رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتعة عند العرب

من فترة طويلة أهدانى صديق كتاب «رجوع الشيخ إلى صباه فى القوة على الباه» وقتها كنت مشغولًا بقراءات وأشياء أخرى، وضعته فى مكان سرى وأجلت قراءته ونسيته عشرين عامًا، وعثرت عليه من فترة قصيرة، وبدأت فى قراءته.
وقد برع العرب فى تأليف الكتب حول ذلك المغزى فى عصر الكتابة والأوراق، حتى بات هناك كتب تعد من التراثيات فى المكتبة العربية، تتوارثها الأجيال وتقرأ فيها تجارب السالفين فى مجال العشق والعلاقات الجنسية، التى تصل لحد الأوصاف الكاملة ومن أشهر ما جادت به المكتبة العربية فى كتب التراث الجنسى عند العرب بالعصور المتعاقبة، نسرد بعضًا منها.
الحقيقة أن التراث العربى ممتلئ بالكثير والكثير من الكتب المتخصصة فى الحديث عن العلاقة الحميمة، منها: «نواضر الأيك، الروض العاطر، رشف الزلال، ديوان أبى حكيمة، نزهة الألباب فيما لا يوجد فى كتاب»، وغيرها من الكتب المتخصصة فى الحديث فقط عن فنون المعاشرة الجنسية وأصناف الرجال وأصناف النساء، والمحبب من ذلك وتلك، وتفاصيل الأعضاء الجنسية، وأحيانًا الحديث عن وصفات أو مركبات أو مقويات، هذا فضلًا عن الحكايات المتناثرة عن وقائع عديدة نجدها فى كتاب «الأغانى» وفى «حكايات ألف ليلة وليلة» وغيرها.
ومن تلك أيضًا الكتاب الذى بين أيدينا «رجوع الشيخ إلى صباه» للمؤلف أحمد بن ياسين، يعتبر من أهم كتب التراث العربى التى تتناول الجنس والمتعة، ويشرح أسرار الرجال والنساء وما يقويهم جنسيًا من تغذية وتمارين، المؤلف يصف نفسه فى الكتاب بأنه «عالم الدهر وواحد العصر، حجة المناظرين وبهجة الناظرين من له التكلم فى كل فن».
يشتمل الكتاب على ثلاثين بابًا تتعلق بأسرار الرجال وما يقويهم على النكاح من الأدوية والأغذية، وينقسم الكتاب إلى جزأين، جزء يحتوى على اثنى عشر بابًا تتعلق بأسرار الرجال وما يقويها على الباه من الأدوية والأغذية والخواص وما يشبه ذلك. والثانى يشتمل على ثلاثين بابًا، وهو يشبه إلى حد كبير ما ينشر فى أفلام وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى حاليًا.
والجزء الثانى يشتمل على عدة أبواب تتعلق بأسرار النساء وما يناسبهن من الزينة والخضابات وما يخضب به البدن وما يسمنه وما يطول الشعر ويسوده وما الذى يستجلبن به مودات الرجال، والحكايات التى نقلت عنهن فى أمر الباه مما يحرك شهوة السامع لها، وما قيل فيهن من زيادة الشهوة وقلتها وما نقل عنهن من رقة الألفاظ عند الجماع مما يزيد فى اللذة ويقوى الشهوة. 
وكتاب «رجوع الشيخ إلى صباه» ربما يصلح أن يكون واحدًا من المثيرات الجنسية الشديدة التأثير على القارئ، ولذلك فربما يصدق القول إن هذا النوع من العمل الأدبى المجرد استخدم قبل خمسة قرون ليعطى مفعول المنشطات الجنسية التى يكتبها الأطباء فى تذاكرهم للمرضى فى زماننا الحاضر، هذا فى حال تمّ تشخيص أحد أسباب الضعف بالحالات النفسية، أما إذا تم تشخيص أسباب الضعف باعتباره مرضًا عضويًا، فهذا الكتاب كان يقدم الوصفات الخاصة من الأدوية والأعشاب والخلطات الطبيعية وغير الطبيعية من أجل إمتاع الرجال فقط وتقوية رغبتهم وزيادة شهواتهم واستعادة قدراتهم التى انهكتها السنين والهموم والأمراض، وتأهيلهم لإشباع تلك الرغبات.
أغلب تلك الوصفات عبارة عن أعشاب نباتية تنمو فى الصحراء والمناطق الجافة، ومعجنات مخلوطة يدهون حيوانات، ووصفات غذائية شديدة القيمة الغذائية، وبعض تلك الوصفات يتعذر على الإنسان العادى الحصول عليها مثل خصيات النمور والسباع والأعضاء الجنسية للتماسيح، وأكل طيور الحبارى أو مهج الصقور.
ولكن الكتاب لا ينسى البسطاء والفقراء بوصفات يمكن لهم الحصول عليها ببساطة فيوصى لهم بأنواع سهلة التداول بين الناس.. الكتاب يهدف أيضًا لتحسين النسل وإنجاب أبناء متميزين. 
ولكن يوجد جانب آخر من العلاج لتحسين نفسية القارئ، واختبار استعداده لتقبل الإثارة الجنسية عن طريق بعض القصص الجنسية، أو ما يعرف فى عصرنا توظيف الأدب من الرواية والشعر والقصة، فى تأهيل القارئ لتقبل حدوث الرغبة بمحاكاة ما يقرأه فى خياله، وتحقيق أقصى قدر من اللذة والشهوة والمتعة والإثارة.. فى محاولة منه أيضًا لتقليد الواقع الشهوانى بأكبر قدر من الشفافية أو رسم عالم خيالى من الرغبات والشهوات يعيش فيها القارئ.
البطل شخص عادى من بيئة القارئ ملتزم بالقيم والأعراف والتقاليد والممنوعات، ومع ذلك يلقى المؤلف تلك الممنوعات والتقاليد جانبًا ويستخدم ألفاظًا قد تبدو بذيئة وفجة، ولكنها لازمة وضرورية لإحداث تأثير الصدمة الجنسية على القارئ العادى الملتزم، ويترك بطله فى حالة استمتاع وتفاعل حقيقى وواقعى بما يقرأه ويتخيله، وربما يستعيد قدرته التى فقدها بالملل.
فهو يحكى عن قدرات خارقة لرجال سود نهمين للجنس تعشقهم الأميرات الناعمات الشرهات فى القصور الباذخة، أو جنيات يعشقن فحولًا من البشر، ونساء لديهن رغبات هائلة لا يرتوين. فإنه يبتكر القصة.. تلك الوقائع التى يمكن أن تحدث وتصادف أى إنسان، مهما كان بسيطًا.
وهو ما يشبه إلى حد كبير ما ينتجه بعض شركات الأفلام الإباحية، التى أصبحت متاحة مجانًا على وسائل التوصل الاجتماعى، من قدرات خارقة لرجال يتمتعون بأحجام قياسية فى أعضائهم، ونساء فى منتهى الرقة والنعومة، ومواصفات قياسية للجمال الأنثوى، تم اختيارها بعناية، مما يخلق أنواعًا من متعة المشاهدة وتحقيق أقصى قدر من المشاهدة بين النساء والرجال. 
الكتاب ملىء بحكايات القصور الفخمة وأمراء وحكام لا هم لهم سوى إشباع رغباتهم النهمة للجنس، تروى بأسلوب الحكاية المشوقة، جنبًا إلى جنب مع قصص الغلمان والجوارى وأبناء الحارات وعمال المخابز وغيرهم.. ولذلك فالراوى يحاول أن يمثل طبقات المجتمع فى كتابه.
ربما استقى المؤلف بعض قصصه من تراث الهندى الكوماسترا والصينى القديم خصوصًا فى وصفاته الطبية. إلا أنه يكشف عن نوع عبقرية مؤلفه، وقدرته على إثارة الغرائز وتحريك الشهوات.
ولذلك يمكن اعتبار أن مثل هذا الكتاب كان فى وقته مجرد مثال لنوع من الأدب، لكنه عبر الزمان ربما تحول لعلاج أو ربما أصبح مصدرًا مهمًا للتثقيف الجنسى، خاصة بعد أصبح هذا النوع من الثقافة محجوبًا عن المواطنين العرب.