصدق.

صمت لوهلة محاولًا فهم أو إدراك ما يقال من حولي وأهازيج المصريين المغتربين. انتبهت إلى نفسي أصيح.. أصفق.. وأقفز ومن حولي، من شباب مصري، كان لوقع الخبر علينا ونحن بعيدون عن أرض الوطن، وحضن الأهل، أثر كبير، فرحة النصر وتحرير الأرض، نشوة وافتخار، تجمعنا وصرنا إلى مقر سفارتنا رافعين الأعلام، مهللين مكبرين، ونحن نقف على أرض هؤلاء الذين رسموا وخططوا ونفذوا، جريمة استقطاع قطعة غالية من بلاد العرب، وتسليمها لمعتد أثيم، كانت الفرحة كأنها فرحة العيد، لكنه عيد لجميع المصريين، مسلميهم ومسيحيهم، فرحة النصر وتحرير الأرض، فرحة تسعد كل من شرب من نيل مصر.