رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جرائم الشرف فى الصعيد

لو مس أحد قومي الصعايدة بكلمة، فيما يخص الشرف بالذات، فإن القيامة تقوم، وبالأمس القريب تحدث رجل معتبر عن ملابس النساء في حقبة ماضية في مناطق متفرقة من الجغرافيا الصعيدية الممتدة بالوطن (أكبر جغرافيا مصرية)، وصفها بالملابس الحرة، وثار الناس فعليا، وعابوا الرجل على ما قاله، وسبوه، ورفعوا عليه القضايا..
قد يفهم القارئ مما سبق أن الصعيد نظيف تماما من الجرائم التي تتعلق بالشرف، وهو كلام يجافي الحقيقة للأسف؛ فالصعيد، كغيره من المناطق، فيه ما فيه من جرائم الشرف بالغة الفحش والتعقيد، ربما كانت الأحداث في الأزمنة القديمة خفية، غير أنها الآن واضحة وضوح الشمس، يطالعها الناس في الصحف، ويتابعونها على الشاشات، ويسمعون أخبارها في الشوارع والمقاهي.. يستوي في ذلك الصعيد الجنوبي بالصعيد الشمالي، وبين الصعيدين فوارق يعرفها الصعايدة الذين عاشوا في أجوائهما المختلفة، فوارق كبيرة وليست بكبيرة؛ فالمنابع الثقافية واحدة، غير أن الجنوب يبدو أكثر خشونة وتمسكا بالعادات والتقاليد وحفاظا على فلكلوره الخاص.. وهذا موضوع آخر على كل حال!
جرائم الشرف التي جرت في الصعيد، وما زالت تجري، موثقة إعلاميا، وجريانها لا يقدح في الصعيد نفسه، من أي جهة، فمن الطبيعي أن تتغير قيمه وتتبدل أحواله، بتغير السنين وتبدلها، ومن الطبيعي أن يؤول إلى الوضع الأعلى مادية والأدنى معنوية، وأن يتأثر بالعالم المحيط الذي صار منفتحا ووحشيا، ولكن ما جرى ويجري، بمنتهى الأمانة، يقدح في صنف من الصعايدة لا يزالون يعتقدون أن صعيدهم الحالي كصعيدهم الذي فات، لا خطايا فيه ولا أخطاء، أو هم يعلمون أن صعيدهم قد أصابه ما أصابه من التردي، غير أنهم يظنون أن مداراة الأحوال السيئة يحفظ الكرامة أكثر من كشف هذه الأحوال، وأن السكوت عن الواقع الفاسد أنفع من الكلام فيه!!
إنه ميراث لعين في الحقيقة.. ميراث لا يسمح بمصارحة النفس بأن شيئا مختلفا وفظيعا صار يتم؛ وعليه فلا إبلاغ ولا إشعار بمثل ذلك، ومن ثم تنمو الحشائش الضارة نموا كارثيا في العمق حتى تكاد أن تذهب بالنباتات الجيدة وتشمل الحديقة كلها شمولا مهينا..
يتجاوز الأمر عدم الاعتراف للنفس فيضم إليه إخراس الآخرين الذين لم يعودوا يثقون في الصعيد ثقتهم الأولى الخالصة فيه؛ فكل ذاكر لملمح لا يرضى عن ذكره الصعايدة المتعصبون متجن ومفتر وكاذب، لا يجب الاعتداد برأيه ولا شخصه!
حسنا.. لو استمر هذا العناد العجيب فإن الصعيد هو الخاسر في الصميم، وفي يوم قادم سيجده أهله فارغا من النبل والجمال اللذين ظلا يميزانه بالرغم من كل شيء، إنه ككل البيئات في الوطن العظيم، وهكذا تصح رؤيته، لا يسير على إيقاع واحد، وإنما ينحرف كما يستقيم ويسقط كما يرتفع، ولا يشينه إلا الكتمان!

[email protected]