رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القدر يتدخل ليصبح تشارلز ملكًا على عرش إنجلترا

إن لقصص وحكايات وأسرار الملوك والملكات سحرًا خاصًا يستهوى الناس فى كل مكان فى العالم، ويتم تقديم الأشهر منهم فى أعمال فنية تلقى إقبالًا ونجاحًا من الجماهير العريضة لدى عرضها فى أعمال درامية، سواء كانت أفلامًا أو مسلسلات أو كتبًا مأخوذة عن حياتهم وكاشفة لأسرارهم.

ومن القصص التى تابعها بشغف وما زال يتابعها العالم يومًا بيوم قصص وأسرار العائلة الملكية البريطانية، خاصة منذ بدء إعلان ارتباط الأمير تشارلز، ولى عهد إنجلترا، بالليدى ديانا سبنسر، وبعد ٦٤ عامًا من الانتظار أخيرًا تدخل القدر ليصبح الأمير تشارلز ولى عهد إنجلترا ملكًا على بلاده فى سن الـ٧٤ عامًا، ولتصبح كاميلا باركر عقيلة الملك، وذلك عقب وفاة والدته الملكة إليزابيث الثانية عن عمر يناهز الـ٩٦ عامًا، ولا تزال تفاصيل قصة حياة الأمير تشارلز الذى أصبح الملك تشارلز الثالث بعد تنصيبه ملكًا منذ أيام، وفى ثانى يوم لوفاة والدته الملكة، ولا تزال تحركاته- محط أنظار العالم لحظة بلحظة، ولقد كانت تفاصيل حياته فور إعلان ارتباطه رسميًا بالليدى ديانا سبنسر محط الأنظار، وكانت من أكثر قصص العائلات الملكية التى تابعها الناس بشغف واهتمام فى كل أنحاء العالم فى تاريخ العائلات الملكية، وحظيت باهتمام عالمى مدوٍ على مدى العقود الماضية، وتابعناها فى مصر باهتمام بالغ جميعًا على مدى سنوات طويلة، وذلك لأن فصولها تشبه الروايات الخيالية التى يكتبها الأدباء والأفلام الخيالية التى تنتجها هوليوود التى مهما وصلت درجة الخيال لدى أى مؤلف، فإنه لن يصل به الخيال إلى تفاصيل وفصول هذه القصة التى تابعناها على شاشات الفضائيات، كما تناولها الإعلام بكل اتجاهاته بسبب أحداثها المثيرة تارة والمأساوية تارة أخرى.

من ناحية أخرى ولأن أسرار حياة الملوك والملكات والكواليس التى بداخل القصور الملكية لها سحر خاص يستهوى الناس فى أى مكان فى العالم؛ حتى وإن كانت منذ زمن طويل أو فى أزمنة قديمة- فإننا مثلًا لا ننسى قصة حياة الملكة المصرية «كليوباترا» التى اعتلت عرش مصر فى زمن الفراعنة فى سنة ٥١ ق. م، حتى سنة ٣٠ ق. م، وهى من أشهر الملكات فى التاريخ، ولقبت بملكة الملوك التى كانت أيقونة الجمال الصارخ والدهاء والجاذبية فوقع فى حبها أشهر القادة حينذاك، وكانت قصة حياتها الأسطورية قد قدمتها هوليوود فى فيلم سينمائى شهير بإنتاج ضخم نال نجاحًا ساحقًا؛ إذ قام ببطولته اثنان من أشهر نجوم هوليوود فى ١٩٦٣، وهما إليزابيث تيلور وريتشارد بورتون الذى جسد دور زوجها مارك أنتونى، بينما جسد النجم ركس هاريسون دور يوليوس قيصر روما، وفاز الفيلم بـ٤ جوائز أوسكار، وستعاد تقديم قصة حياتها وكشف أسرار جديدة عنها، فهى أكثر شخصية قُدمت عنها أعمال فنية، حيث بلغ عددها ١٨ عملًا دراميًا فنيًا، وقريبًا ستقدم كفيلم سينمائى بنجمة هوليوود التى قدمت دور المرأة الخارقة جال جادوت.

وكان الاهتمام قد بدأ بمتابعة تفاصيل وأسرار العائلة الملكية البريطانية ولفتت أنظار العالم إلى تفاصيلها بشكل خاص بعد دخول الليدى ديانا فى حياة القصر الملكى بعد ارتباطها رسميًا بالأمير تشارلز، فتم تقديمها فى عدة أعمال فنية شاهدت بعضها مثل مسلسل «التاج» وفيلم «الملكة» فى سنة ٢٠٠٧ الذى قامت ببطولته النجمة هيلين ميرين وحصدت به جائزة الأوسكار، حيث تم تقديم قصة حياة الملكة إليزابيث الثانية وبها بعض تفاصيل عن ابنها الأمير تشارلز وخلافها مع الليدى ديانا التى عشقها الشعب الإنجليزى إلى حد اضطرار الملكة إلى وضع الزهور على مكان تجمع الشعب الإنجليزى أمام القصر الذى امتلأ بآلاف من باقات الزهور والكروت، التى تعبر عن الحزن على وفاة ديانا حتى بعد طلاقها من أمير البلاد، ومغادرتها العائلة الملكية وسحب اللقب الملكى منها، كما قُدمت عدة أفلام عن الليدى ديانا وحياتها بعضها توثيقى وبعضها درامى. 

وهناك مفارقات كثيرة وأحداث جسيمة جذبت الناس لمتابعة الأحداث فى البلاط الملكى الإنجليزى أثناء تولى الملكة الراحلة إليزابيث الثانية العرش، وتابعها العالم لحظة بلحظة، وذلك منذ إعلان تفاصيل زواج تشارلز وزفافه من الأميرة ديانا، والذى كان زفافًا أسطوريًا تابعناه على شاشات الفضائيات، حيث تم بثه على الهواء مباشرة، وكان من أسباب متابعة العالم هذا الزواج جاذبية الأميرة ديانا التى استطاعت أن تلفت أنظار العالم إليها وأن تأسر قلوب الناس من كل الفئات ومن كل الطبقات الاجتماعية، وأن تحظى بإعجاب دولى لم تحظ به أى أميرة أخرى فى العالم، حيث لقبت بـ«أميرة القلوب»؛ فقد كانت تتمتع بالجمال والجاذبية وبالحيوية والأناقة، وأيضًا كانت لديها الجرأة على الظهور بشكل جديد ومختلف عن كل من سبقنها من الأسرة الملكية البريطانية، وكانت حريصة على أن تظهر فى أبهى أناقة، ولكنها أناقة حديثة وغير تقليدية تختلف عن كل أميرات العصر الحديث، وتعلق بها العالم وبأحوالها وأنشطتها الإنسانية، فكانت تخطف الكاميرات من تشارلز فى زياراتهما أى دولة أخرى أو فى الأنشطة الخيرية التى يقومان بها، واحتلت مكانة استثنائية لدى الشعب الإنجليزى، وكانت أيضًا تقوم بأعمال إنسانية فيها جرأة غير معهودة من العائلات الملكية، فمثلًا تم التقاط فيديو لها شاهده العالم وهى تزور مستشفى لمرضى الإيدز وتمد يدها بحنو إلى المرضى لتواسيهم وتشد من أزرهم، ثم حينما بدأ الخلاف يدب بين الزوجين اكتشف العالم أسرارًا كانت غير معروفة، حيث تبين أن الأمير تشارلز يحب السيدة كاميلا باركر، وأنه متعلق بها وأنه مرتبط بها ارتباطًا وثيقًا عاطفيًا ووجدانيًا، وهنا بدأت تحدث مفارقات مثيرة، حيث بدأ الإعلام الغربى يتابع الخلاف بين الأمير العاشق لكاميلا وبين أميرة القلوب التى تعلقت بها قلوب الشعب البريطانى، بينما قلب الأمير فى واد آخر، واستفحل الخلاف الذى أدى إلى انفصال بين الزوجين، ولم تستطع الأميرة ديانا تحمل هذا الموقف الأليم الذى كان فوق احتمالها، فتم الطلاق بين الزوجين، بعد إنجاب ولدين هما هارى وويليام، وتركت الليدى ديانا قصر باكنجهام وتم سحب لقبها الملكى منها، وهو أميرة ويلز، لكن لم تنسحب عنها كاميرات الإعلام والصحافة، حيث ظلت تحت الأضواء أينما ذهبت، وظلت أميرة على عرش القلوب مهما فعلت أو أينما اتجهت، فكاميرات الصحفيين والفضوليين كانت تلاحقها بشراسة وقسوة فى كل مكان وفى كل لحظة تخرج فيها من باب بيتها، ورغم أنها اعترفت فى حديث تليفزيونى بأخطاء اقترفتها مثل خيانة الأمير تشارلز، فإن ذلك لم ينتقص من شعبيتها الجارفة والاستثنائية، كما أعلنت عن أنها مصابة بمرض البوليميا، وذلك لأنها تريد أن تظل دائمًا رشيقة وجميلة فى عيون الناس إلا أن الكاميرات لم تبتعد عنها يومًا، بل كانت تحبها وتركض وراءها وتتضاعف مبيعات الصحف التى تنشر أخبارها.

وحينما ارتبطت بقصة حب مع الملياردير الشاب دودى الفايد ابن الملياردير المصرى المقيم فى لندن محمد الفايد لاحقتها كاميرات الباباراتزى و كاميرات الصحفيين الذين يهوون التلصص على المشاهير والتقاط صور لهم إلى حد أنه تم تصويرهما على يخت آل الفايد بتليسكوب من بعيد كشف العلاقة الوثيقة بينهما، وهنا أعلن دودى الفايد عن أنهما سيتزوجان، فكانت مفاجأة للعالم، وصدمة مدوية للعائلة الملكية ولتقاليد العائلة الملكية؛ إذ كان من الصعب على العائلة الملكية أن تقبل بزواج ديانا من ملياردير مصرى مسلم وأن تنجب منة ابنًا يكون شقيقًا لولديها من الأمير الإنجليزى ولى عهد إنجلترا، وهنا لم تكتمل فرحة ديانا الجميلة ودودى الفايد، حيث حدثت صدمة مدوية فى العالم حينما توفيا معًا فى حادث سيارة مروع فى مدينة باريس، فى ١٩٩٧ أودت بحياة العاشقين، وماتت ديانا إلا أنها ظلت حية فى ذاكرة العالم وفى ذاكرة الشعب الإنجليزى الذى أحبها واعتبرها ضحية بريئة لظروف زواجها الصعبة من الأمير تشارلز، وتم تداول شائعات كثيرة منها أنه تم قتلهما لاستحالة قبول العائلة الملكية لوريث مسلم يكون شقيقًا لولديها هارى وويليام فى حالة زواجها وإنجابها من دودى الفايد. 

وهكذا ظل شبح ديانا يظهر مع الأحداث التى تتابعت بعد وفاتها، وظلت قصة زواجها ووفاتها المأساوية حية فى ذاكرة العالم، والآن وبعد صبر طويل وحياة صعبة وإرادة من حديد للأمير تشارلز الذى أصر على الزواج من المرأة التى يحبها رغم كل التحديات والصعوبات التى واجهته- ها هو القدر يجعله ملكًا فى سن الـ٧٤ عامًا وبجواره تقف زوجته كاميلا لدى تنصيبه رسميًا، وهى المرأة التى أحبها بكل جوارحه حاملة لقب عقيلة الملك، ولا شك أن الملكة إليزابيث الثانية كانت ملكة قوية الشخصية مخلصة لعرش بلادها وشهدت أحداثًا تاريخية كثيرة وحروبًا خطيرة وكانت أطول فترة حكم لملكة فى التاريخ، كما استطاعت أن تؤدى واجباتها على خير وجه إلى ما قبل وفاتها ببضعة أشهر فقط، ولم تتنازل عن العرش لابنها رغم كبر سنها، ورغم أنها دخلت فى سن حرجة وظلت تحرص على الظهور بكامل أناقتها وبألوان مبهجة فى الفساتين والحقائب والمجوهرات والقبعات رغم تجاوز الـ٩٠ عامًا. 

إلا أن القدر كان أقوى من إرادتها الملكية، فقد توفيت عن ٩٦ عامًا أى بلغ عمرها ما يقرب من قرن، وصعد الأمير تشارلز ليجلس على العرش وبجانبه كاميلا عقيلته لنشهد فصولًا جديدة ورياح تغيير قادمة فى سياسة إنجلترا وفى حياة تشارلز وكاميلا، ونأمل أن تتوثق العلاقات بين مصر وإنجلترا؛ بما يسهم فى تبادل الخبرات بين البلدين وبين الشعبين، وكان قد أتيح لى لقاؤهما ورؤية الأمير تشارلز والسيدة كاميلا باركر حينما جاءا لزيارة، مصر لأول مرة فى ٢٠٠٦، وذلك فى حديقة الأغاخان، ويومها عبر كل منهما عن إعجابه الشديد وسعادته بزيارة بلدنا، كما زارا مصر فى نوفمبر ٢٠٢١ حيث استقبلهما الرئيس عبدالفتاح السيسى والسيدة قرينته فى القصر الرئاسى، كما زارا الأزهر الشريف، وقال الأمير تشارلز «نحن نتشارك الكثير وأهم شىء هو التركيز على المشترك بين المعتقدات والأديان»، كما حرصا على التقاط صور عند منطقة الأهرامات، خاصة الهرم الأكبر وعبرا عن انبهارهما بما شاهداه من عظمة بناء الهرم الأكبر وعظمة تمثال أبوالهول وجلالة وروعته، والتقطا صورًا تذكارية عند أقدام ابوالهول. 

وفى تقديرى فإن مصر وإنجلترا ستشهدان دفعة وتطورًا وتقاربًا فى العلاقات بين البلدين، بعد أن أصبح تشارلز ملكًا على عرش بريطانيا، وهو معروف باحترامه للإسلام، كما أنه تعهد أيضًا بأنه سيظل يحمل عهد الملكة إليزابيث معه، ولم ينس التعبير عن حبه لحب حياته الوحيد، حيث أكد أنه يتشجع بدعم زوجته الحبيبة، ومنح لابنه ويليام ٤٠ عامًا لقب أمير ويلز، الذى حمله لمدة تزيد على ٥٠ عامًا، وأصبحت كاترين زوجة ويليام تحمل لقب أميرة ويلز، وهو اللقب الذى كانت الأميرة الراحلة ديانا آخر من يناله.