رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أطفال القمر».. «الدستور» تدخل عالم المحرومين من الشمس: الموت ينتظرهم خارج الغرف المغلقة

الدستور تدخل عالم
الدستور تدخل عالم المحرومين من الشمس

يعانى مرضى الجلد المصطبغ «أطفال القمر» معاناة مزدوجة، فهم محرومون من ضوء النهار، مجبرون على الالتزام بالبقاء فى المنازل والغرف بعيدًا عن أشعة الشمس التى تحرق بشرتهم وتقتلهم ببطء، من جهة، ومن جهة أخرى فإن ظهورهم للعلن يعنى أنهم لن يسلموا من نظرات السخرية أو الاندهاش والتأفف من الاقتراب منهم أو ملامستهم بسبب النمش الذى يكسو وجوههم أو الملابس الواقية التى تغطى أجسادهم بالكامل وتجعلهم يبدون فى هيئة غريبة، إضافة إلى ارتفاع فرص إصابتهم بسرطان الجلد، والتكلفة المادية الباهظة للعلاج والرعاية الطبية. 

فى السطور التالية، تحقق «الدستور» فى معاناة مرضى «أطفال القمر»، لتسليط الضوء على معاناتهم، ولفت الانتباه إليهم، لعلنا نكون سببًا فى التخفيف من آلامهم.

ميخائيل أشرف:  بعد معاناة 3 سنوات استيقظت فوجدت طفلى فارق الحياة

فى يونيو ٢٠١٤، رُزق ميخائيل أشرف، من سكان القاهرة، بطفله الأول بعد زواجه بعامين، لكنه لاحظ شيئًا غريبًا على جسد ابنه الذى لم يمر على ولادته سوى ١٨ يومًا فقط.

فى البداية اعتقد الأب أن النمش الذى بدأ يظهر على جسد ووجه طفله أمر عابر ربما سيختفى خلال أيام، وأن سببه ارتفاع درجة الحرارة أو حساسية بشرته حديثة العهد بالعالم خارج رحم والدته.

لم يفكر الأب كثيرًا قبل التوجه إلى الطبيب رفقة طفله، حيث جرى تشخيص الحالة على أنها حساسية عابرة ستختفى خلال أيام، لكن مع مرور الوقت كان الأمر يزداد تعقيدًا وانتشر النمش بكثافة.

أيقن الأب أن ابنه مصاب بمرض جفاف الجلد المصطبغ، وحذره الطبيب من أن يتعرض الطفل لأشعة الشمس.

قال، لـ«الدستور»: «لم أكن أعرف ما التصرف الصحيح ولم يسبق لى أن سمعت بهذا المرض، ولا كيفية علاجه».

كان الأب يروى لنا تفاصيل تلك الأيام بصوت حزين، مشيرًا إلى المأزق الكبير الذى وقع فيه حين اكتشف أن عليه الالتزام بإجراءات استثنائية للحفاظ على طفله من مضاعفات المرض.

وأضاف: «كان علاج ابنى مكلفًا بدرجة كبيرة، فى حين أن ظروفنا المادية كانت صعبة للغاية، وعلاج مريض الجلد المصطبغ يتطلب مستوى معينًا من الرعاية الطبية، وأدوات وقائية باهظة الثمن يتم تغييرها بشكل دورى، فضلًا عن استخدام الكريمات المرطبة لأكثر من ٣ مرات يوميًا، وكُل ذلك بجانب الحفاظ عليه بعيدًا عن أشعة الشمس».

ظل الوضع كما هو قرابة عام ونصف العام، حتى اشتد المرض على الطفل فى يوم مشئوم، وأبلغ الطبيب ذويه بأنه مصاب بسرطان الجلد، ومن هنا أصبح الوضع أكثر خطورة، فالإجراءات الوقائية لم تحم الطفل من الخطر، وأصبح مريضًا بالسرطان، ما يعنى أن المأساة أصبحت مضاعفة؛ لأن التكلفة المادية للفحوصات الطبية الدورية والعلاجات زادت بشكل كبير.

واختتم الأب حديثه: «بعد مرور ثلاث سنوات من الإصابة بالمرض، استيقظنا على صدمة مفجعة، حين وجدنا يوسف قد فارق الحياة أثناء نومه، ولم يعد هناك سبيل لإنقاذه، وأصبنا باكتئاب شديد حزنًا على فراقه، حتى رزقنا الله بتوأم معافى، ونعيش حاليًا حياة مستقرة، ونتذكر طفلنا الأول وندعو له فى صلواتنا».

هانى الناظر: مضاعفاته تصل إلى فقدان البصر والسمع بشكل تدريجى

قال الدكتور هانى الناظر، استشارى الأمراض الجلدية، إن مرض أطفال القمر، يحدث بسبب خلل جينى، وهو أحد الأمراض الوراثية. 

وذكر أن المرض يحدث حينما يكون أحد الوالدين حاملًا المرض وليس مصابًا به، لينتقل إلى المولود بشكل كامل، مضيفًا: «فى حالة تعرض الطفل للإصابة بالمرض يجب منعه بشكل نهائى من التعرض لأشعة الشمس مهما كلف الأمر».

 وتابع: «أعراض المرض تبدأ بظهور النمش على جلد الطفل، ومع تعرضهم للشمس ينتشر النمش فى مناطق الجسد المعرضة لأشعة الشمس، فضلًا عن التعرض لحروق الشمس كلما زادت مدة التعرض لوقت أطول، وغالبًا ما تظهر الأعراض على الوجه والشفتين والذراعين والرجلين والرقبة». 

وأشار إلى خطورة تطور المرض حين يتعرض الطفل إلى الشمس بشكل مباشر، مؤكدًا أن حاستى البصر والسمع تضعفان بشكل تدريجى، حتى يتم فقدانهما بشكل نهائى، مضيفًا أن الإصابة بسرطان الجلد تعد أمرًا منتشرًا بين المصابين بـ«أطفال القمر». 

وعن العلاج، قال: «يجب الالتزام الدائم باستخدام الكريمات المضادة للشمس مع الأطفال، واستخدام الشمسيات اليدوية فى حالة الخروج والتعرض للضوء، وارتداء الملابس القطنية الثقيلة، وقفازات اليدين وقناعات الوجه الزجاجية، كما يجب الالتزام بالمتابعة مع أطباء الجلدية والأورام للاطمئنان على صحة المرضى بشكل دورى».

عزة والدة الطفل عمرو:  يعانى من التنمر.. وزوجى تخلى عنا ورفض المساعدة

داخل مدينة إدكو بمحافظة البحيرة، يعانى عمرو، صاحب الـ٩ أعوام، من مرض «أطفال القمر»، الذى ينهش فى جسده رويدًا رويدًا على مدار ٦ أعوام كاملة، قضاها بعيدًا عن الشارع محرومًا من اللعب أو الخروج، أو التوجه إلى المدرسة، وجميعها أمور تتسبب فى إصابته بتدهور نفسيته كلما سمعت أذناه أصوات الأطفال الآخرين فى القرية يلعبون ويمرحون.

قالت والدته، لـ«الدستور»: «أصيب ابنى بالمرض بسبب زواجى من أحد أقاربى، وكان طبيعيًا حتى بلغ عمر الـ٣ سنوات، حينها بدأت تظهر عليه أعراض المرض، مثل انتشار النمش على وجهه، وبعد أن استشرنا أحد الأطباء عرفنا أنه مصاب بمرض جفاف الجلد المصطبغ، وليس هناك أى أمل فى علاجه، وتوقعوا وفاته خلال ٦ أشهر».

وأضافت: «فى كل مرة أتوجه برفقة ابنى لزيارة الأطباء أسمعهم يبدون دهشتهم من أنه لا يزال على قيد الحياة».

العناية بعمرو ومواصلة رحلة علاجه ورفض الاستسلام مهمة شاقة على الأم، لكنها أصبحت شاقة ومريرة عقب تخلى الأب عن ابنه وقرر الانفصال عن الأم ورفض تقديم المساعدة. 

تعيش الأم، حاليًا، برفقة ابنها لدى أسرتها، وتخصص له غرفة مزودة بجميع احتياجاته، مثل ملابس وأدوات الوقاية من أشعة الشمس، إضافة إلى المكملات الغذائية الضرورية، مثل فيتامين د، ومضادات الحساسية، والكريمات المرطبة، مع الحرص على تشغيل المروحة بشكل دائم حتى لا ترتفع درجة حرارة جسمه.

وعن معاناة عمرو مع التنمر، قال: «حين ذهب إلى الحضانة، كان يتعرض دومًا للتنمر، بسبب زملائه حتى المعلمين، الجميع كان يهرب منه، ولا يرغب أى شخص فى التعامل معه بسبب شكله الغريب، لأن النمش يغطى وجهه، إضافة إلى أنه مضطر لارتداء ملابس واقية تغطى رأسه وجسده بالكامل حتى لا يتعرض لأشعة الشمس التى تحرق جلده وقد تتسبب فى وفاته».

 وأضافت: «أصيب بالاكتئاب الشديد؛ ما جعلنى أمنعه من استكمال تعليمه، لأننى أخشى من أى يفقد آخر ما لديه من قدرة على المقاومة». 

قبل شهرين، خضع عمرو إلى أكثر من عملية جراحية، لإزالة أورام خبيثة تسللت إلى جسده الصغير، وبمساعدة الأم تحسنت حالته النفسية بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، من خلال تشجيعه على مواصلة حياته بشكل طبيعى، واستخدام منصات التواصل الاجتماعى، وتعلم العديد من الأشياء المختلفة فى الحياة. 

واختتمت والدة الطفل بالقول إن ابنها يتحسن وأصبح واثقًا من نفسه ومن شكله، ويواظب على الصلاة وصيام رمضان كله رغم مرضه وحاجته للعلاج، وأصبح أكثر جرأة، ويتضح ذلك من خلال نشره صوره الشخصية على «فيسبوك» دون الخوف من السخرية أو التعليقات المسيئة.

أشرف غالى: المريض يعانى من تقرحات فى الجلد وقد يموت بعد 20 عامًا

أشار الدكتور أشرف غالى، طبيب جراحة تجميل الأطفال، إلى أنه من النادر أن يتردد على المستشفيات أطفال يعانون من مرض «أطفال القمر»، مضيفًا أنهم موجودون بالفعل لكن بنسبة قليلة للغاية. 

وذكر أن المرضى غالبًا ما يكونون ضحايا زيجات الأقارب، مردفًا: «المرض اسمه العلمى (زيرو ديرما بيجما توسيم)، ويعانى فيه المريض من تقرحات شديدة فى الجلد، تتطور الأعراض للإصابة بحساسية العين والأذن».

 وأضاف: «الجهاز المناعى لدى الأطفال المصابين بالمرض يكون ضعيفًا للغاية؛ ما يجعل أجسادهم تتأثر بشدة عندما يتعرضون لأشعة الشمس، ويواجهون أيضًا مشكلات عدة فى الأعصاب، ورغم الأبحاث العلمية الكثيرة التى أجريت على المرض، إلا أن العلاج لا يزال غير متاح حتى وقتنا هذا». 

ونوه إلى أن هناك مجموعة من السرطانات تتطور ببطء فى الطبقات العليا من الجلد لدى «أطفال القمر»، وتشتد كلما تعرض الجسد إلى الشمس، لتنتج الخلايا الصباغية المزيد من الصبغة، التى يبدأ منها السرطان، وقد تنتشر البؤر فى طبقات الجلد والعظام، إذا لم يتم تشخيصها وعلاجها سريعًا، وهنا يخضع المريض لعدة عمليات جراحية تساعده فى تخفيف الأعراض.

 وتابع: «المريض قد يتوفى بعد مدة تدوم ٢٠ عامًا، عقب معاناة مع المرض، ولكن هناك حالات عاشت فترات زمنية أكبر من ذلك، حين التزمت بجميع الأدوات الوقائية اللازمة والحرص الشديد من التعرض لضوء الشمس، بجانب ارتداء النظارات العاكسة للضوء، والملابس الثقيلة التى تحمى الجسد سواء داخل المنزل أو خارجه».

وائل العمرى: أغلقت جميع النوافذ لكن ابنى أصيب بسرطان الجلد

أوضح وائل العمرى، والد طفل مصاب بمرض «جفاف الجلد المصطبغ- أطفال القمر»، أن ابنه «محمود» أصيب بالمرض فى سن الخامسة، ومنذ ذلك الحين تحرص الأسرة على غلق النوافذ يوميًا فى الصباح الباكر لمنع أشعة الشمس من الدخول.

وأضاف الأب، ٣٣ عامًا، أنه كان لا يخرج ابنه من المنزل نهائيًا، ويطلب حضور الطبيب إلى المنزل، واستمر الأمر لمدة عامين، وعاشت الأسرة معاناة شديدة، ولم يكن هناك حل سوى السماح بخروج «محمود» من المنزل حتى يذهب إلى المدرسة.

وتابع: «أحرص على تغطية جسد ابنى بالكامل قبل إخراجه من المنزل، ويرتدى قناعًا سميكًا على الوجه لحمايته من أشعة الشمس، وقفازات ليديه، لكن ذلك لم يمنع سرطان الجلد من الوصول إليه، وبعد عام واحد، وهو فى سن الثامنة، اضطر للخضوع لعمليات جراحية لإزالة ٥ أورام سرطانية من وجهه، وبعد ٥ أشهر خضع لعمليات أخرى».

وأشار إلى أن الأسرة تحمل دائمًا فى كل مكان تذهب إليه مقياسًا لتحديد الأماكن الآمنة، التى لا يؤذى الضوء فيها الطفل، ولفت إلى أن ذهاب «محمود» إلى المدرسة أصابه بالمزيد من الألم، بسبب تنمر زملائه عليه، بسبب أعراض المرض التى تظهر على الجلد باستمرار.

وقال إن فصل الصيف يمثل حالة طوارئ بالنسبة للأسرة، لأن خروج «محمود» من البيت خلاله يعنى مجازفة كبيرة، متمنيًا أن يجد حلًا لهذه الرحلة المؤلمة «أذهب لأقسام الجلدية بالمستشفيات بشكل دورى».

جمال فرويز: عُزلتهم عن العالم الخارجى تصيبهم باضطرابات نفسية خطيرة

أكد الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أن تعرض المرضى للتنمر من الأشخاص المحيطين بهم، يجعل الأمر أكثر خطورة عليهم بحيث يفقدهم ثقتهم بأنفسهم؛ ويجعل معاناتهم نفسية وجسدية، بما يعوق قدرتهم على استكمال العلاج بشكل سليم. 

وأكمل أن ذوى المرضى عليهم دور كبير فى احتواء هذه الأزمة قبل أن تصل إلى الإصابة بالاكتئاب الحاد، من خلال دعم الطفل نفسيًا، وتشجيعه على الحديث عن أى مشكلة تواجهه بشكل صريح، وتهوين ما تعرض له من تنمر. 

وتابع: «جلوس الطفل المصاب وحده طوال الوقت، وعزلته عن العالم الخارجى قد تصيبه بالانطوائية والخوف من التعامل مع البشر، فضلًا عن الهلاوس البصرية التى تنتج عن ضعف بصره، لذا يجب إشغاله بالعديد من الأمور المنزلية، حتى يشعر بأهميته داخل الأسرة، مع دمجهم مجتمعيًا». 

وقال: «فى حالة عدم السيطرة على إصابة الطفل بأى اضطرابات نفسية ناتجة عن معاناته مع المرض، يجب إخضاعه على الفور إلى الجلسات النفسية، حتى إن اضطر الأمر إلى قدوم طبيب للمنزل، ومجالسته أطول فترة ممكنة، حتى يستطيع تجاوز ما يؤلمه».

أحمد عزيز: أسعار الكريمات المرطبة والأدوات الوقائية عائق كبير فى علاج ابنتى

«ميرنا» طفلة سنها ٧ سنوات، كانت لا تخرج من منزلها سوى مرة واحدة أسبوعيًا للذهاب إلى المدرسة، بسبب إصابتها بمرض «أطفال القمر»، لكن هذه المرة كانت كافية لتفاقم المرض، ما اضطر الأسرة لمنع خروجها نهائيًا والاكتفاء بتعليمها «أونلاين».

يقول أحمد عزيز، والد الطفلة، من محافظة الغربية، إنه اعتاد تطبيق مجموعة من الإجراءات لحماية ابنته من الشمس، لكنه يفعل ذلك وهو يتألم، لأنه يدرك أن ذلك يؤثر سلبًا على الحالة النفسية للطفلة، فهى لا تستطيع الخروج مع أشقائها الثلاثة للعب، لكنهم يحاولون اللعب معها فى المنزل.

وأضاف «عزيز»: «تكاليف حماية ابن مصاب بهذا المرض، عالية جدًا، فلا بد من توفير ملابس تقى الجسد من الأشعة فوق البنفسجية، وهذه الملابس تغسل بطرق خاصة ومنظفات معينة، فضلًا عن شراء كريمات الترطيب باهظة الثمن، إضافة إلى تكاليف جلسات العلاج والفحوصات الطبية».

وتابع: «نغلق نوافذ المنزل دائمًا، وأحذر أطفالى من دخول أى ضوء إلى البيت حفاظًا على روح الفتاة، ويأتى طبيب خاص إلى المنزل، ونضطر أحيانًا إلى إخراجها، ويكون ذلك فى الليل، ولا نعلم كيف سيكون مستقبلها التعليمى، فقط نريد أن تكون فى أمان».