رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأجل حلم بنزيما الذى لم يكتمل.. «لا تستسلم يا شلبى»

 مصطفى شلبي - محمد
مصطفى شلبي - محمد فاروق بنزيما

مثل أي شاب مصري، أنهى الخدمة العسكرية وبدأ رحلة البحث عن مستقبل مجهول لا يعلمه إلا الله.
 

كان عمره في هذا التوقيت 22 عامًا، وأصبح حلمه في أن يكون لاعبًا محترفًا ضعيفًا للغاية.
 

كان الشاب مصطفى شلبي، ابن قرية العصارة في أسيوط، حيث اللا إمكانيات، مطالبًا بأن يبدأ رحلته من الصفر، وربما بمنطقة أبعد.
 

في كرة القدم يعرف أهلها بأن 22 عامًا كبداية من الدرجة الرابعة هي سن كبيرة، وفرص الوصول إلى الممتاز ربما تكون دربًا من الخيال.
 

كنت شاهدًا على واقعة مماثلة، حينما قرر المشرف على منتخب الإدارة التعليمة لكرة القدم في مدينة مغاغة بالمنيا، تكوين نادي مغاغة والبدء من الصفر، أملًا في تسويق اللاعبين وتحقيق مكاسب مادية.
 

محمد فاروق بنزيما قصة أنهاها القدر

حينها كان يشاهد دورات القرى، ويذهب لمراكز الشباب، فضم لاعب اسمه محمد فاروق بنزيما في نفس عمر «شلبي»، وربما أكثر قليلًا.
 

«بنزيما» هذا الشاب الذي كان يجول كل «عصرية» مع شباب قريته آبا البلد في شمال المنيا، لم يكن يخطط ليصبح لاعبًا محترفًا لولا مشروع النادي الذي ظهر فجأة.
 

لكن بعد موسم واحد مع نادي مغاغة في الدرجة الرابعة، أعجب به مسئولو مركز شباب مغاغة الذي يلعب في درجة أعلى، فدفعوا فيه 25 ألف جنيه.
 

لحسن حظه كان تعاقد مركز شباب مغاغة مع شديد قناوي مديرًا فنيًا، ولغرابة الأقدار لم يحقق نتائج جيدة فرحل وطلب معه «بنزيما» لاعبًا في المنيا.
 

مع المنيا خاض مباراة ودية أمام مصر للمقاصة أعجب به حسام حسن وضمه ليبدأ مشواره في الممتاز، وانتقل بعدها لعدة أندية كان أبرزها الاتحاد، قبل أن يختاره الله ويغادر حياتنا للأبد.
 

يذهب مئات الآلاف من الأطفال ليتعلموا كرة القدم في صباهم بأحلام كبيرة تبدأ في مخيلتهم بتصورات الاحتراف في أوروبا وتمر تارة بالأهلي والزمالك، وتنتهي بمجرد اللعب في الممتاز.
 

ثم عند العشرين ينتهي بهم المسار ويبقى منهم المئات فقط ليتحولوا إلى محترفين في اللعبة، بينما من يبدأون بعد العشرين عامًا في الدرجة الرابعة لا يدور بمخيلتهم أبدًا ما دار في عقول الصغار، وأقصى أمانيهم أن يروا أنفسهم نجومًا في قراهم فقط، يشير إليهم أهاليهم وذويهم وأصدقاؤهم.
 

من هنا كانت قصة «بنزيما» واحدة من الحكايات التي مرت دون أن تلقى تقديرًا استحقته لتكون مثالًا يدفع مئات الشباب للعمل والاجتهاد وعدم الاستسلام.


مصطفى شلبي وحلم بنزيما الذي لم يكتمل

أنا أتابع باهتمام الأهلي بضم مصطفى شلبي لاعب إنبي، شعرت بأنني أمام الجزء الثاني من قصة «بنزيما»:«الحلم الذي لم يكتمل بعد».
 

نفس الظروف تقريبًا، لاعب عاد من أداء الخدمة العسكرية، يريد بناء مستقبله ليتزوج ويفتح بيتاً مثل أي رجل صعيدي.
 

محل بلايستيشن صغير انطلق منه وهمش حلم كرة القدم، لكنه لم يدرِ أن رب السموات يرتب له ما لم يتوقعه.
 

ولأن قريته بلا إمكانيات كان «شلبي» يذهب ليلعب كرة القدم في قرية مجاورة هي «بني مر» مسقط الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
 

ربما كان الشاب الصغير وابن قريته ساخطين لفقر ومحدودية إمكانياتهم، لكن كانت الأقدار تسوقه إلى الحلم في بني مر.


أعجبهم الولد بشدة، حاولوا تسويقه في نادي أسمنت أسيوط فرفضوه بسبب ضعف قدراته وفق مدرب الفريق حينها.
 

ذهبوا به إلى نبروه ولم يتغير شيء، لكن مسئولي بني مر في الدرجة الرابعة لم يفقدوا إيمانهم بهذا الولد أبدًا.
 

ذات ليلة تلقى مصطفى شلبي اتصالًا تليفونيًا غير حياته، وبدل مساره كليًا، حينما عرض عليه أحد مسئولي بني مر اللعب معهم في الدرجة الرابعة مقابل راتب شهري 2000 جنيه.
 

سعادة غامرة عاشها الشاب الصغير، ربما كانت ليلته هذه الأجمل في حياته حينها، فالآن سيمارس هوايته وسيحصل على مقابل مادي مقبول يعينه على الحياة مع مشروع البلايستيشن.
 

يقول الحكم الدولي محمود عبدالسميع لولي، أمين الصندوق الحالي في نادٍ بني مر: «مصطفى كان ملتزمًا بشكل استثنائي، ربما كان اللاعب الوحيد في تاريخ الدرجة الرابعة الذي لم يغب عن أي تدريب للفريق، حتى حينما أصيب كان يلتزم بالحضور ليشاهد زملاءه».
 

في الدرجة الرابعة يحضر اللاعب تدريباً أو اثنين كل أسبوع، لأنه لا مصدر للدخل من وراء الكرة، لكن «شلبي» كان يراعي الله في الألفين جنيه ويخشى زوالها، وهكذا وجد قيمة الحمد وتقدير النعم البسيطة، في مقابل آخرين تمردوا على الملايين وانتهى بهم الحال إلى اللا شيء، والأمثلة كثيرة في كرة القدم.
 

ولأن رحلة صعود «شلبي» لم تكن يسيرة، تعرض لإصابة غريبة هي قطع في العضلة الخلفية، فشل الأطباء في أسيوط بعلاجها، وكان الأمل في العودة لكرة القدم ضعيفاً.
 

مدربه محمد زيان، له شقيق يعمل في قطاع البترول، طلب وساطته لعرضه على نادي بترول أسيوط، فرفضوه وكان يلعب مصابًا.
 

«زيان» قاتل في تفاوضه مع إدارة البترول، وأقنعهم بعلاجه، وبالفعل صدق وعده، أو يسر لهما الله الطريق لأنهما حاربا، ففي أول مواسمه مع البترول بعدما عالجه النادي واستعاد عافيته، صعد بهم للدرجة الثانية وتألق بشكل مرعب، فضمه إنبي بمليوني جنيه.
 

من ألفين جنيه راتبا في بني مر إلى 2 مليون جنيه قيمة تسويقية في إنبي، ثم أكثر من 20 مليون جنيه طلبها فريقه الجديد لبيعه إلى الأهلي هذا الصيف، كل هذا التحول جرى في 4 سنوات فقط.
 

إن حكاية «شلبي» التي بدأها «بنزيما» هي حكاية كل أولادنا في مصر جنوبها وشمالها، أولئك الذين يمتلكون الموهبة، ويفتقدون للرعاية، الإيمان، الدعم.
 

يستحق شلبي ومن قبله بنزيما، أن يمثلوا الأهلي والزمالك والمنتخب، أن يتألقوا ويبدعوا وينالون مكانة أكبر.
 

أن تصل رسالتهم إلى الآلاف في كل القرى والنجوع، بأنك تستطيع دائمًا، وأن الفرص لم تنهِ بعد، وأنك في أي وقت قادر على تحقيق المستحيل مهما ضعفت الإمكانيات وضاقت الحظوظ، أنت فقط مطالب بالعمل وعدم الاستعجال والإيمان والبحث عن شبه الفرصة، بدلًا من تفويت عشرات الفرص التي تظهر أمامك ولا تراها.
 

لقد تعطل حلم انتقال شلبي للأهلي، لكنه لم ينته، انتهت جولة ربما، لكن جولات أخرى بانتظاره.
مصطفى.. أنت لا تمثل نفسك الآن، لأجل أولئك البسطاء الحالمين، قاتل ولا تمل، سنراك قريبًا في المنتخب، سيعود الأهلي يعارك الزمالك عليك، سيدفع محمود الخطيب أكثر مما طلبت إدارة إنبي أو يندم على تألقك مع الزمالك، ستكون ذات يوم نجم شباك كبير، لأنك تمثل حلم شعب، أنت «صلاح» في عيونهم فلا تخذلهم.