رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السقوط من هاوية الابتزاز

يُخيل للكثير أن بعض جرائم العصر هي نتاج لواقعنا الحالي والتطور التكنولوجي غير المسبوق؛ الذي بدوره جر الكثير منا بسلوكه الدميم إلى الاستخدام الخاطئ وأدى انتشار هذا الشكل من الاستهلاك الجائر إلى ظهور ما يدعي بجرائم الإنترنت، والتي هي في ظني ما كانت إلا حداثة من أخطاء النفس البشرية السابقة منذ خلقها إلى يومنا هذا، فكل الأخطاء التي فعلتها الإنسانية سعياً أو سهواً تعاد فقط بأنماط ووسائل مختلفة تتوافق مع كل عصر، والتكنولوجيا بكافة وسائطها ما هي إلا وسائل مكنت كل فرد من اتباع هواه، وما كانت إلا انعكاسا للأفكار والسلوك والأخلاق، فلم تكن يوماً سبباً في فعل جريمة على قد ما كانت جسراً ممهداً لكل نفس ضعيفة ستجد ملاذاً في أي طريق يقودهم لسوء فعلهم وخلقهم على مر الدهر.
ولذلك ستجد أن قانون العقوبات المصري استطاع ردع الكثير من تلك الجرائم الإلكترونية قبل حتى أن يظهر قانون 175 لسنة 2018 المتعلق بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي بدوره استطاع أن يحصر الكثير من الأشكال السلوكية والإجرامية على مواقع الإنترنت بتعريفات ومفاهيم وإجراءات واضحة، وعقوبات كبير لكافة أشكالها سواء كان الاعتداء على الجهات الاعتبارية أو على حرمة الحياة الخاصة والحرية الشخصية للأفراد من استخدام لصور، وبيانات شخصية دون إذن أو فبركة لأخرى أو أي اختراق أو ترويج لحسابات أو بيانات شخصية وأيضا الابتزاز الإلكتروني.
وحيثما يذكر الابتزاز الإلكتروني يمر أمام أعيننا شريط من القضايا والأحداث المهيبة التي راح ضحيتها الكثير من الفتيات مؤخراً التي ارتبط اسمها بالابتزاز، لذا سنصمت قليلاً احتراماً للأرواح التي راحت هباءً لتلك الجريمة البشعة، ثم سنفرح كثيراً بردع القانون وسرعته وقطعه للأيدي الغاشمة التي امتدت مرتعشة ومتخفية ونالت من أبنائنا وبناتنا.
ورغم قناعتي السابقة في أن كل الجرائم هذه لم تستحدث إلا أن مجرميها لا يجعلونها نوايا خبيثة خلقت من العدم، بل دائما ما ستجد لهم مبررات ومسببات ترتكن على مداخل تبدو مشروعة  فمرات تستند للحقوق والحريات، وأخري تقترن بالدين والنصيحة، وستجد أسوأها يستند على مفاهيم الاستباحة لكل ما ينشر ويترك على الإنترنت ضاربين بكل مفاهيم الخصوصية والسرية والعلم بالشيء، وطلب الإذن عرض الحائط، فعلى سبيل المثال ستجد أن الكثير من مستخدمي بياناتك وصورك دون إذن لا يجدونها جريمة بل يعتبرونها إعادة تدوير مشروع  لمادة قمت أنت بنشرها بالفعل على موقعك الخاص، أو استخدام صورك، وموادك الفيلمية ليعلقوا عن ملبس، أو أسلوب للحديث واعتبارها طريقة لحقهم في التعبير عن آرائهم على حد وصفهم دون أي شعور بالانتهاك أو التشهير، وآخرون سيحدثونك أن ابتزازهم لإحداهن ما هو إلا نصح وردع للتوقف عن نشر مواد معينة، أو سلوك لا يعجبهم وكأنهم يعتقدون في سذاجة العالم بأسره، أو أنهم منحوا صكوكاً، ووصاية لا نستطيع بأثرها أن نوقفهم عن جرائمهم وسلوكياتهم البغيضة بكافة مداخلهم الملتوية التي إن نمت عن شيء تنم عن ضعفهم وخوفهم وسذاجتهم.
وعلي قدر علمنا بضعف المجرم على قدر ما الواقع يصدمنا بسقوط الضحايا، واختيارهم أن يرضخوا للمبتزين، على أن يواجهوهم ويغتالوا تجاوزهم البغيض تجاههم، وقد يختارون أن يسقطوا تماما من تعداد الحياة على أن يوقفوا ما يتعرضون له، وقد يرجع ذلك لأكثر من سبب يستغلها المجرم من اللحظة الأولى  لينال من ضحيته، منها تابوهات المجتمع تجاه النساء، والتصديق الفوري لأي حكاية مثيرة تتهم إحداهن بأي شيء مخالف لما اعتاد عليه المجتمع، إضافة لتمرسه للوم الضحايا وترك المجرم أو اختلاق الأعذار له، وقد يكون المجرم لديه معلومة واضحة أن أهل ضحيته لن تدعمها بل ستنهرها وتلفظها إن سمعوا أو رأوا شيئا يشينها، أو يجد في مكانه ضحيته أو أسرتها حساسية قد تدفعهم للرضوخ له.
وقد يكون السبب لا يتضمن أيا مما سبق وإنما يرتبط بشعورنا الإنساني الطبيعي في رفض كشف  شيء نراه سريًا، أو عن الجزء من حياتنا الذي نخصصه لأفراد بعينها، ولا نسمح بمشاركته أو تداوله  مع مساحات أخرى مهما كان قربها منا أو حبنا لهم، وبشكل أو بآخر تحاول الضحية إقناع نفسها أن عند مسايرتها لما يبتزها بها المجرم أنها ستتخلص من هذا الكابوس للأبد، وكأنها لا تدرك أنها بداية اللعنة وأنه مع كل هبوط أمامه سيصعد هو بسقف الطلب، وستستمر تلك الحلقة إلا أن يتضاخم رصيد الابتزاز؛ ويضمحل ما لدى الضحية ولا تجد شيئاً آخر لتقدمه في نهاية المطاف فتسقط مغشياً عليها من أعلى تلك الهاوية تاركة ذلك المبتز وقد استمد قوة غاشمة من صمتها، واقفاً في الأعلى وينظر لضحيته وهي تلقى بنفسها محاولة التخلص من سلطته وجرمه عليها ثم يعود للأسفل ليلتقط ضحية أخرى بقوة واهمة قد تخللت لنفسه وتغلغلت فيها.
وأعتقد في قرارة نفسي أن جزءاً من حل تلك المشكلة هو عدم خلط الأمور ببعضها وعدم إخراق المفهوم من سياقه الفطرى، وكذلك الاستعداد من قبل الأهل لدعم أبنائهم وبناتهم على أي حال ودون شروط، وترك الاعتقاد في أن ما يمتلكه المبتز هي مجرد ادعاءات وليست حقائق وأدلة على الأبناء، بالإضافة لمزيد من الوعي أن الأبناء ما هم إلا بشر يسعون في حياتهم الدنيا بالتجربة وقد يقعون في كثير من الأخطاء التي تحقق لهم الخبرات والتوازن الذي يملكونه الآن، تحتاجون لتذكر أن الحياة فعلت بكم الكثير لكي تصبحوا بهذا النضج، فلا خبرة تكتسب إلا بقليل من الألم، وألا يغيب عن أذهانكم لحظة أن هؤلاء الرضع قد أصبحوا كباراً لهم اختيارات متعددة ووجوه ومشاعر لا يشاركونها جميع الأفراد خصيصاً إن كانوا أبويهم فإن ظهرا لهم أي تصرف أو طريقه تعبير لم تروها من قبل فلا عجب في ذلك، ولا داعي في أن تجعلوهم يشعرون بصدمتكم قدر ما يجب أن يروا ارتياحكم لدعمهم، وسخطكم على المبتز وجرأته في أن يفشي سراً؛ لهم بمقابل أو دون مفبرك أو حقيقي، أُخد بإذنهم أو دون علمهم، ويجب أن يعى الأبناء والضحايا أن الغاشم أضعف مما يرى، وأن سقفه لن ينتهي أبدا حتى يسقط بك من الهاوية ولن يترك ترهيبه دون الوصول لأقصي منفعة ممكنة، ومن حسن الحظ أننا اليوم نعيش في ظل قانون رادع حقاً فيما يمس جريمة الابتزاز، وتحاوطنا أيضا مبادرات مجتمعية عدة عبر وسائل التواصل الإجتماعى وصحافة المواطن ذات سمعة وسيادة في إنهاء العديد من قضايا الابتزاز بسرية تامة ودون تدخل من الضحية فاختارى الطريق الذي يحلولك في استيراد حقك ومواجهه هذا الغاشم دون أن تسمحي له أن يصعد بك بهاويته ويقذفك من أعلاها بإرادة حرة بل كونى أنت سطر نهايته وسقوطه الحر من أسفل الهاوية لا من أعلاها لأنك تستحقين استكمال رحلتك، وهو من يستحق أن ينهيها بعدما كتب سطر النهاية بنفسه دون تدخل من أحد .