رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصلحة البشر وسعادتهم وحريتهم فوق الأديان

ليس تشاؤمًا حينما أقرر أن تجديد الخطاب الدينى سيظل متعثرًا إلى أجل غير مسمى، لكننى واقعية أقرأ الأحداث والأحوال وأحلل العقليات السائدة التى من المفروض أن تقود هذا التجديد.
لماذا نحصر تجديد الخطاب الدينى، المتعثر منذ 2014، فى عقليات هى نفسها تحتاج إلى تجديد؟
إن تجديد الخطاب الدينى ليس رفاهية وليس كمالية من الكماليات الحضارية، إنه ضرورة للتقدم والعيش بسلام وفى مواطنة حرة كاملة، لماذا وكيف لا نأخذه بالجدية الكافية؟
إن حاضر ومستقبل الوطن ليس لعبة أو شيئًا نهزر فيه ونستهين بتحقيقه وتطبيقه، بدون تجديد الخطاب الدينى تستحيل الدولة المدنية الشاملة، إلى متى سنظل نردد هذا الكلام؟ ألا توجد فى البلد جهة تنفذ ما يكتبه الكاتبات والكتاب؟
هناك عدة نقاط يجب أن نقتنع بها ونحن نجدد الخطاب الدينى، بل هى الخطاب الدينى بعينه.
أولًا: الفارق بين الإيمان والدين
الإيمان هو "طاقة" روحانية، عاطفية، تلزم الإنسان بأن يعمل من أجل العدالة والحرية والجمال لجميع البشر، الإيمان هو حوار متواصل، متناغم بيننا وبين الطبيعة الأم، الإيمان هو صوت الفطرة السليمة التى تحن لالتقاء القطرة بالبحر.
الإيمان، أن نشعر بأن الكون يحزن لأحزاننا، ويفرح لأفراحنا، هذا الإيمان سابق على نشوء الأديان وأنظمة الحكم السياسية والفوارق المصطنعة بين البشر.
الإيمان، إذن- كما أراه- بناء عقائدى يبنيه الإنسان داخل قلبه لا يمده إلى الآخرين، وإذا حاول ذلك يتحول إلى "دين"، والإيمان بمعنى الطاقة الروحية الخيرة المتصالحة مع النفس ومع الكون، يمكن أن يكون الفن مصدرها وليس أى عقيدة دينية.
وربما يكون صحيحًا القول بأن كل دين بداخله إيمان، ولكن ليس كل إيمان بداخله دين، "الدين" هو "أيديولوجية سياسية" تخدم وتسعى إلى تحقيق توجهات سياسية محددة، وبالتالى هو فى حاجة إلى "وسطاء" يسهلون ويرسخون هذه المهمة.
ثانيًا: إلغاء فوضى الفتاوى وتناقض التفسيرات الدينية
إن الدين الواحد له "تفسيرات" كثيرة، متنوعة، كثرة وتنوع "الوسطاء" الذين يديرون العلاقة بيننا وبين الله، والنتيجة الطبيعية المنطقية المتكررة هى "اللخبطة" و"التناقض".. فأى التفسيرات نتبع؟ كما أن الدين الواحد ينقسم إلى مذاهب، والمذاهب تنقسم إلى طوائف وكل فرع منها له المؤيد والمعارض، فإلى أى اتجاه نسلك؟ هذا يزيد من اللخبطة والتناقض.
فى الدين الإسلامى مثلًا فإن المسئولية شخصية أمام الله، ومع ذلك يجد الوسطاء سوقًا رائجة للتفسيرات والتفقهات المتضاربة والفتاوى والأحكام والمرجعيات، إن خطاب الدم النازف كل يوم هو نتيجة التفسيرات والفتاوى والأحكام والمرجعيات الأكثر تخلفًا وظلامية وذكورية وتطرفًا وتشددًا وعنفًا وتزمتًا وجمودًا.
ثالثًا: لماذا فشل الخطاب الدينى فى تحسين الأخلاق؟
إن القيم الأخلاقية النبيلة مثل الصدق والأمانة والعدل والشهامة والنزاهة والتواضع والتسامح، وغيرها، تفقد معناها النبيل ومقصدها الفاضل إذا سلكها الإنسان خوفًا من العقاب الإلهى وليس حبًا فيها لحد ذاتها، فى بلادنا ما أكثر البرامج الدينية التى تشدد على الوازع الدينى.
ومع ذلك نحن نعانى من انحدار أخلاقى فى كل المجالات، لماذا فشل الخطاب الإسلامى اليومى المتكرر منذ سنوات طويلة فى منع الانحدار الأخلاقى؟ وهناك الملايين فى العالم الذين "لا دين لهم" سماويًا أو أرضيًا لكنهم يتحلون بمكارم الأخلاق.
لديهم "وازع" من ضميرهم الإنسانى وحريتهم الشخصية التى اختارت الفضيلة.
رابعًا: كيف تكون العلاقة بين الدين والحياة والإنسان؟ 
قبل تجديد الخطاب الدينى لا بّد أن نسأل هل الدين "غاية" نسعى إليها فى حد ذاتها أم "وسيلة" لخدمة راحة وسعادة الإنسان وارتقاء الحياة؟ هل نتأقلم نحن البشر مع الدين أم يتأقلم الدين مع مصلحة البشر؟
هل تكيف الدين مع تغيرات الحياة والبشر أمر منبوذ ضد الدين؟
يقال إن هناك حدودًا لهذا التكيف؟ ولكن منْ يحددها؟ ومنْ يحكم عليها؟ هذا فى حد ذاته يرسخ الوصاية الدينية والكهنوت غير الموجود فى الدين الإسلامى السائد فى مصر.

من بستان قصائدى 
 أحببت رجلًا مخالفًا لديانتى
  الموروثة منذ مئات السنوات
  المدونة منذ لحظة ولادتى
  على رموش عيونى
  ملتصقة بخصلات شَعرى
  مختومة على جلدى
  صبغت لون بشرتى
  قالوا هذا الحب
  فى الشرع مُحرم
 أردت أن أتبنى طفلة
  تنام على الأرصفة 
  شبه جثة عارية
  تأكل القمامة وبقايا الأرغفة
  قالوا هذا التبنى
  فى الشرع مُحرم
  أردت أن أحمل اسم أمى
  أنتسب إلى منْ حررتنى وكرمتنى
  اعترافًا ضئيلًا بأمومة لا تتكرر
  قالوا هذا النسب فى الشرع مُحرم
  رأونى دون حجاب أو نقاب
  أو عباءة أو إسدال
  ألقوا فى وجهى تفاسير الفقهاء
  وإجماع كبار جمهور العلماء
  قالوا هذا فجور فى الشرع مُحرم
  كل ما أريده فى الشرع مُحرم
  كل ما أشتهيه فى الشرع مُحرم
 كل ما أتمناه فى الشرع مُحرم
 قررت فض الاشتباك
 بينى وبين مُحرمات الشرع
 فى الديانة الموروثة
 قالوا مرتدة.. اقتلوها
 هذا فى الشرع غير مُحرم.