رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تتغير الأخلاق فى بلدنا

حسن الخلق هو أساس استقرار المجتمعات، والتحلى بالأخلاق الحميدة يؤدى إلى انتشار المودة بين الأفراد وانتشار الخير ونبذ الشر والكراهية بين الأفراد فى أى مجتمع ينشد الاستقرار والتقدم، والأخلاق الكريمة حث عليها جميع الأديان، وعظم منها الإسلام وجعلها عبادة نؤجر عليها، وانهيار الأخلاق فى أى مجتمع يؤدى إلى انهياره وتدميره، وإذا ما أردنا أن نقيّم شخصًا ما على أسس سليمة فإن أخلاقه الحسنة هى التى تميزه أولًا، كما يميزه التعامل الطيب مع الآخرين.

وللأخلاق أهميتها فى تقديرى فى استقرار مجتمعنا، لأنها الدليل الحى على ما فى نفس الإنسان من خير وصلاح، وهى تنعكس فى سلوكه وفى ممارسات يومه وفى تعاملاته مع جميع الناس، وهى دليل على أن معدنه طيب، ومن هنا جاءت أهمية نشرها كأسلوب تعامل فى مجتمعنا، هذا إذا ما كنا جادين فى التقدم ببلدنا على أسس سليمة، وإذا ما أردنا أن نؤسس الجمهورية الجديدة على أسس سليمة.

وإذا انتشرت الأخلاق فى مجتمع ما فإن هذا معناه انتشار الخير والأمن والأمان وقلة الشر فى المجتمع، أما إذا انتشر الشر فى المجتمع فإن الكراهية تنتشر وتسود البغضاء والعداوة بين أفراد المجتمع، كما أنها تسبب الشقاء فى حياة الأفراد والمجتمعات واعتداء الناس على بعضهم البعض وعلى أموال بعضهم البعض، ومن هنا يبدأ تفشى العنف والانحراف والنوازع البغيضة والممارسات الإجرامية.

وإذا ما عدنا إلى التاريخ فسنجده يخبرنا بأن سقوط كثير من الأمم والحضارات كان بسبب انهيار الأخلاق فيها، كما قرر ذلك مؤسس علم الاجتماع الحديث المفكر العربى الشهير ابن خلدون، الذى ولد فى عام ١٣٣٢، ومن بين أقواله الشهيرة عن الأخلاق وأهميتها فى بقاء المجتمعات: «إن السياسة المدنية هى تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه».

ويقول عنها أمير الشعراء أحمد شوقى: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، وعندما سئل مؤخرًا أحد وزراء اليابان: ما سر تقدم اليابان هذا التقدم؟ قال الوزير: «إن السر يرجع إلى تربيتنا الأخلاقية».

وفى مذكراتها سألت أنديرا غاندى، المرأة الوحيدة التى تولت منصب رئيس وزراء الهند ٣ فترات متتالية بدءًا من ١٩٦٦، وأصبحت الهند بفضل سياساتها دولة قوية - والدها جواهر نهرو، الذى كان أول رئيس لوزراء الهند بعد الاستقلال فى ١٩٤٧ وأحد مؤسسى حركة عدم الانحياز العالمية فى ١٩٦١: ماذا يحدث فى الحرب؟ رد والدها عليها: ينهار الاقتصاد، قالت: وماذا يحدث بعد انهيار الاقتصاد؟ أجابها والدها: تنهار الأخلاق، قالت: وماذا يحدث أيضًا لو انهارت الأخلاق؟ رد عليها بمنتهى الحكمة: وما الذى يبقيك فى بلد انهارت أخلاقه؟ ثم قال: يستطيع الإنسان أن يتعايش فى أى مجتمع فيه بعض النقص الغذائى والاقتصادى أو الترفيهى، إلا انعدام الأخلاق، والسبب: يسود اللئام والسفلة وتذهب الأعراف والقوانين والخير، ويتحول كل شىء إلى غابة، وبهذا تنعدم سبل الحياة وتصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة.

إن هذه الحكم والأقوال الشهيرة عن الأخلاق التى أخبرنا بها التاريخ ورسائل الأديان السماوية وتعظيمها للأخلاق الحميدة.. كلها تدعونى لدق ناقوس إنذار بسبب ما نراه فى السنوات الأخيرة وفى الفترة الأخيرة تحديدًا من ممارسات عنيفة ونوعية من الجرائم التى حدثت فى بلدنا، والتى لا بد من أن يتصدى لها المجتمع ككل، وأن يتم تشديد القوانين فى مواجهتها وتنفيذ العدالة الناجزة ونشر الأحكام الرادعة فى مختلف وسائل الإعلام، بحيث يعرفها جميع المواطنين وبحيث يصبح الحكم رادعًا ومعلنًا بتوسع، وبما يضمن عدم تكرارها.

ولا بد من الدعوة إلى صحوة أخلاقية وتعظيم الأخلاق واعتبارها ضرورة مطلوب استعادتها فى مجتمعنا، ولا بد من تكاتف الإعلام وبكل قوة للتصدى للممارسات العنيفة وإدانتها، خاصة أنها ارتكبت ضد نساء وشابات وفى الشارع، ولا بد من إدانة مجتمعية واضحة لمرتكبيها فى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، ونبذ كل من يدافعون عن مرتكبيها أو يوجِدون لهم مبررًا واهيًا، لأنهم يكونون دائمًا من خلفية متشددة أو متطرفة، أو من هواة نشر الفوضى والكراهية بين أفراد الشعب المصرى، وأن الإساءات التى نراها فى بعض وسائل التواصل الاجتماعى للسيدات أو الفتيات أو نشر فيديوهات مفبركة لابتزاز البنات البريئات أو السيدات لهى جرائم غير أخلاقية تؤكد وجود فوضى أخلاقية أو خلل فى الأخلاق يتطلب وقفة مجتمعية لإدانتها وتوقيع أقصى الجزاءات على مرتكبيها. 

وفى تقديرى، فإن انتشار الشر والممارسات العنيفة والأذى والعبارات البذيئة والأفلام والدراما التى يتسيد فيها العنف المفرط والتى تتسيد فيها الفوضى، هى أمور كلها من الضرورى أن تكون مرفوضة وملفوظة فى مجتمعنا ولا بد من التصدى لها، ليس فقط بالقبض على مرتكبيها وإنما بإدراك رجال ونساء الإعلام المسئولية الملقاة على عاتقهم بالتصدى لهذه الممارسات البغيضة، وعلى الدولة دور مهم فى تفعيل القوانين والعدالة الناجزة ونشر مفهوم الأخلاق الحميدة والتعاملات الطيبة بين أفراد الشعب، وإعلاء قيمة الأخلاق بحيث تصبح سمة مميزة لشعبنا العريق الذى بدأت معه الحضارة الإنسانية، وبحيث يكون الشارع المصرى آمنًا، وبحيث نضمن الأمان والاستقرار لبلدنا ونشر الأخلاق لا بد فى تقديرى من أن يكون من أهداف وعناصر بناء الجمهورية الجديدة لمصر الحديثة المستنيرة المستقرة والمتقدمة على أسس سليمة.

وأرى أنه من الضرورى أن تبدأ الدولة فى نشر مفهوم الأخلاق الحميدة وبث القيم الأخلاقية منذ اليوم وبشكل عاجل ودون تباطؤ بدءًا من البيت ثم المدرسة ودور العلم والجامعات والأندية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى.

إن نشر الأخلاق الحميدة هو صمام الأمان الوحيد القادر على حفظ الأمان والاستقرار لمجتمعنا، ونحن نتجه إلى إعلان الجمهورية الجديدة وتحقيق حياة كريمة للمواطنين والمواطنات على السواء فيها.