رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أبوعطوة».. كيف منع رجال الصاعقة والمظلات قوات شارون من احتلال الإسماعيلية؟

معركة أبوعطوة
معركة أبوعطوة

تعد معركة أبوعطوة واحدة من المعارك الكبرى التى وقعت أثناء حرب أكتوبر، وتحديدًا فى يوم ٢٢ أكتوبر، فى قرية تحمل الاسم نفسه بمحافظة الإسماعيلية، وكانت واحدة من أعنف معارك الدبابات بين الجيشين المصرى والإسرائيلى.

وخلال المعركة، استطاعت الدبابات المصرية التصدى لدبابات العدو، فى منطقة أبو عطوة، التى تحتوى على تل مرتفع، حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة عليه كى تتمكن من ضرب الإسماعيلية. 

وتعد معركة الدبابات بمنطقة أبوعطوة إحدى المعارك الفاصلة فى حرب أكتوبر، بعدما أثبتت قوات الصاعقة والمظليون المصريون تفوقهم على سلاح المدرعات الإسرائيلى، ونجحت المجموعة ٣٩ قتال صاعقة، ورجال البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى، فى صد هجوم القوات الإسرائيلية، بقيادة أرييل شارون، ومنعتها من الاستيلاء على الإسماعيلية.

دارت فى منطقة كثيفة الأشجار.. وأطلق عليها الإسرائيليون لقب «فيتنام المصرية»

بدأت معركة أبوعطوة بعد أحداث ثغرة الدفرسوار، عندما حاولت قوات العدو الرد على عبور القوات المصرية الضفة الشرقية لقناة السويس وتحطيم خط بارليف، فتحركت الدبابات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة، بعدما أحدثت ثغرة بين تمركز قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، يومى الـ١٣ والـ١٤ من أكتوبر.

وعندما وصلت القوات الإسرائيلية لمنطقة أبوعطوة، دارت معركة عنيفة مع الجيش المصرى، أطلق عليها العدو لقب «فيتنام المصرية»، لتشابهها مع معارك الأمريكيين فى فيتنام نتيجة صعوبة القتال وكثافة الأشجار فى المنطقة فى ذلك الوقت، والتى استغلها العدو فى إخفاء دباباته.

وحاولت قوات العدو، بقيادة الجنرال أرييل شارون، اقتحام مدينة الإسماعيلية، والاستيلاء عليها، لوقوعها بالقطاع الأوسط من قناة السويس، بالإضافة إلى ما تمتلكه من طرق ومنافذ، مثل طريق القاهرة الزراعى، وطريق بورسعيد، وطريق الزقازيق، وطريق أبوسلطان، ما يعنى أن السيطرة عليها ستمكنه من إغلاق المنافذ والقناة نفسها. حينها، أدرك البطل اللواء أركان حرب عبدالمنعم خليل، قائد الجيش الثانى الميدانى، وقتها، أن القوات الإسرائيلية باتت على وشك الوصول إلى مشارف مدينة الإسماعيلية، فنظم قواته واتخذ عددًا من الإجراءات السريعة لحماية مداخل المدينة، ومنع قوات العدو من عبور ترعة الإسماعيلية، لتطويق المدينة تمهيدًا لاقتحامها.

وتحركت كتيبة مظلات، بقيادة البطل المقدم عاطف منصف، إلى نقطة جبل مريم للدفاع عنها، وتم تدعيم الكتيبة بسرية مقذوفات مضادة للدروع وسرية هاون، كما تحركت مجموعة صاعقة، بقيادة العقيد أسامة إبراهيم، إلى مناطق نفيشة وأبوعطوة للدفاع عنهما، وكانت هذه المجموعة قد شاركت فى معارك يوم ١٩ أكتوبر، واستشهد البطل إبراهيم الرفاعى، قائد وأسطورة الصاعقة المصرية. 

وتواجدت، أيضًا، فى المنطقة كتيبة ميكانيكية فى شمال ترعة الإسماعيلية مع مجموعة من مدفعية الجيش الثانى، وتم حشد مجموعات مدفعية الفرقة ١٦ مشاة والفرقة ٢١ المدرعة، ليكون الإجمالى فى حدود ١٦ كتيبة مدفعية مختلفة الأعيرة.

ونجح البطل العميد أركان حرب محمد عبدالحليم أبوغزالة، قائد مدفعية الجيش الثانى، وقتها، فى توقع محاور تقدم المدرعات الإسرائيلية، مع تسليط نيران المدفعية المصرية عليها خلال المعركة. وكذلك، تم دفع لواء ميكانيكى إلى بعض النقاط للدفاع على الجسور شمال ترعة السويس، لمنع استيلاء القوات الإسرائيلية على تلك الجسور، وتم دفع عناصر من مهندسى الجيش الثانى لتلغيم جسور الترعة.

فى المقابل، عبر لواء آمنون الإسرائيلى إلى الضفة الغربية لقناة السويس يوم ١٩ أكتوبر، وأصبحت مجموعة عمليات شارون غرب القناة تتكون من لواءين مدرعين، هما لواء آمنون ولواء حاييم، بالإضافة إلى لواء مشاة مظلى، بقيادة العقيد دانى. وبحلول يوم السبت الموافق ٢٠ أكتوبر، بدأ الجنرال الإسرائيلى أرييل شارون، قائد مجموعة العمليات رقم ١٤٣، التى كانت تعمل على المحور الشمالى غرب القناة، فى إدارة معركته الأخيرة فى اتجاه الإسماعيلية، بعد أن أبلغته القيادة الجنوبية الإسرائيلية أن قرار وقف إطلاق النار على وشك الصدور. 

وكان شارون على يقين من أن سقوط مدينة الإسماعيلية سيحدث دويًا سياسيًا كبيرًا على المستوى العالمى، مما يكسبه شهرة واسعة ومجدًا عسكريًا.

انتهت قبل ساعات من وقف إطلاق النار.. واستمر إخلاء جرحى العدو 4 ساعات

فى الصباح الباكر، يوم ٢٠ أكتوبر، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات عنيفة على مدن الإسماعيلية وبورسعيد وبورفؤاد، وتركز القصف الجوى بصفة خاصة على مواقع الصواريخ أرض جو والأسلحة المضادة للطائرات بهدف تدميرها أو إسكاتها، وعلى أماكن تجمع القوات والكبارى المقامة، وألقت الطائرات الإسرائيلية القنابل الزمنية وقنابل النابالم لإحداث الحرائق وبث الذعر فى النفوس، وأصاب بعضها جسر الترعة فى منطقة رأس العش، على بعد ١٥ كيلومترًا جنوب بورسعيد، مما أدى لتدفق مياه الترعة إلى قناة السويس. 

ولتدارك الموقف، أصدر البطل اللواء عبدالمنعم خليل، قائد الجيش الثانى، وقتها، أمره إلى رئيس مهندسى الجيش بإغلاق مياه الترعة عند نقطة التحكم فى القنطرة، لإنزال مستوى مياه الترعة، حتى يتم إصلاح الجسر عند رأس العش، وإعادة فتح المياه ثانية إلى مدينة بورسعيد.

وكان أقصى تقدم لقوات شارون على المحور الشمالى هو وصوله إلى منطقة طوسون، فى يوم ٢٠ أكتوبر، على بعد نحو ١٢ كيلومترًا جنوب الإسماعيلية، وفى صباح يوم ٢١ أكتوبر، هاجمت مفرزة من دباباته ومشاته الميكانيكية تبة الشيخ حنيدق، على بعد نحو كيلومتر ونصف الكيلو، شمال طوسون. وفى ليل ٢١ أكتوبر، والساعات الأولى من يوم الإثنين الموافق ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣، و٢٦ رمضان ١٣٩٣ هجرية، قامت وحدات مدفعية الجيش المصرى بقصفات إزعاج على المواقع الإسرائيلية، طوال الليل، وفى الصباح شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات جوية عنيفة على المواقع المصرية، وركزت قصفها على معسكر الجلاء وجبل مريم وأبوعطوة ونفيشة، وتمكنت من تدمير كوبرى أبوجاموس.

وحاولت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية التقدم على طريق المعاهدة، فى اتجاه كوبرى نفيشة، وعلى الطريق الصحراوى فى اتجاه الكوبرى العلوى، لكن المقذوفات الصاروخية المصرية المضادة للدبابات اشتبكت معها وأجبرتها على الانسحاب.

وفى العاشرة من صباح ٢٢ أكتوبر، جدد شارون محاولته التقدم فى اتجاه ترعة الإسماعيلية، وكان تحركه على محورين، هما طريق ترعة السويس الحلوة وطريق المعاهدة، وقامت المدفعية والهاونات والمدافع والدبابات والطائرات الإسرائيلية بالضرب الشديد على القوات المصرية، بسبب عجز شارون عن الفتح والانتشار.

وعند الظهر، اشتبكت مقدمة القوات الإسرائيلية مع أبطال استطلاع الصاعقة، وتمكن أبطال مصر من تدمير دبابتين وعربة مجنزرة إسرائيلية، وفى الساعة الواحدة ظهرًا تقدمت قوة من المظلات الإسرائيلية فى اتجاه أبوعطوة على محور ترعة السويس الحلوة، لكنها فوجئت بنيران الأسلحة المصرية تنهمر عليها من كل جانب، وتم قتل ما يزيد على ٥٠ من الإسرائيليين، وتدمير العديد من دباباتهم ومدرعاتهم، لذا توقف الهجوم الإسرائيلى، واستمر فى قصف منطقة أبوعطوة بالمدفعية والهاونات.

وفى نفس التوقيت، وعلى محور نفيشة، تقدمت سرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكية إسرائيلية، تحت ستر غطاء جوى من الطائرات الإسرائيلية التى قصفت منطقة نفيشة على ترعة الإسماعيلية، لكن تمكنت كتيبة الصاعقة المصرية رغم القصف من إيقاف تقدم الإسرائيليين، وكان مجموع خسائرهم على محور نفيشة ٣ دبابات وعربتين مدرعتين، مع قتل عدد كبير من الأفراد.

وعندما خيم الظلام، وحل موعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، فى الساعة السادسة و٥٢ دقيقة، مساء يوم ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣، كان هناك عدد ضخم من القتلى والجرحى الإسرائيليين على أرض المعركة، من الذين لم يتم سحبهم، رغم طلب شارون إمداده بعدد كبير من الطائرات المروحية للمساعدة فى عمليات الإنقاذ، لأن قيادته لم توافق على طلبه، وقالت إن الليلة مظلمة، ومن الصعب على الطائرات الهبوط بالقرب من ميدان المعركة. وعندها، أمر شارون قواته بالاعتماد على أنفسهم فى الإخلاء، واستمرت عمليات الإنقاذ أكثر من ٤ ساعات، ولم تنجح قواته فى الاقتراب من مدينة الإسماعيلية، فضلًا عن السيطرة عليها، كما كان مخططًا. 

وبعد نهاية الحرب، تمت إقامة متحف دبابات أبوعطوة، الذى يقع بالقرب من طريق السويس- الإسماعيلية، ويعرض مجموعة من الدبابات التى تم أسرها فى المعركة، بالإضافة إلى نصب تذكارى لـ١٩ شهيدًا من الجنود والضباط والمدنيين المصريين الذين استشهدوا فى المعارك.

أبطال المعركة: صنعنا مقبرة للعدو ونجحنا فى ردعه

عن أهمية معركة أبوعطوة، أكد المرحوم اللواء صادق عبدالواحد، أحد أبطال المعركة، الذى عمل أستاذًا للاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، فى أحد الحوارات الصحفية، إن أبطال مصر سجلوا عددًا من البطولات فى معركة أبوعطوة، على رأسها استشهاد البطل إبراهيم الدسوقى، يوم ٢٢ أكتوبر، أثناء محاولته وضع قنبلة لتعطيل رتل دبابات العدو من التقدم نحو مدينة الإسماعيلية، ونجاحه فى ذلك.

وقال: «بعد استشهاد البطل، توليت أنا قيادة كتيبتى، واعترضنا العدو، ونفذنا عدة كمائن على طول طريق أبوعطوة، بالتعاون مع النقيب حامد شعراوى والنقيب عزت، وشاركت معنا المدفعية، بقيادة العميد محمد عبدالحليم أبوغزالة، قائد مدفعية الجيش الثانى، وقتها، وكبدنا شارون وقواته خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات ونجحنا فى ردعه».

فيما أكد الربان وسام حافظ، الذى كان يشغل منصب ضابط الاستطلاع فى المجموعة ٣٩ قتال صاعقة، التى شاركت فى معركة الدبابات، أن معركة أبوعطوة كانت مقبرة للجيش الإسرائيلى، ومصيدة لم يتمكن من الإفلات منها، حتى يتسلل للإسماعيلية، خاصة أن الجميع كانوا يقاتلون ببسالة، وتمكنوا من مواجهة تقدم القوات الإسرائيلية، بقيادة شارون.

وأضاف: «قتل كثير من القوات الإسرائيلية، وفر كثيرون منهم للخطوط الخلفية، وشهدت المعركة استشهاد العشرات من الجنود والضباط المصريين، وسجلت أسماؤهم على سارى أقيم بالمنطقة، وعلى رأسهم الشهيد المقدم إبراهيم الرفاعى، قائد المجموعة ٣٩ قتال، التى حققت ضربات موجعة ضد القوات الإسرائيلية طوال حرب الاستنزاف، وحتى انتصارات أكتوبر.