رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الماس الكهرباء للخط الهمايونى لحريق الكنائس

منذ 166 عامًا، وبالتحديد في فبراير 1856م، أصدر السلطان العثماني عبدالمجيد الأول، مرسومًا عثمانيًا عرف تاريخيًا بـ"الخط الهمايونى"، الغرض منه تنظيم بناء دور العبادة في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية، يطبق على كل الملل والأديان غير الإسلامية، وصف الكثيرون هذا المرسوم بسبب معاناة الأقباط في ممارسة شعائرهم الدينية.

ورغم زوال الدولة العثمانية بكل سلاطينها منذ أكثر من 100 عام، فإن الأنظمة المصرية السابقة حافظت على استقامة وقوة ذلك الخط في التعامل مع الشأن القبطي الخاص ببناء الكنائس واحتياجاتها من الصيانة والترميم.

وكأنها تصاريحُ لبناء مفاعل نووي شديد الخطورة! عندما يتطلب الأمر ترميم جدار متهالك في كنيسة، إصلاح ماسورة مكسورة تصدّع الحوائط بتشبع الماء، إعادة تثبيت منارة تُنذر بالسقوط، أو حتى تغيير جلدة صنبور تالف، تستوجب موافقةً موثقة ومختومة من رئيس الجمهورية شخصيًّا. فتصوروا حجم العسر في بناء كنيسة جديدة مرخصة! ضرب من المستحيل، كل ذلك كان يتم عبر أنظمة الحكم المصرية السابقة.

ومع الزيادة الكبيرة والطاردة والجامحة لعدد السكان في مصر، الذي لم يسبق له مثيل عبر كل تاريخ الأمم، حيث زاد العدد منذ 1971 الي 2022 أي في50 عامًا من 35 مليونًا الي 103 ملايين، أي ما يوازي ثلاثة أضعاف العدد.

ولما تمثله الزيادة السكانية من متطلبات في زيادة المؤسسات الخدمية إن كانت مدنية أو دينية وأمام تضييق الخط الهمايوني علي بناء الكنائس، هنا اضطر الأقباط إلي استخدام بعض المنازل والأماكن لممارسة الشعائر الدينية، بالطبع المنزل بكل مكوناته الهندسية والكهروميكانيكية، لا يتناسب مع احتياج المبني فيما بعد تحويله إلي كنيسة، بسبب الضغط الشديد علي الكهرباء نتيجة عدد المكيفات والأعمال الأخرى، وهنا الاختلال في الموقف الذي حدث في كنيسة الشهيد أبو سيفين في إمبابة، فالكنيسة عبارة عن منزل مساحته لا يتعدى 120 مترًا والشوارع عبارة عن حارات 4 أمتار، والتوافد علي الكنيسة عشرات المئات أثناء تأدية الشعائر الدينية، ولمحاولة استيعاب الأعداد تم بناء أربعة أدوار، وبذلك أصبح عدد الأدوار والاحتياج إلي الخدمات أكبر من إمكانيات الكنيسة هندسيًا وكهروميكانيكيًا، وهنا لب المشكلة التي حدثت في الكنيسة التي من الوارد حدوثها في كنائس أخري، واتضح ذلك في محاولة وصول الحماية المدنية والمطافئ التي أعاقتها ضيق الشوارع المحيطة بالكنيسة، وكانت سببًا في التأخير علي حد تعبيرات المواطنين هناك.
والآن علي الدولة والكنيسة وضع استراتيجية لمعالجة تلك الإشكالية عبر تشكيل "لجان هندسية" لتجنب حدوث مزيد من تلك الأحداث في المستقبل، وهذا اتضح في مطلب قداسة البابا تواضروس عن ضرورة نقل كنيسة أبو سيفين إلي مكان يتسع لعدد أبناء المنطقة، واقترح أن يتم حصر عدد الكنائس التي لا تتطابق هندسيًا مع شروط الأمن والسلامة، ويدرس إعادة صيانتها كهروميكانيكيًا وعمل اللازم هندسيًا، أو نقلها في مكان آخر إن كانت الإصلاحات وأعمال الصيانة لا تتماشي مع الإنشاءات الهندسية للمكان.
النظام المصري الحالي اتخذ خطوات كبيرة وشجاعة لكسر هيمنة الخط الهمايوني، فى عام 2016، القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن بناء وترميم الكنائس بعد موافقة مجلس النواب عليه، وبموجبه وصل عدد الكنائس والمباني التى تم توفيق أوضاعها منذ بدء عمل اللجنة وحتى شهر أبريل الماضى إلى 1882 كنيسة ومبنى تابعًا مقسمة ما بين 1077 كنيسة و805 مبان.

وفي الجمهورية الجديدة لابد من طمس موروثات الماضي الأليم وتشعباته المتمثلة في ثقافة الخط الهمايوني الذي أصبح سلوكًا وثقافة تعاطٍ عند بعض الموظفين الصغار، فإسناد أمر بناء الكنائس وصيانتها للمحافظ ومتطلبات موافقة الجهات المعنية، هنا "لب المشكلة" فالجهات المعنية كلمة متشعبة ومطاطة وليس لها ملامح للتعاطي معها ومخاطباتها، فلابد من تحديد المسئوليات بدقة المسميات، فتلك الجهات تمثل عدة جهات، ووسط هؤلاء حتمًا سنجد البعض منهم يسيطر علي ثقافته الخط الهمايوني وبتقرير منه يستطيع وقف صيانة كهربائية لمبني أو إيقاف تغيير جلبة صنبور مياه أو تركيب باب حمام.