رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موقف إبراهيم المازنى من الأحزاب السياسية وكيف أثرت على طموحاته؟

إبراهيم المازني
إبراهيم المازني

إبراهيم المازني، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1899، وهو شاعر وكاتب ساخر.

عمل بالصحافة وقرض الشعر، واشتهر بصداقته مع محمود عباس العقاد.

ويصف الناقد الرحل فاروق عبدالقادر هذه الصداقة قائلًا: «نعم، كان العقاد قرينه الجسور، فالواضح من سيرة إبراهيم المازني وجهده الأدبي أنه لم يكن مقاتلًا، وأن أحداث حياته، عامة وخاصة، أدت به لأن يكون موقفه تجاه العالم أكثر لينا ومداورة.

ويضيف «عبدالقادر» عن إبراهيم المازني: «يبرر المازني موقفه من العالم بكلمات سليمان الحكيم في «نشيد الإنشاد» الذي وقع المازني في أسره، ومن أصدائه انتقي عناوين كتبه «حصاد الهشيم» 1925، و«قبض الريح» 1927، و«خيوط العنكبوت» 1935، ويشير هذا العنوان أيضًا لأن العنكبوت يفرز خيوطه من داخل ذاته لا من خارجها.

وقد وزع كل كلمات هذا النشيد الذي خلبه علي كل أقسام وفصول «إبراهيم الكاتب» المنشور عام 1932 حتي لم يكد يبقي منها علي شىء. دون أن تكون ثمة علاقة عضوية قائمة بالضرورة بين مضمون القسم أو الفصل والكلمات التي تسبقه (مثال: يبدأ القسم الأول بهذه الكلمات: «كل الأنهار تجري إلي البحر، والبحر ليس بملآن» في حين يبدأ القسم الرابع والأخير بما يفيد المعني ذاته: «قعدت ورأيت تحت الشمس إن السعي ليس للخفيف ولا الحرب للأقوياء..إلخ» لكنه مناح عام يتوخي الكاتب إشاعته في عمله كله.    

 

ــ هكذا أجبرت حوادث الحياة «المازني» علي الحد من طموحه

ويتابع الناقد فاروق عبدالقادر حديثه عن الشاعر إبراهيم المازني، في دراسته المنشورة بمجلة فصول تحت عنوان «وجوه»: كان إبراهيم المازني طموحا بالغ الطموح، وأرغمته أحداث حياته علي الحد من هذا الطموح: موت أبيه وغدر أخيه الأكبر، اضطره للالتحاق بمدرسة المعلمين لأنها كانت بالمجان، وعمله بالتدريس سنوات حتي ضاق به، فتفرغ للكتابة الصحفية قبل أحداث 1919 مباشرة، وظل يمارس هذا العمل حتي رحل بعد ثلاثين عامًا.

 

ويضيف «عبدالقادر» عن إبراهيم المازني: منذ قرأت المازني في أول الشباب لا زلت أذكر شكواه الحارة من الكتابة والاشتغال بها، وحين عدت لقراءته الآن وجدت ذات الكلمات تضىء طريقي نحو فهم أفضل لـ إبراهيم المازني وعمله: في تقديم «صندوق الدنيا» 1929 كتب المازني: «أضحك فلا أراني ألهو، ويضيق صدري فأتمرد، وأخرج إلي الطرقات أمتع العين بما فيها مما تعرضه الحياة، فإذا بي أقول لنفسي إن كيت وكيت مما تأخذه العين يصلح أن يكون موضوع مقال، فأقنط وأكر راجعًا إلي مكتبي لأكتب .. وهكذا كأني موكل بفضاء الصحف أملأه كما كان ذلك الشاعر القديم المسكين موكلًا بفضاء الله يذرعه». 
ويوضح «عبدالقادر»: ثم يجري مع قارئه حسبة صغيرة: «أنا أكتب في الأسبوع مقالين. فجملة ذلك في العام تبلغ المائة، وكل مائة مقال تملأ خمسة كتب كهذا، فسيكون لي إذن بعد عشرة أعوام-إذا ظللت هكذا- ثلاثون كتابًا غير ما أخرجت قبل ذلك.. صاحبها لم يستفد إلا العناء».

ــ موقف إبراهيم المازني من الأحزاب السياسية
ويلفت الناقد فاروق عبدالقادر، إلي أن بعض السبب في إحساس إبراهيم المازني بأنه لم يحقق شيئا من طموحه راجع إلي موقفه من الأحزاب السياسية والعمل بها ومن خلالها. اختار إبراهيم المازني جانب حزب الأحرار الدستوريين، الذي كان يغطي غياب فكره الاجتماعي بطلاء ثقافي رفيع. 
كان حزبًا يغص بالمثقفين: لطفي السيد وهيكل، عبدالعزيز فهمي وطه حسين، والأخوين عبدالرازق ومحمود عزمي وسواهم. لم يكن الانتماء إلي هؤلاء مريحًا بالنسبة له ـ  إبراهيم المازني ــ كما كان بالنسبة لطه حسين مثلًا، أضف إلي ذلك أن انتماءه إليهم ظل ذا طابع ثقافي أكثر منه التزامًا حزبيًا، فهذا الالتزام يعني خوض معارك الحزب ضد حز الأغلبية «الوفد» وبقية أحزاب الأقلية علي السواء، وبتعبير صلاح عبدالصبور: «قد يكون اليأس هو دافعه إلي أن يظل بعيدا عن الاندماج في الأحزاب، مع ما في هذا من طبيعة الاستبداد والولع بالسيطرة وإرضاء المصالح الخاصة علي حساب المصالح العامة، وتصدر ضعاف الثقافة من الزعماء والساسة الذين لا يستطيعون أن يفكوا الخط، ومنهم وزير للتقاليع أطلقوا عليه وزير التقاليد ومنهم من لم يفتح في حياته كتابًا واحدًا، ويخلط بين «حافظ إبراهيم» و«حافظ الشيرازي».