رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استراتيجية إطلاق النار

عندما يكون ظهرك للبحر فإن كل خطوة مهمة ومؤثرة، فلا شىء أمامك والجحيم من خلفك، عندما يكون الميدان مُشتعلًا، فإن كل حركة أيضًا مهمة ومؤثرة، ولكن مع احتمالات أكبر للخطأ، أو بمعنى أدق نتائج أخطر لأى خطأ كبيرًا كان أم صغيرًا. وقتها الوضع خطير، والأخطاء تجعله أخطر.

الإسرائيليون الآن ظهرهم ليس للبحر، بل لقطاع غزة، وبطبيعة الحال البحر قد يكون أكثر أمنًا من «حماس والجهاد»، والميدان المشتعل هو جنين ونابلس، والأخطاء التى أتحدث عنها هنا تتعلق باستراتيجية إطلاق النار، وكل ما سبق يجعل الأمر على حبل مشدود. 

المعضلة هنا لها ثلاثة جوانب، الأول هو أوامر إطلاق النار، والثانى هو طبيعة الميدان، والثالث هو الصورة الذهنية، حتى الآن تحاول إسرائيل التكيف مع الثلاثة جوانب، فى الوقت الذى تكون فيه كل الاحتمالات مفتوحة.

فى الجانب الأول «أوامر إطلاق النار»، وعند الحديث عن عمليات دقيقة داخل منطقة مأهولة بالسكان مثل «نابلس وجنين» فإن ما يتعلق بالاحتمالين خطير، فقد يخطئ الجندى فى إصابة الهدف، أى يتضح لاحقًا أنه أصاب شخصًا بريئًا؛ أو أنه قد يمتنع عن إطلاق النار، وتكون النتيجة مأساوية جدًا، وينجح المنفذ فى استهدافه.

الوضع معقد، أعرف، وهذا ما يحير القيادة فى الجيش الإسرائيلى والشاباك والاستخبارات العسكرية. 

فى إسرائيل يفضلون العمليات الاستباقية عمومًا، وفى الفترة الأخيرة على وجه التحديد الأوامر تأتى من القيادة، ويحددها القائد الذى يقرر العملية «فى هذه الحالة، هو رتبة لواء»، وفقًا لقراءته المشهد، وبمراجعة العمليات الأخيرة، يتضح أنهم يفضلون الأسلوب الأول، وهو إطلاق النار رغم عدم التأكد ١٠٠٪ من هوية المشتبه به، بالنسبة لهم الخيار الثانى، قد يتسبب فى كارثة، كما حدث خلال الأيام الأخيرة بمقتل الجندى الإسرائيلى «بار فلاح»، والتى بسببها وجهت انتقادات من هذا النوع، بأنه كان يمكن تفادى الواقعة إذا صدرت أوامر إطلاق النار فى الوقت المناسب. فالاستراتيجية هى: إطلاق نار خاطئ أفضل من عدم إطلاق نار يتسبب فى كارثة.

بشكل ما يمكن اعتبار أن استراتيجية إطلاق النار فعالة، ولم تخرج الأمور عن السيطرة، لو سمحوا للقوات بإطلاق النار الكثيف من دون تمييز، لسقط مئات القتلى من الفلسطينيين، ولكن الأخطاء أيضًا لا تزال موجودة.

يتبين من استطلاع أن ٧٢٪ من الجمهور الإسرائيلى يعتقدون أنه يجب تغيير تعليمات فتح النار، كى يقلل الجنود وأفراد الشرطة استخدام السلاح لغرض تحييد التهديدات، بالمقابل يعتقد ٢٢٪ بأن لا حاجة لتغيير تعليمات فتح النار. من بين المستطلعين فى المجتمع العربى سجلت معارضة ٥٢٪ لتغيير تعليمات فتح النار مقابل ٣٥٪ كانوا مؤيدين.

الجانب الثانى، وهو الميدان المُعقد فى الضفة، والعمليات الكثيفة التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى داخل بيئة معادية، وهى التى تجعل الجبهة ساخنة، وإمكانية الأخطاء فيها مرتفعة إذا قارنتها بالعمليات فى المناطق المفتوحة، أو عند الحدود، أو حتى عند نقاط التفتيش.

الجانب الثالث، يربط الجانبين السابقين معًا، ويضع المعضلة أمام إسرائيل فيما يخص إطلاق النار، والتى تتعلق بشكل أساسى بالصورة الذهنية، ففى الوقت الذى يتحدث فيه الجيش الإسرائيلى عن منظومات الليزر للتدقيق فى العمليات، وتجنب إصابة المدنيين، فإن الرأى العام العربى يتذكر وبقوة دمار بيوت المدنيين فى غزة والأطفال الذين قتلوا فى العملية الأخيرة على الجهاد الإسلامى، ويتذكر أيضًا شيرين أبوعاقلة! التى اعترف الجيش الإسرائيلى، لاحقًا، بأن هناك احتمالات أنها قتلت بنيران الجيش الإسرائيلى رغم الإنكار فى البداية. 

الوضع معقد!