رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التجارة بالمرأة وشعارات الحرية

صرحت إحدى النسويات من صاحبات دكاكين التمويل الأجنبى: «المرأة ليست ملزمة بالرضاعة». وعلينا أن نتساءل أولًا: لماذا تُطرح قضايا المرأة من زاوية نقاط الاختلاف والشقاق، والعداء المفترض، من منظور التنافر وليس التكامل، بمنطق هى غير ملزمة بهذا، وهو غير مطالب بذلك، بينما تنمو العلاقات فى كل المجالات على أساس من الالتزام الطوعى المتبادل بين الطرفين؟

باختصار لماذا لا نبحث فى العلاقة بين الرجل والمرأة من منظور البناء وليس المشاحنات والكراهية كما تصر على طرحها المنظمات النسوية المتمولة؟ لعل هذا ما دفع شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى التصريح بأن تغذية روح المادية والعدائية داخل الأسرة «جريمة أخلاقية».

وهى جريمة ترتكبها بوعى النسويات اللواتى يموهن على قضايا المرأة الحقيقية بأخرى مصطنعة من باب تحليل القرشين واللمعة الإعلامية. فى السياق نفسه تصرح سيدة أخرى منهن بأن أول ما قالته لزوجها إنه لا حقوق لديه «إلا فى السرير». وتضيف: «الست عندها رسالة أحسن من شغل البيت، إنها تدلع جوزها»! هكذا تشوه النسوية عندنا قضايا المرأة بخليط مفتعل، ثم تحيل المرأة نفسها إلى موضوع جنسى، فلا يعود هناك فرق بين نظرة الحركات السلفية والنسوية إلى المرأة سوى أن السلفية تجعل المرأة موضوعًا جنسيًا فى إطار التقاليد والتراث، بينما تضعها النسوية فى الإطار نفسه لكن تحت راية التحرر، وتصبح النسوية والسلفية وجهين لعملة واحدة، تتجاهل القضايا الأصلية وترى قيمة المرأة كلها على السرير. وبقضية «غير ملزمة بالرضاعة» ومثيلاتها، يفتعل صراع بين المرأة والرجل، بدلًا من أن نرى الطرفين وحدة إنسانية تتكامل وتنمو بالحب والتعاطف والالتزامات المتبادلة.

وبالصراع المفتعل والتركيز على ثنائية «الذكر والأنثى» تتم التغطية على أن الطرفين يواجهان معًا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما يتم التمويه على قضايا المرأة النوعية الحقيقية، وفى مقدمتها ارتفاع نسبة الأمية بين النساء لدينا، حتى أنها تصل إلى أربعين بالمائة، وهى ضعف النسبة بين الرجال. وقضية العبء الواقع على المرأة نتيجة أن ١٥٪ من الأسر المصرية تعولها الأم، وأن أجور المرأة المنخفضة قياسًا بأجر الرجل الذى يصل فى القطاع الخاص فى المتوسط إلى نحو تسعمائة جنيه، بينما تحصل المرأة على سبعمائة جنيه، وهى مشكلة عالمية لأن فجوة الأجور هذه تصل إلى ٢٥٪ على مستوى العالم، حتى أن الأمم المتحدة خصصت يومًا للمساواة فى الأجور فى ١٨ سبتمبر من كل عام، بل سنجد أنه حتى ساعات العمل أزيد عند المرأة منها عند الرجل.

أيضًا ترتطم المرأة المصرية بمجموعة تشريعات تحتاج إلى تعديل، منها أن شهادة المرأة فى قضايا الأحوال الشخصية تعد نصف شهادة، بالرغم من أنه لا توجد فى القانون مادة تنص على ذلك، لكن المحاكم بشكل تلقائى تعمل على أساس أن شهادة المرأة نصف شهادة.

أيضًا تعانى المرأة من مشكلة أحكام بيت الطاعة، رغم أن شيخ الأزهر قد صرح بأنه «لا وجود لبيت الطاعة فى الإسلام». 

هذه هى مشكلات المرأة الحقيقية وليس أن المرأة غير ملزمة بالرضاعة، وهى مشكلات سيحلها الرجل والمرأة معًا، بالالتزامات المتبادلة، والمحبة، وليس بالتنقيب عن نقاط الكراهية والتنافر، ويشهد تاريخ الفكر المصرى بأن الرجال كانوا أول من ناصر حقوق المرأة قبل أن تظهر نسوية التمويل بزمن طويل، وتموه على هموم المرأة بقضايا موهومة لمجرد اللمعة الإعلامية وشغل الأنظار عن الواقع تحت رايات التحرر، ووسط زغاريد زائفة.