رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التهديد العالمى للإخوان المسلمين «1»                                                        

كثيرة هى الكتب والدراسات التى خرجت مؤخرًا تحذر من تنامى خطر جماعة «الإخوان المسلمين» وتنظر إلى طابعها المعلوم باعتباره مشروعًا متكاملًا، له طبقاته العلنية الظاهرة التى تلعب أدوارًا محددة بهذا الإطار العلنى الذى له متطلباته وضوابطه وخطابه الإعلامى. فى حين تمثل الطبقات السفلية الأخرى «القوة الضاربة» والرصيد الحقيقى للجماعة الذى يتمتع بمرونة واسعة للحركة من خلال العمل السرى المتشعب المتحرر من أى ضوابط، حيث يضع أهداف التنظيم وتحقيق مصالحه وتأمين أعضائه أولويات تتحكم فى تحركات شبكاته العامله. الأغلب والأكثر قدرة على فهم تلك التفاصيل وتفكيك محتواها هم الكتاب والباحثون العرب، ونشر العديد من الأوراق المهمة فى هذا السياق كون الإخوان منذ النشأة يتخذون الساحة العربية والإسلامية مسرحًا رئيسيًا لعملياتهم ومستهدفاتهم، وانخرط البعض من هؤلاء الكتاب والباحثين فى معارك فكرية وإعلامية شرسة مع شرائح واسعة من نظرائهم فى الغرب بالأخص، من أجل فضح زيف المشروع الإخوانى وخطورة إفساح المجال له.

لكن ظلت طوال الوقت هناك إشكالية تناقض الرؤى، وتشوش تأويل أداءات التنظيم، الذى حرص منذ بدايته على أن تكون له الشرائح والكيانات القادرة على اصطناع ما يمكن تفهمه وتمريره، على نطاق بعض من مفاهيم المجتمع الدولى فى بلدان، إما بعيدة عن اختبار درجة خطورة جماعة من نوع «الإخوان المسلمين»، أو أخرى لها مصلحة فى الاحتضان والاستثمار والإفساح لنشاط ومنهج الجماعة الذى يحقق لها مصالح بصورة أو أخرى، وهذه الأخيرة تجدها عادة تتصنع عدم الفهم أو الإلمام بكامل الصورة وترتكن إلى سردية أحادية، فى الغالب تضع نشاط الجماعة باعتباره عملًا مشروعًا يحاول فقط أعداؤه السياسيون أو الأمنيون تقويضه، لهذا تعد الكتابات الغربية التى تناقض تلك الرؤية الغالبة نادرة، بل فى بعض البلدان تتم محاصرتها فى حال خرجت بشكل مستقل ومتحرر لتثبت الحقيقة التى تتغافل عنها مجتمعاتهم.

مؤخرًا صدر كتاب من هذا النوع الجاد الذى يسبح ضد التيار، بل يشتبك معه ويهاجمه بقسوة مفندًا ما قام به لصالح جماعة الإخوان، مما جعلها تحقق استفادة استثنائية، قبل أن تحتشد من أجل صناعة قدر عال من التهديد مرشح لأن يطال أماكن غير متوقعة. أهمية الكتاب الواجب الاحتفاء به وقراءته بتعمق وعرضه باللغة العربية تستمد من الجهة القائمة عليه، فهو يمثل حزمة من التقارير البحثية المعمقة أعدتها اللجنة الفرعية للأمن القومى الأمريكية التابعة للجنة الرقابة والإصلاح فى مجلس النواب، لذلك فهو يعد الأرفع فى تصدى جهة رسمية أمريكية لمثل تلك القضية، والأكبر فيما يضمه من الوثائق الرسمية الغربية وأشملها بشأن التهديد العالمى الذى تشكله جماعة الإخوان المسلمين. وقد سلطت التقارير الضوء بشكل غير مسبوق على التداعيات التى ترتبت على نشأة جماعة الإخوان المسلمين، ووصفتها بالجماعة الأم التى انبثقت منها الجماعات الإسلاموية المعاصرة، التى غرست مخالبها فى أكثر من سبعين دولة فى قارات العالم المختلفة، حيث تنشر تلك الجماعات عقيدتها الفوقية التى لا تخلو من عنصرية هدفها المتمثل فى إقامة دولة إسلامية. هذا هو فكرته ومستخلصه الرئيسى، وتوصيفات الأوراق التى يحويها الكتاب بالنظر إلى أنه موجه بالأساس للمجتمع الأمريكى وللساسة وصناع القرار فى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

الكتاب بعنوان «التهديد العالمى للإخوان المسلمين»؛ ويضم خمسة أقسام تتضح سريعًا أفكاره ووجهات النظر الواردة بمجرد مطالعة عناوينها.

القسم الأول جاء بعنوان «الولايات المتحدة والإخوان المسلمين.. وجهات نظر مضللة، أم هو غرور الغطرسة»، كاتب هذا الجزء هو محرر الكتاب «عثمان تازاغارت». يلقى فيه الضوء على القضية الشائكة المتعلقة بوجهات النظر المتباينة حول جماعة الإخوان، داخل اللجنة الفرعية للأمن القومى فى الكونجرس ويخص التطبيق على دورة عام ٢٠١٨، حيث يشير إلى أن رئيس اللجنة الفرعية «رون ديسانتيس» الذى كان آنذاك نائبًا جمهوريًا عن ولاية فلوريدا، وهو الآن حاكم الولاية ومرشح رئاسى محتمل فى انتخابات عام ٢٠٢٤، ذكر أن شبكات الإخوان المسلمين جمعت الأموال حتى فى داخل الولايات المتحدة لتمويل الأنشطة الإرهابية. كما أيد رئيس اللجنة موقف الرئيس السابق دونالد ترامب المتشدد ضد جماعة الإخوان المسلمين، الذى تطور بعد ذلك بوقت قصير للنظر فى إضافتها إلى «قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية». وقد بلور رون ديسانتيس وجهة نظره أن هذا تغيير رئاسى أمريكى مرحب به بالتأكيد، مقارنة بالإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما، الذى اعتبر جماعة الإخوان حلفاء محتملين باعتبارهم نبذوا العنف من وجهة نظره.

ويصل هذا القسم إلى نتيجة مفادها أن اللجنة الفرعية للأمن القومى اعتبرت جماعة الإخوان مصدر «الجماعات الجهادية»، فهى جماعة تدعو إلى الكراهية، وتتبنى أيديولوجية متعصبة وشمولية، ومعادية للأجانب. كما نقل عثمان تازاغارت رأى «هيليل فرادكين» أحد كبار الباحثين فى معهد هدسون الشهير الذى قال: لقد أردنا فى الولايات المتحدة أن نعرف كيف سيتصرف الإخوان بمجرد وصولهم إلى السلطة، فقبل نجاحهم فى إشارة للتجربة المصرية كان البعض يعتقد أنه بمجرد وصولهم إلى السلطة سيتعلمون الاعتدال. كان هذا خطأ وهناك أسباب لذلك، فالواقع أثبت أنه عندما تتاح لهم فرصة ممارسة السلطة، فإنهم يمارسونها بطريقة أكثر شمولية. فالثابت عندما تعمل جماعة الإخوان المسلمين فى ظل نظام قمعى، فليس لديها خيار سوى الاعتراف بالنظام ونبذ العنف، لكن هذا مجرد أسلوب تكتيكى فهى تتوق للعب اللعبة الديمقراطية من أجل الوصول إلى السلطة، لكن لا يوجد فى عقيدتها ما يشير إلى النبذ الصادق للعنف أو تبنى الديمقراطية.

كما يستند هذا القسم أيضًا إلى توثيق رأى «زهدى جاسر» رئيس المنتدى الإسلامى الأمريكى للديمقراطية، الذى انتقد بشدة حقيقة أن الكثير من النقاش حول جماعة الإخوان المسلمين كان محرفًا وغامضًا ومشوهًا من قبل أنصار الإخوان، وحلفائها فى الغرب. ففى هذا الصدد، يرى جاسر أن السبب الجذرى للإرهاب هو أيديولوجية الإسلام السياسى، والإيمان بسيادة الدولة الإسلامية، التى تتبنى السماح باستخدام العنف لتحقيق هذا الهدف. لهذا فهو يرى أن الجهل بالإخوان والجماعات المماثلة لها، يسمح باستغلال الحريات الغربية عبر التضليل واللعب على تمرير القناعات المزيفة. فجماعة الإخوان تأكد أنها ترفض مفهوم «الدولة الوطنية» كشكل شرعى من أشكال الحكم، وتعتبره فرضًا أجنبيًا على الدول الإسلامية يتعارض مع الأشكال التقليدية للحكم الإسلامى. وقد أورد هذا القسم المحورى فى الكتاب توثيق اتفاق الباحثين والأكاديميين ومحللى الاستخبارات الذين أدلوا بشهاداتهم، أنه لا توجد جماعة إخوان مسلمين «موحدة»، بل هناك من وجهة نظرها «هيكل ضخم» من الشبكات التى تشترك فى الروابط الشخصية والتوجه الأيديولوجى، التى انبثقت من نواة مركزية تشكلت من قيادات الإخوان العالميين. ووفق ذلك اتفق الجميع أن هذه الشبكات العالمية ظلت تنتج باستمرار، جماعات إرهابية إسلاموية مع اختلاف مسمياتها ونطاقاتها الجغرافية.

هذا قسم أول استعرضنا بعض مستخلصاته ونصوصه المهمة، التى تظهر للمرة الأولى بهذا الوضوح وجلاء الحقائق. ونستكمل أقسام الكتاب فى أسابيع مقبلة بمشيئة الله.