رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين: أزمة الإيجور: خلاف ديني أم صراع عرقي؟

 ثمة العديد من الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام الغربية عن اضطهاد الحكومة الصينية لمُلسمي الإيجور، بل وصل الأمر بوسائل الإعلام إلى الادعاء بأن الصين إنما تُدير حربا مُنظمة من أجل إبادة مُجتمع الإيجور، والتلاعب بالحمض النووي الإيجوري، بل واعتقال الملايين من أجل إعادة تأهيلهم أيديولوجيا وإحداث قطيعة بينهم وبين ثقافتهم التاريخية. 

ربما يدرك البعض منا أن وسائل الإعلام هي أهم أداة من المُمكن للأنظمة السياسية واستخباراتها الاعتماد عليها في التلفيق وإعادة بناء الواقع وتشكيله على أسس جديدة غير واقعية باقتطاع الأحداث من سياقها إلى سياق آخر جديد، كما أن استخدام الصورة اليوم يكاد أن يكون جوهريا في التزييف والتلفيق إذا ما رغبت وسائل الإعلام في استخدامها من أجل توجيه الرأي العام بالإيجاب أم بالسلب، ولعل الصراع الدائم بين الصين والولايات المُتحدة الأمريكية، وهو صراع إعلامي وسياسي وعسكري واقتصادي من أجل امتلاك مراكز القوى والنفوذ في العالم، أدى إلى تجنيد الولايات المُتحدة لكل مُقدراتها من أجل محاولة الحرب مع الصين لا سيما على الجانب الإعلامي بتزييف الحقائق واختلاقها! إذن، فما حقيقة ما يدور داخل الصين بين النظام السياسي الصيني وبين أقلية الإيجور؟

 

 لمعرفة ما يحدث بين الطرفين لا بد لنا من معرفة أصل الإيجور وثقافتها، وكيف استقر بها الحال في غرب الصين، فالإيجور هم أقلية تركية تنتمي عرقيا وثقافيا إلى المنطقة العامة لوسط وشرق آسيا، كما يتم تعريفهم باعتبارهم مواطنين في منطقة شينجيانغ الإيجورية ذاتية الحُكم في جمهورية الصين الشعبية، وتُعتبر هذه الأقلية واحدة من بين 55 أقلية عرقية مُعترف بها رسميا في الصين. أي أن الصين لا تنكر الاعتراف بأقلية الإيجور رسميا، بل تعترف بها وبغيرها من الأقليات الموجودة على أراضيها، الأمر الذي يبعد عن أذهاننا إلى حد ما رغبة النظام الصيني في اضطهادهم، وإلا ما اعترفت بوجودهم كأقلية على أراضيها بشكل رسمي، بل كان من الأحرى بها أن تقوم بلفظهم. 

 

إن هذا الاعتراف لا بد له أن يعيدنا إلى أصل الحكاية، أي سبب تواجد هذه الأقلية على الأراضي الصينية. "كان لمُصطلح الإيجور تعريفا موسعا طوال تاريخه. دل في البداية فقط على تحالف صغير من قبائل تيلي في شمال الصين ومنغوليا، وجبال ألتاي، ولكنه أشار لاحقا إلى الجنسية في خاقنات الإيجور الذي توسع في النهاية ليصبح أصلا عرقيا نشأ مع سقوط خاقنات الإيجور في عام 842م؛ ما تسبب في هجرة الإيجور من منغوليا إلى حوض تاريم، وقد بدأ الإيجور في الدخول للإسلام في القرن العاشر الميلادي، كما زاد عدد دخولهم في هذا الدين بحلول القرن السادس عشر"، كما يذكر موقع ويكيبديا. 

 

إن الخلاف الذي نشأ بين السُلطة الصينية وبين أقلية الإيجور هو خلاف عرقي في الأساس، حيث اعتبر الإيجوريون أنفسهم السُكان الأصليين لشينجيانغ، على خلاف وجهة النظر الصينية الرسمية التي تؤكد على أن الإيجور قد نشأوا من قبائل تيلي وباتوا هم القوة السياسية والاجتماعية المُسيطرة في المنطقة خلال القرن التاسع عشر حينما هاجروا من منغوليا إلى شينجيانغ بعد انهيار خاقنات الإيجور، ليحلوا محل الهان الصينيين، وادعوا أنهم كانوا هناك مُنذ عهد أسرة هان! كما لا يفوتنا قيام الإيجور بالعديد من الانتفاضات ضد الحُكم الصيني، منها مرة في عام 1933م، وأخرى عام 1944م، واكتسبوا استقلالهم بدعم من الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين- أي أن ثمة أيادٍ خارجية كانت تحركهم وتعمل على دعمهم ضد الحُكم الصيني- هنا أسس الإيجور جمهورية تركستان الشرقية الأولى على الأراضي الصينية من أجل الاستقلال بالحُكم، لكنها تم تدميرها على يد الجيش الصيني والجيش الإسلامي بقياة الجنرال ما تشانكانج عام 1934م، فقاموا بتأسيس جمهورية تركستان الشرقية الثانية التابعة للاتحاد السوفيتي الذي كان موجودا في الفترة من 1944م حتى 1949م، أي أن الاتحاد السوفيتي قد لعب دورا سياسيا كبيرا في مُساندتهم من أجل الانفصال عن الأراضي الصينية! حينما أعلن ماو تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949م قام بتحويل جمهورية تركستان الشرقية الثانية- الخاصة بالإيجور- إلى مُقاطعة تتمتع بالحُكم الذاتي، لكن رغم ذلك يظهر نزاع انفصالي مُستمر في مُقاطعة شينجيانغ الإيجورية ذاتية الحُكم، حيث يزعم الانفصاليون الإيجور أن المنطقة ليست جزءا من الصين، ورغم أن الإيجوريين يدعون بوجود اضطهاد ديني وعرقي تجاهم من الحكومة الصينية إلا أنهم يمارسون نفس الاضطهاد تجاه أبناء عرقهم من الذين يعتقدون بأنهم مُندمجون مع المُجتمع الصيني، أو حتى الروسي! إذن، فأصل النزاع هنا هو نزاع انفصالي عن الأراضي الصينية، وهو ما يستغله الإعلام الغربي من أجل تصويره نزاعا عرقيا ودينيا في المقام الأول من أجل مُحاربة الصين على المستوى الإعلامي! إن رغبة الإيجور الانفصالية في مُقاطعة شينجيانغ، فضلا عن تشددهم الديني؛ جعلا النظام الصيني ينتبه إلى هذه المُقاطعة والتعامل معها بما يتناسب مع القوانين الصينية، لا سيما أن النظام السياسي الصيني لن يسمح بانفصال جزء من أراضيه عنه، ولعل في هونج كونج، وتايوان، وماكاو، ما يؤكد على أن الصين لا يمكن لها التخلي عن جزء من أراضيها رغم رغبة انفصال هذه المناطق الثلاثة عن الصين التي ترفض هذا الانفصال- ستعود هونج كونج بالكامل إلى الصين في عام 2046م كما تم الاتفاق مع المملكة المُتحدة حينما غادرتها. هذه الرغبة الانفصالية هي ما تستغله الولايات المُتحدة إعلاميا من أجل تلفيق الحقائق حول الصراع وإكسابه الصبغة الدينية باعتباره اضطهادا ضد مُسلمي الإيجور، ولعل تأمل بعض التقارير التي ساقتها جريدة "غلوبال تايمز الصينية" ما يؤكد لنا على هذه الحرب الإعلامية. أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية "التقرير القطري السنوي حول حقوق الإنسان لعام 2018م". 

 

عند الحديث عن المحتوى المُتعلق بالصين، استخدم رئيس مكتب حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأمريكية كلمات مثل "سمعنا ما لم نسمع به من قبل"، و"مُعسكرات الاعتقال"، و"التعذيب"، و"سوء المُعاملة"، وغيرها من الكلمات لمُهاجمة وانتقاد سياسة الحُكم الصينية في شينجيانغ. قارن المسؤول الأمريكي بين الحكومة الصينية والنازيين الذين اضطهدوا اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. 

 

والواقع أن هذا التشبيه ليس بالأمر غير المألوف، فقد استخدمت جميع وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية تقريبًا مُصطلح "مُعسكر إعادة التربية" في تغطيتها عن مراكز التعليم والتدريب المهني في شينجيانغ- التي يُشار إليها بمراكز التعليم والتدريب- مُنذ بداية الضجة واسعة النطاق حول شينجيانغ في الغرب خلال العامين الماضيين. 

 

"هذه خدعة قديمة، الإعلاميون وأهل السياسة في الغرب يحبون التلاعب بها "، هذا ما قاله "ناثان ريتش" لمُراسل "غلوبال تايمز"، هذا الشاب الأمريكي الذي أصبح مشهورا على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بعد انتقاده من خلال مقطع فيديو لصحيفة "نيويورك تايمز" بعد تشويه الصحيفة لنظام الطب الصيني التقليدي. 

 

يعتقد ناثان أن استخدام كلمة "مُعسكر اعتقال"، أو حتى كلمة "مُعسكر" في الغرب لها ايحاءات مُخيفة في العقل الجمعي للشعب الغربي العادي في أوروبا وأمريكا، مما يجعل القراء يتوهمون أشياء خيالية في أذهانهم. كان ناثان يهودياً، ويرى أنه "من الجنون تمامًا مُقارنة الحكومة النازية بالحكومة الصينية. 

 

"اختار النازيون عرقًا مُعينًا لإجراء الإبادة، قائلين: هؤلاء الناس أقوياء، ماكرون، سيئون، دعونا نتخلص منهم ، وهؤلاء الناس المُستهدفين كانوا نحن اليهود. لكن شأننا كشأن الآخرين، لم نرتكب أي أخطاء". صرح ناثان لصحيفة "غلوبال تايمز" أن وضع الصين مُختلف، حيث إنها لا تستهدف جماعات عرقية بعينها، بل تستهدف الإرهابيين والمُتطرفين. وقال: "لا توجد أي صلة بين الاثنين". إذا كان استخدام تعبير "مُعسكرات إعادة التربية " لتشويه سُمعة الصين وشينجيانغ مُجرد تلفيق "زكي"، فإن التقارير الأخرى هي ببساطة أكاذيب مُلفقة بشكل فج. فلقد نشرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية بأمريكا تقريرًا عن "التجربة الشخصية" لامرأة من الإيجور تُدعى "ميرجولي تارسون". 

 

حيث قالت المرأة: إن أحد أبنائها توفي في مُستشفى "أورومتشي" للأطفال في 2015م. وأضافت قائلة: سأخبر الطفلين الآخرين أن الحكومة الصينية قتلت شقيقهما". كما ادعت أنها قد شهدت مقتل تسع نساء من الإيجور في زنزانة خانقة مُكتظة كانت تحتجز بها مع أكثر من 50 امرأة في "أورومتشي". وقبل أن تقدم "سي إن إن" هذا التقرير، نشرت "سي إن بي سي"، وصحيفة "ذي إندبندنت" ووسائل إعلام بريطانية أخرى أيضًا تصريحات المرأة في الكونجرس الأميركي خلال نوفمبر من العام الماضي، وكانت مُتماثلة إلى حد كبير. 

 

لكن ما هي الحقيقة؟ تُظهر سجلات الهجرة أن "ميرجولي" وأطفالها الثلاثة غادروا الصين بين عامي 2016م و2018م، ولم يعودوا أبدًا. ويظهر سجل للمرضى الداخليين في مُستشفى "أورومتشي" للأطفال- حيث ادعت ميرجولي أن ابنها توفي هناك- أن أحد أبنائها والذي يُدعى "مويزي" قد تلقى العلاج في المُستشفى في عام 2016م، ثم أخذته والدة "ميرجولي" في 8 نوفمبر من نفس العام بعد شفائه. ووفقًا لما قالته والدة "ميرجولي"، فإن الطفل يعيش الآن في مصر. 

 

ولم يسبق لشرطة "أورومتشي" أن احتجزت "ميرجولي" في السجن، كما أنها لم تمكث قط في مركز للتعليم والتدريب. لذا لا نعرف من أين أتت "بتجربتها الذاتية عن احتجازها في السجن"! من المعروف أن العديد من المصادر الغربية للمعلومات عن شينجيانغ تأتي من منظمة تركستان الشرقية ومواقعها على شبكة الإنترنت، فضلًا عن حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن المحتوى الذي تنشره هذه الجماعات مليء بالأكاذيب المُختلقة، حيث رأى "كوريان جيانغ"، وهو مصور ومُنتج أفلام وثائقية من أصل إيجوري، أن أعماله الشخصية يتم العبث بها من قبل مجموعة تركستان الشرقية كأداة لخداع الجمهور. مُنذ أكثر من 10 سنوات، التقط مجموعة من الصور لقرية صغيرة تدعى "كالاغوتاغ" في هوتيان. وهي قرية نادرًا ما يزورها الناس، حتى أولئك الذين يعيشون في هوتيان، وذلك بسبب صعوبة حركة المرور بها، وقد قال: "لقد سجلت ببساطة حياة السكان المحليين وثقافتهم، وفي الواقع تطورت القرية بشكل جيد للغاية مُنذ ذلك الحين.

 

 وعلى نحو غير متوقع، أخرجت عناصر من تركستان الشرقية بعض صوري عن سياقها وحرفوها إلى كلمات مثل: كيف يعيش سُكان شينجيانغ البائسون في ظل حُكم الحكومة الصينية". كما صرح "كوريان جيانغ" لمُراسل صحيفة "غلوبال تايمز": "في وقت آخر قمت بتصوير فيديو عن جمال ملابس نساء الإيجور في قرن من الزمان، والذي من خلاله يمكننا أن نرى ملابس نساء الإيجور في كل عصر من قرن مضى وإلى تأسيس جمهورية الصين الشعبية وسياسة الإصلاح والانفتاح التي تضمنت الخصائص الثقافية لثلاث أو أربع مجموعات عرقية على الأقل. 

 

وما لم أتوقعه قط أنهم لم يلتقطوا سوى النصف الأول من الفيديو فقط مصحوبًا برسالة نصية تقول: لقد دُمرت ثقافتنا الجميلة وتمت إبادتها"! "التقارير الواردة من هيئة الإذاعة البريطانية ووسائل الإعلام الأمريكية مليئة بمصادر من هذه المجموعات، والتي تسمى بلغتنا التركية "أعزفوا بأنفسكم وغنوا لأنفسكم". حيث تشير المعلومات المُعلنة إلى أن الغالبية العظمى من مُنظمات "تركستان الشرقية" مدعومة بأموال غربية، مثل "المُؤتمر العالمي للإيجور"، و"برنامج حقوق الإنسان الإيجوري"، اللذين تمولهما المُؤسسة الديمقراطية الوطنية في الولايات المُتحدة، المعروفة باسم "وكالة المُخابرات المركزية". 

 

وصرح الصحفي التركي إيركين الذي كان يتابع حركة "تركستان الشرقية" مُنذ فترة طويلة لمُراسل صحيفة "غلوبال تايمز": "إن تقارير "بي بي سي" ووسائل الإعلام في الولايات المُتحدة مليئة بمصادر هذه المُنظمات". إذن فمن خلال هذه الوقائع يتأكد لنا أن الخلاف/ الصراع بين أقلية الإيجور المُسلمة في غرب الصين، وبين الحكومة الصينية في حقيقته صراع سياسي، بسبب رغبة الإيجور الانفصالية عن الأراضي الصينية، وليس صراعا عرقيا، ولا دينيا، وهو الأمر- الانفصال- الذي لن تسمح به الصين مُطلقا حفاظا على وحدة أراضيها.