رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هبة صلاح تكتب: المرأة والرجل في حوار

باحثة بدار الإفتاء
باحثة بدار الإفتاء

اللغة هي العنصر الرئيس في بنية الحوار بما تحدده من وظائف كما ذكرها تشوميسكي في قوله: "عندما نقوم بدراسة لغة الإنسان فإننا بذلك نقترب مما قد يطلق عليه البعض الجوهر الإنساني، وهي الصفات التي تميز العقل بقدر ما نعلم والتي ينفرد بها الإنسان عن باقي المخلوقات"، إذن الحوار حاجة إنسانية تتشكل في بنية اللغة وتنبني عليها العلاقات الإنسانية السوية.

وإذا انتقلنا من هذا التصور عن اللغة إلى البحث في تعريف لمصطلح "الحوار"، نجد أن التعريف الذي يتبادر إلى الأذهان كما يتصوره العامة ببساطة أنه كلام بين طرفين أو أكثر حول موضوع ما، حتى شاع بين الشباب من جيل الألفية لفظة "إيه الحوار" أو "الكلام على إيه" في إشارة منهم إلى كل ما يدور حولهم من قضايا أو موضوعات تشغل الرأي العام أو حتى على مستوى الأشخاص؛ فتظل فكرة الموافقات اللغوية قائمة مع هذا المصطلح، الأمر الذي خلق حاجة ماسة إلى الاقتراب من هذه المساحة والتعرف عليها من خلال عدسة البُعد الديني والاجتماعي، بما يتوافق مع طبيعة المجتمع المصري، بل الوطن العربي كافة.

إذا أخذنا من الشباب تصورهم عن مصطلح "الحوار" وقمنا بعرضه وتحليله، نخلص إلى أن الحوار هو "لغة" يتواصل من خلالها مجموعة من الأفراد في مجتمع ما حول عدد من القضايا التي تشغل الأذهان، ولا أجد مثالًا هنا خير من هذه القصة التي أجاب الله فيها دعاء امرأة قد اشتكت إليه، وقضى في مسائلتها قبل أن تقوم من مكانها، وهي بجانب النبي صلى الله عليه وسلم تجادله في شأن زوجها.

القرآن أسس لمفهوم الحوار في آية عظيمة في قوله تعالى: "والله يسمع تحاوركما"، وهي قصة السيدة خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن صامت، فيما وقع بينهما من ظِهار، فذهبت تشتكي ما لقيت من زوجها من إساءة في المعاملة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فظلت تشتكي، حتى نزلت آيات سورة "المُجادِلة"، السورة التي قد تمر علينا دون أن ننتبه إلى حقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد أقر مبدأ الحوار وخاصة في أمر يتعلق بالزوجة والزوج أي الأسرة في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة.

إذن مفهوم الحوار ليس أمرًا جديدا، إنما الجديد هو التغيرات الاجتماعية التي طرأت على الحياة في ظل العصر الرقمي وسيطرة التكنولوجيا وعلى رأسها السوشيال ميديا التي خلقت حالة من الضرورة المُلحة لفتح قنوات للحوار مع الآخر، سواء على مستوى الأفراد داخل الأسرة الواحدة أو على مستوى المجتمع، وأصبح لدينا مصطلحات جديدة منها الحوار بين الأديان والثقافات كلها تهدف إلى خلق مساحات مشتركة على المستوى العالمي.

اتخذت دار الإفتاء المصرية خطوة استباقية في هذا الشأن منذ عام 2015، وأطلقت مطلع هذا الشهر وحدة "حوار" وهي وحدة متخصصة تعمل على الرد والبحث في الأسئلة التي تشغل الأذهان حول العقائد والشرائع والشبهات، وما يتفرع عنها من إشكالات اجتماعية ونفسية وتقاطعات ذلك مع مباحث الفلسفة المعاصرة، فمن الواقع الذي نعيشه، ارتأت المؤسسة أن يكون هناك مصدر موثوق به لاستقبال أسئلة الجمهور وعلى ورأسهم الشباب وفتح الباب لجميع الأسئلة التي تشغل الأذهان في هذا الإطار من خلال ما تم رصده على مدار السنوات الماضية.

إننا في عصر احتلت فيه فكرة "الفردية" كل جوانب الحياة، وأصبح الشباب وخاصة في سن المراهقة في معزل عن الآباء، وهو نذير خطر يهدد كيان الأسرة، وهي المؤسسة الأولى التي تتشكل فيها شخصية الإنسان، فإن لم يكن هناك حوار ومساحة آمنة يلقي فيها الشباب بهمومهم وكل قضية تخيفهم، سيصبح لدينا قنابل موقوتة تفضي إلى حالات الانتحار أو الإلحاد أو اضطراب الهوية الجنسية وهذا ما نراه بشكل متكرر.

تقدم وحدة حوار من خلال فريق متميز ومتخصص من الباحثين برئاسة الشيخ/ طاهر فاروق زيد وعضوية كل من الشيخ/ فهمي عبد القوي، أمين الفتوى، والباحثة/ هبة صلاح، بتقديم كل الدعم والمساندة لكل من يتردد عليها بمقر دار الإفتاء المصرية، وتعمل على عقد فعاليات تنزل من خلالها إلى عالم الشباب في الجامعات والنوادي العامة ليكون هناك دائما حلقة وصل يذوب معها الجليد بين الجمهور والمؤسسة، مع العمل على فكرة الاستدامة ليكون العمل ذا أثر، فأول الغيث قطرة، والحوار هو باب البحث والتعرف على حقيقة الأشياء حتى نصل معا إلى الإجابة من خلال لغة مشتركة يتحقق فيها قوله تعالى: "والله يسمع تحاوركما".

*باحثة وعضو وحدة حوار-دار الإفتاء المصرية