رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا أحد يستطيع خداع المصريين

ارم حجراً في بحيرة.. لن يكون تأثيره مرئياً فقط، بل سيدوم فترة، يعكر خلالها صفو المياه الراكدة، ويشكل دائرة إثر دائرة، وسرعان ما تتوسع المويجات التي أحدثها سقوط الحجر، ولن تتوقف تلك الدوائر أو تتلاشى، إلا عندما تبلغ حافة الشاطئ.. ثم أمسك بقطعة من حجر بين أصابعك، والقفها في مياه نهر دافق.. ستظهر مويجة على سطحه، ويتناثر رذاذ الماء، وسرعان ما يكبحها النهر المتدفق، إذ سيعتبرها مجرد حركة أخرى من فوران مجراه الصاخب.. لا شىء غير عادي بالنسبة له، ولا شىء لا يمكنه السيطرة عليه.. وهنا اسأل نفسك السؤال المهم: هل مصر بحيرة راكدة، أم نهر دافق لا يعيق جريانه بعض أحجار أُلقيت في مجراه؟.
ما أكثر الأحجار التي ألقيت على نهر مصر، وما أكثر محاولات تعكير صفو مائها.. ولكنه أبى إلا أن يكون النهر الشامخ الذي لا يعيق جريانه سفاسف أو تحديات.. واسألوا التاريخ، كم بغت على مصر دول وجماعات، وإرهاب ومؤامرات، لم يتبق منها إلا زبد طفى على السطح، وجرفه التيار إلى مزبلة التاريخ.
لذلك.. لا ألتفت كثيراً، ولا أجهد عقلي في التفكير، عندما يتخبط البعض في خطواته، وتكاد الحياة أن تُوقع به، فلا يجد إلا هذه المحروسة، متجنياً عليها، متقولاً بكل رذيلة، لأن الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.. كيف لا؟، وقد تعهد الله بأمنها وحفظ أهلها، وكتب على نفسه أن تكون أرضاً للخير والنماء، وخزينة للأرض.. يقول الحق تبارك وتعالي: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ سورة يوسف ـ الآية 99.. وقال سبحانه: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ..﴾ سورة البقرة ـ الآية 44.. ويقول تعالى، إخباراً عن ملك مصر، حين تحققت براءة يوسف، عليه السلام، ونزاهة عرضه مما نسب إليه، قال له الملك: ﴿قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾، فرد يوسف، عليه السلام، ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ سورة يوسف ـ الآية 55.. وهنا، يورد القرطبي في تفسيره لهذه الآية، أن سعيد بن منصور قال: سمعت مالك بن أنس يقول: مصر خزانة الأرض.
وددت أن أبدأ هكذا، تطميناً لكل من خاف على غده، لأنه الغد مكفول من الله، موكول منه ـ سبحانه ـ عند من يحفظ الأمانة، العليم بمكنونها، وأهدافها ومراميها، وهو مسئول أمام الله عن ذلك.. واذكروا كيف بدا العالم يوم بدأت جائحة كورونا، وكيف اهتز العالم تحت وطأتها، بينما بقيت مصر صلبة قوية، قادرة على اجتياز المحنة، لتحولها إلى منحة، حققت خلالها معدلات تنمية إيجابية، بينما ذهبت العديد من الدول، ومنها كبريات في عالمها، إلى معدلات سلبية، أرهقت خزائنها، ووقع مواطنوها صرعى للوباء الذي حصد ملايين الأرواح.. وظلت مصر على عهدها في استكمال مشروعاتها القومية، التي جعلت المواطن، وسيلتها وهدفها، في آنٍ.. لتكتمل مآسي العالم بحرب روسيا وأوكرانيا، التي بددت الأمن في ربوع أوروبا، وأرهقت اقتصاد أعتى دولة في العالم، الولايات المتحدة، وبلغت معدلات التضخم في هذه البلدان، حدوداً لم تشهدها منذ عشرات السنين، بينما كنا هنا، في مصر، تحت أمان الله، وحكمة قيادة سياسية، ورشادة حكومة، ارتأت أن مخزوننا الاستراتيجي من السلع الأساسية لا بد أن لا يقل عن سبعة شهور.. فكيف يقابل المواطن هذا بالجحود والنكران؟.. أبداً، لم ولن يفعل، لأنه يرى نفسه في عيون قيادته، آمناً مطمئناً إلى أن هناك، بعد الله، من يرعاه، ويقوم على حاجاته.. وانظروا كيف ضرب الجفاف غير المسبوق القارة الأوروبية بأكملها هذا الصيف، بينما أفاء الله علينا بفيض من فضله، وأرسل لنا ماء النيل فيضاً منهمراً هذا العام.
وقف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مخاطباً شعبه: (قد يرى البعض أن مصيرنا هو إدارة الأزمات أو حالات الطوارئ.. وأعتقد أننا نعيش في نقطة تحول أو اضطراب كبير، لأننا نعيش من خلال ما يمكن أن يبدو وكأنه (نهاية الوفرة).. إن البلاد ومواطنيها يجب أن يكونوا مستعدين لتقديم (التضحيات) لمواجهة التحديات التي يواجهونها والتغلب عليها.. هذه النظرة العامة التي أقدمها ـ نهاية الوفرة، نهاية الغفلة، نهاية الافتراضات ـ إنها في النهاية نقطة تحول نمر بها، يمكن أن تؤدي بمواطنينا إلى الشعور بالكثير من القلق).. بينما نحن هنا، في مصر، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، (الأزمة غير مسبوقة، ولها تداعيات حادة على العالم كله، ولكن أطمئنكم، إحنا بخير، واحتياجاتنا موجودة مش ليوم أو شهر ولكن أكثر.. يا ترى حد من أهلنا دخل مكان يجيب طلب ولقاه مش موجود؟، وإذا تحدث البعض عن زيادة الأسعار، فنحن نقر بذلك، والدولة تحاول وتتدخل لضبط الأمور واستعادة العافية.. الأزمة كبيرة جداً، وتداعياتها ستكون على عشرات ومئات الدول، ومصر من بين الدول المتأثرة، ولكن يتم اتخاذ كل الجهود لتخفيف هذه المعاناة.. كلفت الحكومة بتوفير كل مستلزمات الصناعة والإنتاج، ودائماً لا أقول للمواطنين أن يتوقفوا عن شراء سلعة معينة أو تحديد قدر معين، مثل دول أوروبية كبيرة تُقصر حصول الفرد على زجاجة زيت واحدة مثلاً، ولكن للمواطن هنا، مطلق الحرية في الشراء.. السلع متوفرة، ولكن من الممكن أن يتضخم سعرها نوعاً ما، ونحاول عدم تأثر غير القادرين بزيادة الأسعار).
لا أحد يستطيع خداع المصريين، خصوصاً من يقفون وراء مخططات نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في البلاد، لأن هؤلاء المصريين على وعي بمخاطر ما يحاك لبلادهم، ويحتاجون إلى مزيد من الوعي بما تقوم به الدولة، الذي هو رهان القيادة السياسية، لأن حملات التشكيك مستمرة ضد مصر، رغم ما تقوم به من إنجازات على كافة المستويات.. وقد شدد  الرئيس، غير مرة، على أن وعي المواطنين هو السلاح الأقوى لمواجهة الأفكار الهدامة وحملات التشكيك، وأن الأمن والاستقرار هما شرطان أساسيان لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستمرار في الإصلاح.. وأكد (أهمية عدم الانسياق وراء التشكيك المتعمد المغرض من بعض الأطراف، التي تسعى دائماً لتشويه الجهود التنموية الضخمة المبذولة على مستوى الجمهورية).
لم تكن مصر في يوم من الأيام دولة غنية في مواردها الاقتصادية فقط، ولكن ثراء مصر الحقيقي كان دائماً في قدراتها البشرية المتميزة.. ومن هنا كانت أسرار التفوق المصري في العلوم والفنون والآداب والإنتاج والتخطيط والقدرة علي مواجهة تحديات العصر.. هناك ثلاثية يقوم عليها بناء عقل الإنسان طوال تاريخه، هي: الدين والتاريخ والفن.. وحين تسقط منظومة الدين الصحيح في وسطيته، تغزو مواكب التدين المشوه والمريض عقول الناس، فتكون أمراض التعصب والتشدد والتطرف، وكل هذه المنظومة التي تشجعها الظروف الاجتماعية من الفقر والجهل والتخلف.. وحين تسقط منظومة التاريخ، تتسرب إلي عقول الشعوب أمراض كثيرة، تتأكد مع غياب الذاكرة وسقوط منظومة القيم واختلال مفاهيم الانتماء، وتشويه صورة الوطن وحقوق المواطنة.. وحين تسوء أحوال الفنون يتصحر وجدان الشعوب وتتراجع المساحات الخضراء فيها، ويخبو صوت الضمير، فلا نفرق بين نهر يجري ومستنقع نعيش فيه، ولاشك أن هذه الثلاثية فى مصر قد أصابتها إنتكاسة طويلة.
من هنا.. لا بد أن ندرك عظم المسئولية المُلقاة على عاتق قيادتنا السياسية، التي تجاهد من أجل أن تعود مصر إلى مسارها الصحيح، تسترد عافيتها، وتعود إلى قيمها.. ينعم فيها المواطن بأمنه وأمانه، وسط تحديات تأتي من الداخل والخارج، لا تريد لهذا البلد أن يسير في طريقه الذي بدأه، حتى تكون مصر بحق، دولة عصرية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.آمين   [email protected]