رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ناصر 56»

انتهى فيلم "ناصر 56" عند مشهد نزول الزعيم جمال عبدالناصر- أحمد زكى- من على المنبر بعد إلقاء خطبته الشهيرة بالجامع الأزهر والتفاف الجماهير حوله معلنين بدء الكفاح ضد العدوان الثلاثي على مصر.. سجل الفيلم للتاريخ قيمة وخطورة قرار التأميم في وقته، وأوضح كيف خطط الزعيم جمال عبدالناصر للقرار، وكيف تم تنفيذه، وما أحيط به من أحداث، ومن ردود الفعل العالمية حتى ردود الفعل داخل شركة قناة السويس، وكشف أيضا رد فعل أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، والذي تفاجأ معظم أعضائه بالقرار، وأظهر انقسامهم بين مؤيد ومعارض، أما المعارضون فكان اعتراضهم بسبب الخوف على البلد من رد الفعل الغبي المتوقع من الدولتين العظميين، إنجلترا وفرنسا. 

المشهد الختامى لفيلم «ناصر 56» يصلح ليكون بداية للفيلم إذا كان الهدف منه رصد مرحلة ما بعد قرار التأميم.
فالأحداث والتاريخ يؤكدان أن أهم وأفضل مراحل حكم الرئيس جمال عبدالناصر كانت وقت اشتداد الأزمات، وقد تجلى ذلك خلال العدوان الثلاثي عام 1956، وتكرر أيضا في أعقاب نكسة يونيو.
بدأ الرئيس عبدالناصر في إدارة المعركة على كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والشعبية، والحقيقة أنه نجح فيها جميعها ونجحت مصر في تحقيق أهدافها على كل المستويات.. فعلى المستوى العسكرى، وبرغم فارق القوة العسكرية، فقد تكبدت قوات العدوان خسائر كبيرة على أرض بورسعيد، فكان التنسيق بين الجيش المصري والمقاومة الشعبية في قمته، ونجح الرئيس في حشد كافة طاقات الدولة فى مواجهة العدوان.. وعلى المستوى السياسي فحدث ولا حرج، ويمكن القول إن مصر وشعبها بقيادة جمال عبدالناصر كسرت أنف إنجلترا العظمى وأذلت فرنسا، وانعكست آثار الحرب على معظم دول العالم، فقد أعقبها تحرر الأردن والجزائر وعمان واليمن ومعظم الدول الإفريقية المحتلة من إنجلترا وفرنسا وبعض الدول الأوربية .

وعلى إثر حرب 56 قامت الوحدة المصرية السورية، وتأسست حركة المقاومة الفلسطينية بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، ووصل تأثير الحرب إلى إنجلترا نفسها بتأسيس حركة تحرير أيرلندا في قلب إنجلترا نفسها اقتداء ببورسعيد الباسلة، وانتفضت شعوب أمريكا اللاتينية، وفي شرق آسيا أيضا، ثم تأسست رابطة العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز لتكون القوة الثالثة في العالم القادرة على إحداث التوازن بين الكتلتين الشرقية والغربية وتمثل شعوب العالم النامي. 
وابتليت الحكومة الإنجليزية بفشل سياسي انتهى بسقوط حكومة «إيدن» قبل مضى شهرين على العدوان، ثم سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة في منتصف عام 1957.
كما خسرت بريطانيا قاعدتها العسكرية الضخمة بقناة السويس، وكل ما كانت تحتوي عليه من أسلحة وعتاد وذخائر، وكانت جميعها من نصيب مصر. 
زادت الأعباء المالية والإدارية على بريطانيا، مما دفعها إلى تقليص وجودها في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، فيما عرف باسم «سياسة شرق السويس».
كما فقدت فرنسا معظم ممتلكاتها ونفوذها فى العالم بما اضطرها إلى الجلاء عن الجزائر وتونس ومراكش، كما فقدت مستعمراتها في إفريقيا بخروجها من غرب إفريقيا الفرنسية، وعن إفريقيا الاستوائية.

ولمع اسم مصر وناصر في كل أرجاء العالم، وفي مصر بدأ عصر النهضة الصناعية وانتشرت المنتجات المصرية في معظم دول إفريقيا وآسيا، وكان من ضمن نتائج عدوان 56 إنشاء التليفزيون المصري.
دا جزء مما أعقب العدوان الثلاثي على مصر، وحدث كله بعد نزول الزعيم جمال عبدالناصر من على منبر الأزهر، والذي يستحق أن تُجسد له أفلام سينمائية ووثائقية، ويستحق أيضًا أن ننتج الجزء الثاني من فيلم «ناصر 56».. رحم الله جمال عبدالناصر في ذكرى رحيله الثانية والخمسين!