رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أغلق السماعة فى وجه أحدهم وقال للآخر: إنت قليل الأدب».. حكايات نجيب محفوظ مع النقاد

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

كان الأديب الكبير نجيب محفوظ حريصًا على ألا يسىء لأحد حتى لو أساء إليه الآخرون، وهناك العديد من المواقف التي كان يمكن أن تصنع خصومة كبيرة بينه وبين النقاد، لكنه تجاوز عنها بالرغم من أن بعضها كان مسيئًا وجارحًا وليس بنقد من الأساس.

يحكي الكاتب الصحفي والباحث إبراهيم عبدالعزيز، في كتابه "ليالي نجيب محفوظ في شيبرد"، أن الناقد الأدبى صبرى حافظ حين تورط فى مهاجمة نجيب محفوظ فى مجلة "الأقلام" العراقية، ثم حينما حصل على جائزة نوبل، اتصل به تليفونيا لتهنئته، فقال له: تشتمنى ثم تهنئنى؟! وأغلق السماعة فى وجهه.. يعترف محفوظ للناقد عبدالرحمن أبوعوف: "صممت ألا تسوء علاقتى بينى وبين ناقد ما لأنى اعتبرت أن الناقد يقوم بواجب، وأن الدخول معه فى معركة يصده أو يصعب مهمته، حتى إنى لم أغضب طول عمرى من أحد إلا من واحد، وأنت تعرفه، تهجم علىّ هجوما شخصيا جارحاً، فاعتبرته سبًا- أعذرنى- إذا زعلت منه".. ولكنه سامحه حينما جاءه فى صالونه يستأذنه فى الدخول فأذن له وكأن شيئا لم يكن. 

وفيما عدا تلك الواقعة كان محفوظ يواجه مهاجميه إذا تجاوزوا فى حقه- إذا أتيحت له الفرصة لمواجهتهم- ولكنه أبدا لا يرد على أحد، ليس تعاليا ولكن رغبة فى ألا يضيع وقته الذى قسمه بين الوظيفة التى تضمن له دخلا ثابتا يؤمنه غوائل الحياة، وبين الإبداع الذى كرس نفسه له كمشروع تراكم حتى وصل به إلى العالمية. 

من المرات القليلة أيضا التى واجه فيها محفوظ نقاده ما يحكيه أحد الحرافيش، وهو المهندس محمد الكفراوى: أيام اتفاقية كامب ديفيد أصدر الناقد محمد عطية كتابا وضع على غلافه العلم الأمريكى وقال فيه ما معناه إن الذين أيدوا السلام هم عملاء لأمريكا، وكان نجيب محفوظ- كما هو معروف- ممن أيدوا معاهدة السلام، ولأول مرة رأيت الأستاذ ينفعل وينتفض ويقول له عندما رآه فى صالونه: ناقشنى قبل أن تشتمنى، فقال الناقد: العفو يا أستاذ، لم أكن أقصد وهدأت الأمور. 

أما الأديب سليمان فياض فيتذكر أنه كتب مقالا عن "حضرة المحترم" فى صحيفة أدبية اسمها "كتب جديدة" أصدرها عبده جبير، وقال عن الرواية رأيا لا يسر، مفاده أن محفوظ يسلى نفسه أحيانا لمجرد الكتابة وينفخ روحا فى قصة قصيرة لتكون رواية، ولسوء الحظ حضر رئيس التحرير وأعطى نسخة من صحيفته لمحفوظ فى حضور صاحب المقال فقرأه.. يقول سليمان فياض: "وفوجئت بنجيب يلتفت إلىّ قائلا وهو يطوى الصحيفة تحت مرفقه على المنضدة:

- دا نقد؟ إنت قليل الأدب. 

ابتسمت وقلت: 

- مقبولة منك يا عم نجيب. 

ولزمت الصمت، وطلب نجيب لى قهوة، ثم دعانى لأجلس بمقابله، وقال لى: 

- إنس ما قلت.

قلت بدهشة:

- وأنت؟

فقال لى: 

- نسيت الأمر كله". 

مرات قليلة جدا التى انفعل فيها أديب نوبل دفاعا عن نفسه أو عمل من أعماله، اعتقاداً منه أن العمل فى حد ذاته كفيل بالدفاع عن نفسه. 

يقول للناقد سامى خشبة: "اعتقادى أن العمل الذى لا يستطيع أن يدافع عن نفسه أفضل له أن يموت.. بل أفضل للإنسانية كلها، لقد تركت الأعمال تثبت نفسها وتتعمق فى وجدان الناس، إذا كانت تستحق أن تعيش، أما إذا لم تستطع فماذا أفعل لها؟ ستكون قد أسعدتني مدة، ثم مع السلامة". 

ما يهمه هو أن يقرأه الناس، أما بعد ذلك.. فلا يهم، يتذكر سليمان فياض: "قال لنا نجيب مرة، على رصيف مقهى ريش، إنه لا يبالى أن تلف فى أوراق قصصه أقراص الطعمية، ما دامت هذه القصص قد قرأها الناس".