رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيدتى حبى نفسك من أجل خدمة رأس المال أحيانا

ظلت النساء على مدار أجيال متتالية حبيسة لتطلبات مريضة متغيرة ونقد مستمر استهدف أجسادهن وملامحهن، وعشن الحياة تحت سطوة أفكار تستهين بالفروق الطبيعية بين إنسان وآخر، واستأنفن مرهقات يتخبطن فى حالة من القولبة والتنميط تفرض عليهن من حين لآخر، بسياج  المعايير الوضعية لقياس أنوثتهن وجمالهن، وحوصرن على إثره بأحكام حطت من قدرهن وخلقت لهن حياة بائسة بتقدير منخفض للذات وحساب زائف عن أنوثتهن، ولو عاصرننا اليوم لكن عرفن أنهن كن أجمل مما يتوقعن وأن ما كان يلتف حولهم هو وهم خلق شقاق بينهم وبين هويتهم الشخصية بكل تفردها وجمالها حيث إن أفكار الأمس التي خنقتهن لسنوات وفرقت بينهن  وبين أجسادهن سمتها التغيير من وقت لآخر.
ومع الأسف مع كل تغيير لا تقل الضغوط بل تتحول لأعباء جديدة تلقى في وجوهن وما عليهن إلا أن تتوافقن مع سنة التغيير المستمر وأن تتحول من هذه لتلك وكأن أجساد النساء دمية من صلصال تستطيع أن تتشكل بالهيئة التي تفرض عليهن في الوقت المحدد والشكل المرغوب.
فتارة يرغبون بنساء بأجساد ممتلئة  وتارة بمظهر فرنسي وأخرى بثنايا محسوبة، ومرات بشعر حريري منساب مع بشرة ناصعة بيضاء وأخرى بشعر هجرى  وهلم جرا من القوالب التي لا تنتهي والتى دفعت لأجلها النساء الجهد النفسي والبدني الذى وصل أحيانا حد الألم في ارتداء مشدات أو أحذية تميت الجسد ودفعن أيضا المال الذي استنزف في شراء المواد الكيميائية المبيضة والشعر المستعار وغيرها من أجل أن تحظى برضا المجتمع عن قدرها كسيدة  تستحق الاحترام.
وكان المستفيد الوحيد في تلك اللعبة حينها هي الشركات التي تطرح ما يحتاجه المجتمع نفسياً وفكرياً في شكل منتجات ،ظنت النساء فيها أنها وجدت لمساعدتهن فيهرعن للشراءدون حتى جدوى وظلت تلك اليد التي نظن أنها تقدم الدعم هي اليد الباطشة التي تضع وتحرك وتستفيد من وجود معايير تخنق النساء ولا تحترمهن، وتحد  من مكانتهن في مجتمعات لا ترى من المرأة شيئاً سوى شكلها وجسدها حتى من أجل الربح لسنوات .
وقد نظن أننا الآن في منأى عن كل ما سبق وأن الحال قد تبدل  ،وأصبحنا نرى الجمال في إختلافتنا ونقدر خصوصية التفرد لكل منا خاصة في ظل دعوات استمرت تنادى بنبذ العنصرية، واحترام البشرية بصورها المتعددة ،وتعظم القيم الإنسانية، وقد نرى أن أننا استطعنا بناء جسراً يثمن تقدير الذات ويقدر الآخر ،نرى أننا بنينا جسراً من الوعى بآدميتنا وحب طبيعتنا البشرية التي لازمتنا في بداية التكوين وتحملتنا في البدء حتى أصبحنا ما نحن عليه الآن، وكجزء من الإنصاف لا ننكر أن شركات رأس المالالتىي ساعدت في استمرار معايير ظالمة لسنوات هي أيضا من ساهمت مؤخرا في رواج أفكاراً بديلة تعمل على خلق صور ذهنية ببريق وهج التنوع وجمال الاختلاف وحب الذات بطبيعتها التي خلقت عليها واحترام كافة الأشكال والألوان والأحجام والصور في مرايا الدعايا التي تلاحق أبصارنا ليلاً نهاراً.
ورغم إيماننا بالنقلة التي حدثت في وعي البشرية بالجمال البشري وتفرده في كافة الصور ،إلا أن الواقع ما زال يصدمنا بوقائع تخبرنا أن النساء ما زلن تحت الضوء بمعايير أكثر خللاً من العهد السابق فهناك نساء يتعرضن يومياً للإساءة لاختيارهن طبيعتهن دون اللجوء لأي مستحضرات أو عوامل خارجية لتحسين صورهن، أو لمجرد تصالحهن مع شكل أجسادهن  التي تنشق عن معايير الجمال الموضوعة مجتمعياً.
وما كان أعظم هو ما يحدث لبعضهن من المشاهير  كاستعجاب أن تظهر دون مساحيق، أو بجسدها علامات منطقية لخسارة الوزن، أو لسيدة حامل قد زادت في وزنها، أو وضعت وما زالت تعاني من زيادة لم تخسرها بعد، وما كان فجاً هو ما خرج علينا مؤخرا في تعجب المجتمع من ظهور علامات الزمن والتجارب والمواقف التي خضناها عبر العمر وتقدمه على وجه إحداهن من الجميلات الفاتنات على مر الزمن.
ما سبق يخبرنا بحقيقة مريرة نكاد جميعا نتمنى ألا نبصرها ونخفيها في أنفسنا ألا وهي أننا وصلنا لأقسى أشكال المعايير النمطية التي تقلنا بلا هوادة، وكلما ظننا أننا حطمنا هذا الميثاق الغليظ من المعايير الزائفة بقبس من نور لاحترام إنسانيتنا، فالدعوات التي حفتنا من القيم وتقدير الذات الجمالية رغم قدسيتها إلا أنها اخترقت وانتهكت ووضعت ضمن معاييرجديدة تستخدم من أجل تنوع وتشعب رأس المال.
فبالأمس كان كل شيء محدودا لذلك ستجد أن المعايير كانت جامدة أما اليوم فستجد طفرة وتنوعا في كل شيء منتجات وسلع تناسب كل لون وحجم وفكر وطبيعة لكل نسل وعرق، ولو أمعنا النظر سنجد أن من وضع معايير الأمس وحددها برباط من حديد هو نفسه اليوم الذي يروج للتغيير وكسر القيود، ومع كل أسف هو نفسه من وضع معايير جديدة أكثر غرابة وهو من يستغل كل موقف استهجان لإحداهن من المجتمع على جسدها ليروج لحلوله، وهو ذاته الذي يلوح بمعاييره القديمة في وجوهنا إن تطلب الأمر.
وهو يعي أن كثيراً منا أصبح يستهلك أفكاراً أكثر ما يستهلك حدوداً وشروطاً فيخرج علينا كل يوم بقيمه ويحدثنا عن عظمة التغيير ودوره النفسي في كسر الروتين والسرعة القاتلة لأجيال اليوم فتتحرك معه كمستهلك واع يحب ذاته ويقدرها ويؤمن بحرية اختياره وزهق الفروض، فتختار بنفسك لنفسك شيئاً لم يكن يومًاً من طبيعتك وتنفق عليه ظناً أن هذا كسر للمعتاد وليس إملاء على الذات، وحتى مع حبك لذاتك وبكفرك بالتغيير ستنفق أكثر مما تظن للاعتناء بطبيعتك والحفاظ عليها .
وفى حقيقة الأمر أننا أمام حلقة معقدة لن تفنى بسهولة فهى كنز ثروات منقطع النظير، وكلما تقدم العلم خرجت معايير أكثر حدة علي النساء، تستخدم القديم والجديد والحديث بمداخل مختلفة، مستغلي كافة القيم والأعراف والرغبات والأفكاروالمشاعر؛ وحتى المعتقدات من أجل أرباح مهولة، وسنهلكك نحن كل يوم تحت وطأة فكرة جديدة يمهد لها الطريق مع الوقت حتى تنضج وإما أن تسايرها  أو تقف في وجه المحرقة.
وأظن أننا بأوضاعنا الاقتصادية آن الأوان لنا بكافة اختلافاتنا الثقافية والفكرية أن نعى حقا لأفكارنا وتناسقها مع سلوكنا  سواء الاجتماعى أو الذاتي أو الشرائى وتطابقها مع ما نؤمن وإلا فإصلاح الخلل واجب، وأن نعى جميعا أن ما فرض علينا بقوة الفكر وبات ضاغطاً لنا  لن يسترد  إلا بالفكر، فلا معيار فوق روعة الجمال الإنسانى الصادق في كل فج عميق ولا نقص سوى في أفكارنا نحن، وفي ظل ما يواجهه العالم الآن حان لرأس المال أن يعى بأن حالة الفوضى وتشتت المعايير وسرعه تحولها قد تضره أكثر ما تنفعه وأنه بحاجه لدعم رسالة صادقة تجعلنا نختار بوعى أولويتنا واحتياجاتنا التي تفيد طبيعتنا دون انتهاك لنا أو غيرنا وتحقق له النفع من إنتاجه.