رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شنودة.. لمن؟

فى ٢٠٠٨ كتبت قصة بعنوان «الباب المغلق» عن طفلة يتيمة تتبناها أسرة مسيحية، فيتم انتزاع الطفلة من الأسرة لأسباب دينية، والمعروف أن الخيالات الأدبية لا تنقلب إلى حقائق فى الواقع، لكن ذلك ما حدث، فقد تحولت القصة المؤلفة إلى حقيقة مع أخبار الطفل شنودة الذى عثرت عليه أسرة مسيحية لا تنجب فى حمام كنيسة وعمره أيام.

وقامت الأسرة بتربيته أربع سنوات، إلى أن تقدمت قريبة الزوج حرصًا على الميراث ببلاغ تطعن فى تبنى الطفل، فانتزعته السلطات من الزوجين وأودعته دار أيتام واعتبرته مسلمًا، فغيرت اسمه من «شنودة» إلى يوسف، ورفع الأبوان دعوى هى الأولى من نوعها ضد وزارة التضامن الاجتماعى، يلتمسان فيها تسليم الصغير إليهما ووقف تغيير ديانته.

فقد عثرا عليه فى كنيسة وهناك شهود من المسلمين والمسيحيين على ذلك، وقد ودع الطفل أباه لحظة انتزاعه من البيت، قائلًا: «ماتزعلش ماما فى حاجة.. ماما بتحبك»، بينما أعرب أبوه عن استعداده وزوجته العمل خادمين فى دار الرعاية فقط ليظلا بجوار شنودة. 

وتطرح تلك الواقعة مشكلة تحديد ديانة مجهولى النسب، كما فى حالة شنودة، إذ يستند قانون التبنى فى مصر إلى الشريعة الإسلامية التى تعتبر أن فاقد الأهلية كالأطفال مسلم بالفطرة، وتطرح الواقعة ضرورة تعديل التشريعات، والإسراع بتسليم الطفل شنودة إلى أبويه اللذين قاما بتربيته ورعايته أربع سنوات، فأمسى قطعة منهما كما أنهما قطعة منه.

مأساة التفرقة بين الوالدين والطفل تستدعى إلى الذهن مسرحية بريخت «دائرة الطباشير القوقازية» التى عرضت لأول مرة عام ١٩٤٨، وفيها ملكة تتخلى عن طفلها وتهرب من تمرد سياسى، فترعاه الخادمة سنوات طوال ثم تعود الملكة مع استقرار الأوضاع وتطالب بالطفل، لكن الخادمة تتمسك به، ويحتار القاضى أيهما أم الطفل؟

فيرسم دائرة ويضع بداخلها الطفل ويطلب من الملكة والخادمة أن يجذباه لخارج الدائرة، تنجح الملكة فى انتزاعه لأن الخادمة أشفقت على الصغير من عنف التجاذب فتركته، وهنا يحكم القاضى لمصلحتها، لأن الأم الحقيقية حسب فكرة الكاتب قد لا تكون من أنجبت، لكن من تعبت وربت وسهرت، وقد فعل والدا شنودة بالتبنى كل ذلك فهما والداه.

لقد تحولت قصة «الباب المغلق» وهى من خيالى إلى حقيقة مؤلمة فى حكاية شنودة، وأذكر أن الشاعر الكبير أحمد حجازى، تناول تلك القصة فى جريدة الأهرام فى مقال خاص بعنوان «الباب لا يزال مغلقًا» فى ١٥ يناير ٢٠١٤.

وقال فيه إن: «حياتنا المشتركة التى بدأناها معًا قبل عشرة آلاف عام فوق هذه الأرض وعلى ضفتى هذا النهر وتحت هذه السماء قبل أن نكون مسلمين وقبل أن نكون مسيحيين هى الأصل، هل نضحى بهذه الحياة المشتركة لأننا أصبحنا ندين بدينين مختلفين؟.. إننى أدعوكم ليس فقط لنقرأها معًا، بل لنتقدم نحو هذا الباب المغلق حتى نفتحه».

نحن فى أمس الحاجة إلى تغيير التشريعات التى تتعلق بالتمييز، وأن نتصدى لكل أشكاله فى الجامعات ونوادى كرة القدم وغيرها، وأن نكرس الشعور بالوحدة، وبأن الدين لله والوطن للجميع، وحينئذ سيكون شنودة لمصر كلها.. تتقدم به، وبإخوته وبنا وتنجح وتنتصر.