رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استراتيجيتنا للملكية الفكرية

عشرون سنة وثلاثة أشهر و٢٠ يومًا، مرّت على صدور قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، القانون رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢، لكنه لم يسهم إلا بقدر ضئيل فى ضبط علاقتنا المرتبكة بهذا الملف. وعليه، استبشرنا خيرًا بإطلاق الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، «الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ٢٠٢٢/٢٠٢٧»، فى احتفالية ضخمة، أقيمت أمس الأول الأربعاء، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحضور وزراء، وأعضاء بمجلسى الشيوخ والنواب، وعدد من السفراء وممثلى المنظمات الدولية.

للاستراتيجية أربعة أهداف، أو محاور، رئيسية: حوكمة البنية المؤسسية، تهيئة البيئة التشريعية، تفعيل المردود الاقتصادى للملكية الفكرية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوعية كل فئات المجتمع المصرى بأهمية هذا الملف. ومن المستشار أمين مجدى، عضو هيئة مستشارى مجلس الوزراء، رئيس اللجنة المكلفة بإعداد الاستراتيجية، عرفنا أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية تتعاون مع مكاتب الملكية الفكرية المختصة، والشركة المتخصصة فى هذا المجال؛ لوضع آليات تقييم محددة وقابلة للقياس.

حوكمة البنية المؤسسية للملكية الفكرية سيتولاها جهاز قومى جديد، يتلخص دوره فى توحيد جهود الإدارات والمكاتب ذات الصلة وربطها مع باقى جهات ومؤسسات الدولة، ودعم التحول الرقمى وإتاحة خدمات التسجيل والإيداع والقيد بالوسائل التكنولوجية الحديثة. أما العمل على تهيئة البيئة التشريعية فيبدأ بالمراجعة الشاملة للقوانين. كما عرفنا أن تفعيل المردود الاقتصادى فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة سيكون من خلال تشجيع الاستغلال التجارى لأصول الملكية الفكرية بعد تقييمها ماليًا وفق أحدث المعايير الدولية وتعظيم الاستفادة منها فى عدد من القطاعات الحيوية، كالصحة، والصناعة، والبحث العلمى، والسياحة والتراث، و... و... وغيرها. ومن هنا، تأتى أهمية الهدف أو المحور الرابع: توعية كل فئات المجتمع المصرى بأهمية هذا الملف، بالعمل على نشر وتعزيز مفاهيم الإبداع والابتكار وإدماج تلك المفاهيم فى العملية التعليمية بمختلف مراحلها.

تنفيذًا لتوجيه أو تكليف رئاسى، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة إعداد وصياغة هذه الاستراتيجية، التى ضمت ممثلين عن ٣٥ وزارة وجهة معنية، إضافة إلى ثمانية خبراء، قاموا بإعداد الدراسات التى تم بناء مشروعات وأهداف الاستراتيجية على أساسها. وبعد ١٨ شهرًا، ناقش مجلس الوزراء مسودة الاستراتيجية، فى ٨ يونيو الماضى. وفى ١٤ سبتمبر الجارى، عقد المجلس اجتماعًا لمتابعة الترتيبات النهائية لإطلاقها. وبين هذين الاجتماعين، قام السفير الدكتور أحمد إيهاب جمال الدين، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى فى جنيف، باستعراض ملامح الاستراتيجية، أو مسودتها النهائية، منتصف يوليو الماضى، أمام الدورة الثالثة والستين لـ«ويبو»: المنظمة العالمية للملكية الفكرية.

لمنظمة «ويبو»، WIPO، التى تم التوقيع على اتفاقية إنشائها سنة ١٩٦٧، وتأسست سنة ١٩٧٠، دور مهم فى تعزيز منظومة الملكية الفكرية الدولية. وإلى جانب مساعدتها الدول النامية والأقل نموًا على صياغة استراتيجياتها الوطنية، وعلى تلافى المآزق الشائعة، فإنها تقدم الدعم الفنى للدول الأعضاء لتعزيز قدراتها على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ولأن علاقة مصر العجيبة بهذه المنظمة تلخص تاريخنا المرتبك مع هذا الملف، كما أوضحنا أمس، استوقفتنا مشاركة دارين تانغ، مديرها العام، فى احتفالية الأربعاء، وإعرابه عن شعوره «بعظيم الفخر لإطلاق مصر الاستراتيجية»، ومطالبته كل الوزارات والجهات المعنية بأن تتعاون لتنفيذها على أرض الواقع، وهو ما تعهد به الدكتور مدبولى، موضحًا أن لديه ثقة كاملة فى أن جميع الجهات والمؤسسات المعنية فى الدولة المصرية لن تدخر جهدًا فى تنفيذ المهام المطلوبة منها، سواء باتخاذ سياسات ملائمة تتسق مع أهداف ومحاور الاستراتيجية، أو بمباشرة خطط العمل والمشروعات المستهدفة.

.. وأخيرًا، نتفق تمامًا مع رئيس الوزراء فى أن إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ٢٠٢٢/٢٠٢٧» يعكس اهتمام الدولة المصرية البالغ بهذا الملف، ويؤكد إدراكها لما تلعبُه منظومة الملكية الفكرية من أدوار فى دفع عجلة الاقتصاد، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأممية ٢٠٣٠، ونسختها الوطنية، «رؤية مصر ٢٠٣٠»، بمختلف أبعادها. كما نرى، أيضًا، أن الاستراتيجية تؤكد، مجددًا، حرص «دولة ٣٠ يونيو» على مواكبة التطور العالمى وإلمامها بالدور المتعاظم لاقتصاد المعرفة والتطور التكنولوجى.