رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤشر العمليات الإرهابية في القارة الإفريقية خلال سبتمبر 2022

مرصد الأزهر
مرصد الأزهر

تابعت وحدة رصد اللغات الإفريقية على مدار شهر سبتمبر 2022 بحرص بالغ أنشطة التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية التي شنتها تلك التنظيمات 54 عملية تنوعت ما بين تفجيرات واغتيالات وعمليات تفخيخ، أسفرت عن سقوط 251 قتيلًا، و171 جريحًا، وإعدام 16، فضلًا عن اختطاف 129، بخلاف تشريد ونزوح المئات. 

وزادت وتيرة العمليات الإرهابية في شهر سبتمبر الحالي مقارنة بعددها في شهر أغسطس المنصرم التي بلغت (45) عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل (269)، وإصابة (183)، واختطاف (12) آخرين. وهذا يعود لأسباب كثيرة، أبرزها على الإطلاق تنافس تنظيمي "القاعدة" و"داعش" على الزعامة والنفوذ، وتصاعد حدة المواجهات المسلحة بينهما، والاستحواذ على مصادر التمويل؛ إذ يحاول كل تنظيم تركيز عملياته وتقوية دولته وتوسيعها، على نحو يعني أن المواجهات العسكرية بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" سوف تتحول إلى صراع مفتوح خلال المرحلة القادمة.

لذا بات من الضروري معرفة مدى هذا التنافس وأمده، واستغلاله بشكل إيجابي في إضعاف نفوذ الطرفين، لاسيما أن ذلك سيتوازى مع وتيرة العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية المعنية بالحرب على الإرهاب ضد التنظيمين المتطرفين.

وخلال الشهر جاءت منطقة شرق إفريقيا في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية؛ إذ شهدت كلًا من الصومال وموزمبيق (27) عملية إرهابية، أي بما يعادل (50 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في القارة خلال الشهر)، سقط على إثرها (92) قتيلًا، و(65) مصابًا، و(3) مختطفين. وكان لدولة الصومال النصيب الأكبر من عدد العمليات وعدد المصابين؛ إذ هاجمتها حركة الشباب الإرهابية بـ (23) عملية من بينها عمليتي اغتيال وأخرى انتحار، أدت جميعها إلى مقتل (67)، وإصابة (65)، فيما تعرضت موزمبيق لـ (4) عمليات أسفرت عن مقتل (25) واختطاف (3) آخرين.
بذلك جاءت منطقة الشرق الإفريقي في المرتبة الأولى أيضًا من حيث عدد الضحايا، وهذا مؤشر خطير يدل على أن حركة "الشباب" الصومالية زادت من وتيرة أعمالها الإرهابية، رغم تعهد الرئيس الصومالي الجديد "حسن شيخ محمود" التزام بلاده بمكافحة الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار بالبلاد، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب عبر إنشاء وحدة استخبارات مالية، وإعداد قوانين تسهم في ضبط عملية تهريب الأموال لصالح "حركة الشباب" المتطرفة. لذا كان من الضروري تفعيل المبادرات التي من شأنها سرعة القضاء على الحركة الإرهابية.

وجاءت منطقة الساحل الإفريقي في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية وعدد الضحايا أيضًا؛ إذ شهدت (12) عملية إرهابية (22.2% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أسفرت عن مقتل (62)، وإعدام (11)، وإصابة (97)، واختطاف (50). وتأتي بوركينافاسو في مقدمة دول المنطقة التي تعرضت لـ (7) عمليات خلفت (11) قتيلًا، و(87) مصابًا بجراح، و(50) مختطفًا. فيما شهدت مالي (4) عمليات أدت إلى سقوط (51) ضحية، وإصابة (10) آخرين. وتفردت النيجر بعملية إعدام لـ (11) شخصًا بتهمة التجسس للجهات التي تسعى إلى كبح جماحها. وتشهد دول منطقة الساحل تحديات كبيرة خاصة بعد انسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمس (G5)، ذلك الانسحاب الذي خلق خرقًا كبيرًا للترسيخ الإقليمي والذي كان له تداعياته على التحديات الأمنية والتنموية للدول الأخرى، الأمر الذي يتطلب في الوقت الحاضر إصلاحات عاجلة وعميقة في كل من تنظيم وبعثات مجموعة الساحل الخمس، والتزام أعضائها بتنفيذ ذلك بشكل فوري من أجل حشد المعركة ضد الإرهاب الذي أزعج هذه البلدان لعدة سنوات.

أما منطقة وسط إفريقيا، فقد جاءت في المرتبة الثالثة من حيث عدد العمليات الإرهابية؛ حيث شهدت خلال هذا الشهر (10) عمليات إرهابية شنها تنظيم "داعش" عبر فرعه في وسط إفريقيا؛ أي بما يعادل (18.6 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة خلال الشهر)، كانت جميعها في جمهورية الكونغو التي تشهد وضعًا أمنيًا خطيرًا، فيما جاءت في المرتبة الثانية من حيث عدد الضحايا، بسقوط (58) قتيلًا، و(5) جرحى، و(76) مختطفًا. فالتنظيم المتطرف لم يتخل عن تكتيكه المعتاد، الذي يعتمد على سياسة الضغط على الحكومات عبر استعراض قوته من خلال صدى عملياته وكلما كان عدد القتلى أكبر كلما نجح في حصد صدى يرفع قدراته على الضغط والاستقطاب. لذا كانت هناك حاجة ماسَّة لتعزيز الدعم الدولي والإقليمي للسلطات في الكونغو؛ من أجل تحجيم التداعيات السلبية المحتملة لتصاعد الظاهرة الإرهابية في الكونغو في المدى المنظور.

أما منطقة غرب إفريقيا، وهي المنطقة المعروفة بتزايد نشاط وعمليات تنظيمي "داعش" و"بوكو حرام" الإرهابيين، نتيجة التنافس بينهما، فقد جاءت في المرتبة الرابعة من حيث عدد العمليات؛ حيث تعرضت لـ (5) عمليات إرهابية بنسبة (9.6 % من عدد العمليات الإرهابية)، تمركزت جميعها في "نيجيريا" وأسفرت عن سقوط (44) قتيلًا، وإصابة (4) آخرين.

أما من حيث جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية (1029) قتيلًا و(188) معتقلًا، فضلًا عن استسلام (61) من العناصر الإرهابية؛ إذ سددت القوات الحكومية الصومالية في منطقة شرق إفريقيا ضربات موجعة لحركة "الشباب" الإرهابية أسقطت (515) من عناصرها، واعتقلت (85) آخرين. 

وفي غرب القارة حيث "بوكو حرام" و"داعش غرب إفريقيا" أسفرت جهود السلطات النيجيرية في مكافحة التنظيمين الإرهابيين عن مقتل (418) إرهابيًا واعتقال (2) آخرين. 

وفي منطقة الساحل أتت جهود المكافحة ثمارها بتحييد نحو (94) إرهابيًا؛ من بينهم (51) في بوركينافاسو، و(7) في النيجر، و(36) في مالي. فيما تم اعتقال (101) إرهابيًا؛ منهم (36) في النيجر، و(65) في مالي. كما نجحت الحكومة البوركينية متمثلة في وزارة المصالحة الوطنية والتضامن الاجتماعي في دعم ومساندة لجانًا محلية تضم رجال دين وزعماء تقليديين للحوار مع شباب بوركينيون مجندون من طرف الجماعات المسلحة الناشطة شرقي البلاد أدت إلى استسلام (61) مسلحًا من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في إطار خطة الدولة للتشاور مع التنظيمات المسلحة، من أجل إقناع عناصرها بالتراجع عن حمل السلاح.

ويعبر مرصد الأزهر عن أمله في أن تتسع عملية "الاستسلام" وأن يقبل المزيد من شباب التنظيم على إلقاء السلاح، والانخراط في الحياة العامة بعد الخضوع لعملية "إعادة إدماج اجتماعي واقتصادي".

وهناك بعض الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب في منطقة وسط القارة، حيث تتصدى قوات حكومية من تشاد والدول المحيطة لحركات الإرهاب في هذه المنطقة أدت إلى تحييد (2) من العناصر الإرهابية في الكونغو الديمقراطية.

وبالنظر إلى عدد الضحايا والمصابين والمختطفين من المدنيين مقارنة بعدد القتلى والمعتقلين من العناصر الإرهابية نجد أن هناك فارقًا عدديًا كبيرًا بين الطرفين، وهذا بسبب تدابير مكافحة الإرهاب الناجحة التي اتخذتها القوات الحكومية بالتعاون والتنسيق مع الدول باقي الأطراف، وخاصة المتجاورة منها، التي تعاني من الجرائم الإرهابية بصورة متشابهة أو مشتركة.

ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنه على الرغم من أهمية مواجهة خطر وتداعيات مشكلة الإرهاب العابر للحدود الذي اتخذ من إفريقيا بيئة مناسبة لنشأته وتطوره وممارسة أنشطته، إلا أنها لم تحظ بما يناسبها من اهتمام، مشيرا إلى أنه إذا لم تتم مواجهة تمدد الإرهاب في إفريقيا من قِبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بالأمر بشكل سريع وجذري، فإن هذا سيهدد الأمن والسلم الدوليين مستقبلًا.