رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارتر لص.. ما الجديد؟!

الكلام ليس عن جيمى كارتر، الرئيس الأمريكى التاسع والثلاثين، الذى سيبلغ الثامنة والتسعين من عمره فى أول أكتوبر المقبل، بل عن البريطانى هوارد كارتر، Howard Carter، الذى رحل فى ٢ مارس ١٩٣٩، وسنحتفل فى ٤ نوفمبر المقبل بمرور ١٠٠ سنة على اكتشافه مقبرة توت عنخ آمون. ولا نعتقد أن هناك ما يربط بين الاثنين غير اللقب وحصولهما على قلادة النيل، أعلى وسام مصرى!

المعلومة قديمة، قديمة جدًا، وبسببها تم إلغاء تصريح التنقيب الخاص بهوارد كارتر، سنة ١٩٢٤، بعد أن وجدت مصلحة الآثار تلاعبًا فى سجلات المقبرة وعثرت على قطع غير مدونة فى صندوق نبيذ بمقبرة أخرى. وفى كتابه «هوارد كارتر واكتشاف مقبرة توت عنخ آمون»، كتب هارى وينستون أن عالم المصريات هنرى بيرتون، الذى أوصى كارتر بأن يتولى إدارة أمواله وممتلكاته بعد وفاته، اكتشف خلال قيامه بحصر التركة، ١٨ قطعة أثرية حصل عليها كارتر من مقبرة توت عنخ آمون دون علم السلطات المصرية، ولكى يتخلص من تلك الورطة، نصحه البعض بأن يهديها أو يبيعها إلى متحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، فاستجاب للنصيحة. وكانت تلك القطع هى نفسها التى استردتها مصر، فى نوفمبر ٢٠١٠، من ذلك المتحف.

أدلة عديدة أكدت أن «كارتر» لم يسرق السلطات المصرية فقط، بل سرق أيضًا اللورد كارنارفون، الأرستقراطى البريطانى مموِّل الاكتشاف وصاحب امتياز التنقيب، الذى مات بعد حوالى خمسة أشهر من اكتشاف المقبرة. أما الدليل الجديد، فتضمنته رسالة، ترجع إلى سنة ١٩٣٤، كتبها آلان جاردنر، الذى استعان به «كارتر» لترجمة النصوص المصرية القديمة، وأهداه «تميمة»، أكد له أنها لم تكن ضمن مقتنيات المقبرة.

بطل القصة الجديدة، إذن، أو صاحب الدليل الجديد، هو «جاردنر»، Alan Gardiner، عالم الآثار البريطانى، وأبرز علماء، فقهاء أو خبراء، اللغة المصرية القديمة، ومؤلف كتاب «مصر الفراعنة»، وصاحب القائمة المترابطة للرموز الهيروغليفية المصرية الوسيطة، التى تحمل اسمه، «قائمة جاردنر»، واستنادًا إلى كتابه «قواعد النحو المصرى» تم تخليق واحد من خطوط الطباعة الهيروغليفية القليلة المتاحة حتى اليوم.

هذه الرسالة، حصل عليها بوب برير، عالم المصريات فى جامعة لونج آيلاند الأمريكية، ووضعها فى كتاب سيصدر قريبًا عنوانه «توت عنخ آمون.. والقبر الذى غير العالم». وفيها، يقول جاردنر، مخاطبًا كارتر، إنه حين عرض التميمة، التى تلقاها منه، على مدير المتحف المصرى، أكد له الأخير، أنها مسروقة من مقبرة توت عنخ آمون، مضيفًا: «لقد وضعتنى فى موقف محرج للغاية»، ولم أخبرة بأننى حصلت عليها منك.

برير، BobBrier، المولود فى ١٣ ديسمبر ١٩٤٣، والمعروف باسم «السيد مومياء»، Mr. Mummy، أشار فى الكتاب إلى أن السلطات المصرية كانت لديها شكوك بشأن حصول كارتر على بعض كنوز المقبرة، وأبعدته عنها بعض الوقت، لكنها لم تتمكن من إثبات تلك الشكوك، التى تأكدت الآن، موضحًا أن كارتر وبعض أعضاء فريقه، غير المصريين، اقتحموا المقبرة قبل افتتاحها رسميًا واستولوا على قطع مهمة للغاية.

الأكثر من ذلك، هو أن الدكتور زاهى حواس، عالم المصريات الشهير، الذى كان وزير الدولة لشئون الآثار، اتهم «كارتر»، ضمنيًا، بأنه سرق الاكتشاف نفسه، وأكد أن حسين عبدالرسول، الذى لم يكن عمره يتجاوز ١٢ سنة، هو صاحب الاكتشاف: كان يُحضر المياه، التى يشرب منها فريق التنقيب، فى أوانٍ فخارية ضخمة، أو أزيار، جمع زير، وكان العمال يساعدونه فى تنزيلها من على ظهر الحمار، ويحفرون حفرة فى الأرض، لكى تستقر بها، وخلال الحفر عثر حسين على مدخل المقبرة.

.. وأخيرًا، نرى أن الواجب، أقل واجب، هو أن تسحب الدولة قلادة النيل من هوارد كارتر، مع وضع الدليل الجديد على لصوصيته، مع الأدلة القديمة، على جدران منزله بمدينة الأقصر، الذى يجرى ترميمه الآن، والذى انتقلت ملكيته بعد وفاته، سنة ١٩٣٤، وفق وصيته، إلى متحف المتروبوليتان، ثم إلى هيئة الآثار المصرية، وتحوّل إلى متحف يحكى لزواره تفاصيل ويوميات أحد أهم وأشهر الاكتشافات الأثرية فى التاريخ.