رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دمعة وتر».. الأحباء فى رثاء مؤرخ الموسيقى زين نصار: فقدنا شيخنا

الدكتور زين نصار
الدكتور زين نصار

هو واحد من الذين حملوا على عاتقهم مهمة التأريخ للموسيقى المصرية، فأنتج زين نصار- الذى وافته المنية منذ أيام- العديد من الموسوعات المتعلقة بالغناء المصرى، وكان له الأثر حتى لُقب بشيخ النقاد الموسيقيين، وعلى الجانب الإنسانى فنصار أشرف على العديد من الرسائل، وكان الكل له أحباب ويتعامل بقلبه الكبير، وللخوض فى هذه الأمور كلها اقتربت «الدستور» من زملائه وأصدقائه ومحبيه وتلامذته، الذين تحدثوا بما سيأتي.

حمدى النورج: حمل شعلة التثقيف الموسيقى.. وصنع مشروعًا متفردًا وراسخًا

الدكتور حمدي النورج

وقال الدكتور حمدى النورج، أستاذ تحليل الخطاب بأكاديمية الفنون، إن الرسوخ هو الوصف الأدق والأصدق عن العلّامة الدكتور زين نصار، المؤرخ والناقد الموسيقى العظيم، الذى حمل شعلة التثقيف الموسيقى العربى، وتسلمها بقوة وحضور بعد الراحل العظيم الدكتور حسين فوزى، فكانت مهمته التعريف بالثقافة الموسيقية وفنون الأوبرا العالمية.

وأوضح أن هذا الرسوخ تحقق علميًا ومعرفيًا فى مشروع الراحل العظيم، الذى تجلى بلا تنطع أو خيلاء فى مشروع علمى ممتد حفظ لصاحبه تفرده وتميزه وصدقه وبقاءه.

وأضاف: «لم يكن غريبًا على هذا العالم الكبير الذى تربى فى أسرة مصرية عظيمة فى صعيد مصر لوالد متخصص فى التراث واللغة ومفسر للقرآن الكريم أن ينحاز إلى الكشف عن التراث الموسيقى العربى عبر كتابات الفارابى وابن سينا وأبى الفرج الأصفهانى».

وتابع: «من الحق أن يسمى هذا الرحيل أفولًا، لكن من الواجب، ونحن فى مقام الحب والتلمذة لأستاذ كبير راحل، أن نذكر تواضعه الجم عندما يخدمك بنفسه، وأن يقابلك منبسطًا فى بشر وحب، وأن ينزلك مقام القرب والبنوة». واستطرد: «فى التذكير بقيمة هذا العالم وحكيه تجد الكثير من ذاكرة فناني الأمة، وبخاصة تسجيلاته النادرة مع الموسيقار على إسماعيل والفنان محمد رشدي والموسيقار الراحل بليغ حمدى، بل حكاياته مع النقاد الكبار الذين رحلوا والباقين مثل الدكتور عزالدين إسماعيل والدكتور شكرى عياد والدكتور إبراهيم حمادة والدكتور غالى شكرى والدكتور محمد عنانى، والكثير من المثقفين الرواد».

واختتم بقوله: «لعل آخر لقاء بالأستاذ الكبير الراحل كان محملًا بلحظة وداع صادقة فى حنو ورحمة وتواضع لكل الباحثين بلا اعتلاء أو تسطيح، ولعل وطنيته الظاهرة أكثر وضوحًا عندما يحدثك عن أبناء مصر، وخصوصًا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر».

إيهاب صبرى: ناقد رفيع المستوى ربي أجيالًا من الدارسين الجادين واستطاع أن يلقى أضواء على إنجازات المؤلفين المعاصرين

الدكتور إيهاب صبري

وقال الدكتور إيهاب صبري، رئيس قسم النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، إن الدكتور زين نصار أسهم فى نشر الثقافة الموسيقية فى مصر، من خلال كتاباته النقدية والتحليلية، واستطاع أن يربى أجيالًا من الدارسين الأكاديميين الجادين الذين انتشروا فى مصر والمنطقة العربية ليسدوا الفراغات التى حدثت نتيجة لرحيل أو اعتزال الأجيال السابقة فى النقد الموسيقى، والتى شكلت فصولًا بأكملها فى هذه الرسالة العلمية.

وأضاف «صبرى»: «كان زين نصار ناقدًا أكاديميًا رفيع المستوى، وفى الوقت نفسه كان يملك القدرة على توصيل المنهج العلمى النقدى إلى الجمهور العادى».

وتابع: «أشرف الدكتور زين نصار وشارك فى مناقشة ما لا يقل عن ١٥٨ رسالة علمية للحصول على درجتىّ الماجستير والدكتوراه فى مجالات الموسيقى المختلفة، كالغناء والأداء الآلى والنقد الموسيقى. ونشر العديد من الدراسات الموسيقية، خاصة عن كبار الموسيقيين المصريين، وذلك فى المجلات المتخصصة التالية: (المجلة الموسيقية ومجلة الفنون ومجلة الفن المعاصر ومجلة المسرح ومجلة القاهرة ومجلة الفنون الشعبية ومجلة فكر وإبداع ومجلة الفن الإذاعى ومجلة الهلال)».

وأشار إلى أن «نصار» كتب- أيضًا- المادة العلمية للبرامج الموسيقية بالإذاعة المصرية على مدى ٣٥ عامًا، ومنها على سبيل المثال: «برنامج عالم الموسيقى» بإذاعة صوت العرب والذى استمر لمدة ٢٦عامًا، ثم «برنامج الموسيقى العالمية» بإذاعة البرنامج العام، و«برنامج فن الباليه» بإذاعة البرنامج الثانى، وبرنامجا «الموسيقى المصرية المتطورة» و«إيقاعات ونغمات» بإذاعة البرنامج الموسيقى، و«سهرة مع الموسيقـى المصريـة» بإذاعة البرنامج الثقافى، وبرنامج «أوتار موسيقية» بإذاعة البرنامج العام.

ولفت إلى أنه شارك -كذلك- فى الكثير من البرامج الإذاعية والتليفزيونية كضيف، سواء كانت تلك البرامج مسجلة أو مذاعة على الهواء، واهتم بشكل خاص بالتأريخ للموسيقى والغناء فى مصر فى القرن العشرين، إذ أجرى الكثير من الأحاديث المسجلة مع كبار الموسيقيين المصريين لتوثيق حياتهم وسيرهم الذاتية بشكل علمى ومنهجى متميز.

وقال: قدم زين نصار العديد من الكتب المهمة التى استفادت وما زالت تستفيد منها الحياة الموسيقية، سواء من ناحية البحث العلمى أو فى مجال نشر الثقافة الموسيقية، ومنها «الموسيقى المصرية المتطورة» عام ١٩٩٠ و«عالم الموسيقى» عام ١٩٩٨ و«القومية وأعلام الموسيقى فى أوروبا ومصر»، بالاشتراك مع بثينة فريد عام ١٩٩٨ و«آفاق الموسيقى» عام ١٩٩٩، و«موسوعة الموسيقى والغناء فى مصر فى القرن العشرين» من ثلاثة أجزاء، عام ٢٠٠٣، ثم كتاب «دراسات موسيقية وكتابات نقدية» عام ٢٠٠٦.

 وحصل الدكتور زين نصار على بكالوريوس المعهد العالى للتربية الموسيقية للمعلمين عام ١٩٦٥ بامتياز، ثم حصل على درجة الماجستير فى النقد الفنى عام ١٩٨٠، وعلى درجة الدكتوراه فى النقد الموسيقى عام ١٩٨٦، وكانت أول درجة دكتوراه فى الموسيقى عمومًا تمنحها أكاديمية الفنون منذ إنشائها عام ١٩٥٩. ثم عيّن «نصار» أستاذًا للنقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى عام ١٩٩٢. وهو عضو فى عدد من اللجان العلمية لتعيين الأساتذة والأساتذة المساعدين ببعض معاهد أكاديمية الفنون «النقد الفنى والموسيقى العربية والباليه والفنون الشعبية»، وعضو لجنة الفنون بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة، وشغل منصب رئيس قسم النقد الموسيقى «١٩٩٢- ٢٠٠٩»، ووكيل المعهد العالى للنقد الفنى «١٩٩٨- ٢٠٠٠».

كما شارك فى مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية منذ بدايته عام ١٩٩٢، وكرّمه مهرجان «اتجاهات عربية» السادس بدار الأوبرا المصرية عام ٢٠٠٦، ورشحه مجلس إدارة المعهد العالى للنقد الفنى لجائزة الدولة التقديرية للفنون مرتين، وذُكر فى «موسوعة أعلام الفكر العربى»، الجزء الثالث، لسعيد جودة السحار، وذكر فى الجزء الثانى من المعجم الشامل للموسيقى العالمية لحسام الدين زكريا.

ولا شك أن زين نصار استطاع أن يلقى أضواء فاحصة على إنجازات المؤلفين الموسيقيين المعاصرين فى صياغاتهم الجديدة للألحان الشعبية المصرية، بحيث ارتقوا بها من المستوى البدائى العفوى إلى المستوى الأكاديمى المنهجى الذى جعلها جاهزة لكى يقبل عليها المستمعون من غير المصريين والعرب.

وليد شوشة: المرجع الأهم عربيًا ولم ينل حظه من التكريم

الدكتور وليد شوشة

قال الدكتور وليد شوشة، عميد المعهد العالى للنقد الفنى، إن لقب شيخ النقاد الموسيقيين، الذى أطلقه تلاميذ الراحل الكبير زين نصار عليه لم يأت فقط لكونه الأكبر أو الأقدم، بل لأنه أثرى الصحف والمجلات العربية بإبداعاته فيما يخص النقد الموسيقى.

وأضاف: كان لدى الراحل دأب شديد، ولو تتبعنا مسيرته منذ بدأ كتاباته فى سبعينيات القرن الماضى فى مجلات الإذاعة، حتى رحيله، سنجد أنه عمل بنفس الحماس من البداية إلى النهاية، وحملت كتاباته تنوعًا علميًا كبيرًا، فقد كان يكتب فى مجلات مثل «فنون» و«مسرحنا»، فضلًا عن الرسائل العلمية التى أشرف عليها، إلى جانب المؤتمرات التى شارك فيها، وأهمها مؤتمر الموسيقى العربية، الذى عمل عليه لسنوات طويلة.

وتابع: «لم ينل زين نصار حظه من التكريم، وفى الفترة الأخيرة كنا نرشحه لجوائز الدولة، لكن لم يحالفه الحظ فى الفوز بجائزة رفيعة، لكن جائزته الأكبر كانت فى تلامذته ومتلقيه على اختلافهم».

واستطرد: «شهادتى فى الراحل العظيم مجروحة، لأن علاقتى به بدأت منذ تسعينيات القرن الماضى، وامتدت لسنوات طويلة، لأننى عاصرته وكان أستاذى ومشرفى الأساسى فى الماجستير والدكتوراه، وشارك فى ترقيتى لأستاذ مساعد وأستاذ».

وأوضح «شوشة» أن المراجع التى تركها شيخ النقاد الموسيقيين وكُتبه كانت كثيرة وثرية، لذا استحقت أن تعد دراسات أكاديمية عنها، مضيفًا: «لدىّ رسالة دكتوراه مسجلة عنه، وتعد ردًا لجزء يسير من جمائله، كما أنها جاءت لقناعتى بقيمته، وإيمانى، أنا وزملائى فى المعهد بأهمية مسيرته، لذا لم تأت الرسالة عن حياته لكن عن الأثر الإبداعى الذى تركه».

وعن طباع الراحل العظيم، قال: «كان طبعه يتسم بالدماثة والطيبة، ولا يحب المشاكل، وحريصًا فى عمله لآخر لحظة، لذا ظللنا نتعلم منه، ولا تُذكر سيرته إلا بخير».

وعن أهمية زين نصار كمؤرخ للموسيقى المصرية، قال: «كان الأحرص على تتبع الإرث الموسيقى المصرى، وتقريبًا لا يوجد مطرب أو ملحن إلا وذُكر فى موسوعته، وأعتقد أنه أهم مَن كتب فى هذا المجال فى الوطن العربى كله، كما أنه امتلك ما لم يمتلكه الآخرون، وهو التسجيلات المباشرة وموسوعته، التى تعد مرجعًا للدارسين والمهتمين بالموسيقى المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى حتى الآن».

سيد ضيف الله: نجح فى تثقيف المئات موسيقيًا

الدكتور سيد ضيف الله

قال الدكتور سيد ضيف الله، أستاذ النقد الأدبى المساعد بمعهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون، إنه سمع عن الدكتور زين نصار قبل أن يراه، وحين قابله لأول مرة منذ أشهر قليلة، لم يُصدق أنه يقف أمام صاحب موسوعة الموسيقى والغناء فى مصر فى القرن العشرين.

وأضاف «ضيف الله»: «نجح الدكتور زين نصار فى تثقيف المئات موسيقيًا، سواء فى المحاضرات أو فى الندوات أو البرامج الإذاعية، التى واظب لسنوات على إعداد مادتها العلمية، وهو أستاذ لأغلب أساتذة أكاديمية الفنون بجميع معاهدها وأقسامها».

وتابع: «يعمل كأنه فلاح حريص على زراعة أرضه والعناية بها، ولم يكن شىء يلزمه، لكنه كان يلزم نفسه بكل شىء مثل تلميذ، وهو الأستاذ الذى جعل الموسيقى ومصطلحاتها وتاريخها حديثًا شيقًا وعلميًا فى الوقت نفسه بأدق ما تكون معنى العلمية».

وواصل: «كان أشد الأساتذة حرصًا على توفير كُتبه للطلاب بمكتبة معهد النقد الفنى، مثلما كان شديد الحرص على المساهمة بإيجابية فى أى اجتماع أو سيمنار لآخر يوم فى حياته الثرية». وقال: «كل هذا وكان يحمر وجهه كطفل عندما يسمع شخصًا يقول له كلمة شكر»، مشيرًا إلى أنه تعلم منه الكثير، وكان لقاؤه به نقطة تحول فى حياته.

وأوضح: «المصادفة وحدها جمعتنى به، وعبّرت الفنانة بشرى عن امتنانها لعلمه قبل دخولها مجال الفن، إذ درست على يديه بإحدى الورش الموسيقية بالأوبرا.. همس لى بعدها: هو الواحد هيعوز إيه أكتر من كده؟».

واختتم: «فى ليلة العزاء فهمت أن عطاءه لم يكن علميًا فقط، وإنما كان عطاء المحبين للناس والجمال. فقد أتى العزاء من تسقط عنهم مثل هذه الواجبات الاجتماعية لظروفهم الصحية. لكنهم أتوا محبةً لإنسان جميل المعشر عظيم العطاء».