رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في عدد نادر.. مجلة «أيام مصرية» تستعرض مقالات كبار كتاب مصر قبل ثورة يوليو بساعات قليلة

أيام مصرية
أيام مصرية

◄ المحرران أحمد كمالي وعمرو إبراهيم يبحثان في أرشيف كبار الصحفيين قبل يوليو بأيام قليلة

 

حين تكثر الأقاويل بشأن أحوال مصر قبل ثورة يوليو 1952، نحتاج إلى العودة لقراءة الصحف السابقة للثورة، لنتعرف على شكل المجتمع والشارع، ورأي كبار الصحفيين مثل محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس، وغيرهم عن الأوضاع الموجودة في الشارع المصري آنذاك.

أحمد كمالي وعمرو إبراهيم

وفي مجلة "أيام مصرية" والتي يشرف على تحريرها الأساتذة عمر إبراهيم وأحمد كمالي، نطالع تلك الصحف التي لا نستطيع أن نقف على وجهة نظر واحدة بعد قراءتها، فهناك من ينتقد النظام والواقع السياسي والاجتماعي، ويتحدث عن الفساد المستشري في كافة الوزارات والمؤسسات، ونظام التعليم الذي يكاد ينهار، وينادي بالتغيير الضروري، وهناك من يمدحون الحكومة والملك لدرجة تضع الملك في مصاف الأنبياء والرسل بل أن أحدهم قال إن فاروق هو ملك الملوك، وهذا يصل به إلى مرتبة الآلهة، ولكن بلا أدنى شك يستطيع المطلع والقارئ والباحث أن يكتشف الكثير والكثير عن تلك الفترة من خلال القراءة في الصحف والمجلات التي أرخت تلك الفترة الهامة.

في يوم 7 مايو 1952، كتب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مجلة آخر ساعة مقال بعنوان "هل يقول كافري.. وهل تسمع واشنطن؟".

يبدأ هيكل مقاله متسائلًا:
"ما الذي ينوي المستر جيفرسون كافري سفير الولايات المتحدة أن ينصح به حكومته؟"
يلقي المقال الضوء على شكل التعاون السياسي بين مصر والولايات المتحدة للتخلص من الإنجليز، ولكن هيكل في المقال يشعر أن كل هذه مجرد مفاوضات غير جادة لن تفضي إلى شيء.

فالولايات المتحدة تقول للقاهرة إنها لا تستطيع الصمت عما يحدث في الشرق الأوسط ولا بد من التعاون معها لتحقيق المصلحة للجميع. رحبت القاهرة بهذا التعاون من أجل حفظ السلام وإقامة العدل، فتقول واشنطن إنها على استعداد لأن تعيد الصواب إلى الإنجليز، وتستطيع الضغط عليهم، ولكنها تطالب القاهرة بالنظر إلى الأمور بعقلانية وواقعية فتؤكد القاهرة إنها لم تطالب إلا بحقها حيث تريد الجلاء.

ويسرد هيكل شكل المفاوضات التي تجري بين الإنجليز والامريكان حتى يشعر القارئ إنها مجرد شكليات لن تستفاد مصر من وراءها شيء.


 
وفي 12 مايو 1952، يكتب إحسان عبد القدوس في مجلة روزاليوسف مقال بعنوان "المساواة في الظلم عدل".

يشير فيه عبد القدوس إلى مدى الفساد الإداري الذي يهدد مصر، والذي يتغلغل في أعماق الوزارات المصرية، ويشن هجوم قاسي على وزارة نجيب الهلالي باشا فيقول:

"مفروض في كل وزارة أن تحاكم اللصوص، وأن تقضي على استغلال النفوذ وأن تصون خزانة الدولة".

ويضيف عبد القدوس أنه لا يجوز أن يستغل الوزراء نفوذهم في مصالح خاصة، بل يجب استغلال النفوذ من أجل مصالح عامة تعود بالنفع على الجميع وليس فرد بعينه.

ويشن إحسان هجوم على كافة الوزارات فيقول إن وزير المالية ينصح الناس بالتقشف دون أن يضع حدود لهذا التقشف تشمل الأغنياء مع الفقراء، أي أن الوزير يريد أن يفرض التقشف ويطالب به الفقراء فقط. بل إنه وهو يدعو للتقشف أباح مظاهر صارخة علنية من مظاهر الاسراف، أي أن الوزير لم يكتفي بمطالبة الفقراء بالتقشف بل أثناء طلبه هذا يصرف أموال لا مبرر لصرفها.

ويواصل عبد القدوس هجومه على الوزراء ذاهبًا هذه المرة إلى وزير التموين الذي لم يستطع ضبط الأسعار التي ترتفع بنسب كبيرة على المواطن.

وفي نهاية حديثه يطالب بحرية الصحافة وعدم فرض القيود عليها، فلا يمكن أن يفرض على الصحفي أو الكاتب أن يعرض ما يكتبه على الجهة التي كتب عنها، فلا يمكن للصحافة أن تكتب عن وزارة الدفاع أو الداخلية أو الأزهر أو أي وزارة ومؤسسة إلى قبل عرض ما كتبته على هذه الجهة.

وبالنسبة لغلاء الأسعار سنذهب إلى مجلة آخر لحظة يوم 4 يونيو 1952، ومقال للكاتب جلال الدين الحماصي بعنوان "محاربة الغلاء فن".

"إن كل القوى تتكاتف لرفع كل الأسعار وزيادة الويلات التي يعانيها أفراد الشعب"

هكذا بدأ الحماصي السطور الأولى من مقاله، الذي يشن فيه هجوم على الحكومة التي تتعامل مع ملف غلاء الأسعار بشيء من التهاون، حيث أن الحكومة غير جادة في محاربة الغلاء وإنها تقوم بوضع تسعيرة لا تنفذ من قبل التجار لأنها تسعيرة فاشلة.

ويؤكد جلال الدين على ضرورة مواجهة جشع التجار، وينصح الحكومة إذا كانت لا تستطيع مواجهة التجار وجشعهم بأن تترك التجار للشعب، والشعب قادر على ردع هذا الطمع الذي يسيطر على التجار.

ويكشف مقال جلال الدين مدى الفوضى التي تعبث بالأسواق المصرية، ومدى الغلاء الذي يزيد على السلع الأساسية.

وإذا انتقلنا إلى مجلة روزاليوسف في يوم 26 مايو 1952، ومقال بعنوان "الحذاء الحديدي" للكاتب الكبير أحمد بهاء الدين.

يشير المقال إلى "عدم مسايرة المشروعات الإنتاجية لازدياد السكان"، ويتحدث بهاء الدين عن الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تهدد مصر، ويطالب المسؤولين بفرض ضرائب تصاعدية.

وضريبة مشتريات على الكماليات، وعلى السلع المستوردة التي نصرف في شراءها ما يزيد عن 30 مليون جنيه.

"نظام التعليم في مصر" مقال في جريدة الزمان يوم 27 مايو 1952، لمضر القاوقجي.
يشير فيه إلى تكدس التلاميذ داخل المدارس "فهذه مدرسة تسع خمسمائة تلميذ أصبحت تأوي الفا أو أكثر".

ويؤكد أن الأسس التي يقوم عليها نظام التعليم في مصر أسس عشوائية وارتجالية، وأنه لا يوجد أي نوع من أنواع التخطيط في منظومة التعليم، التي لا يمكن أن تخرج شخص متعلم أو واعي، ولذلك زادت الأزمات الخلقية في المجتمع واجتاح الشباب حالة من التدني الأخلاقي.

كما أن عدد المدارس قليل للغاية بالنسبة لعدد الطلاب، هذا حتى في المدن الكبيرة والمركزية مثل القاهرة والإسكندرية، ففي القاهرة وفي حي الجمالية أحد أكبر أحياء المدينة، كان الحي يفتقد للعديد من المدارس المختلفة في مختلف مراحل التعليم.

ولكن إذا كان الكاتب في المقال لم يتحدث عن المدارس في القرى والأرياق وباقي المحافظات، فإنك تستطيع أن تعرف من خلال حديثه عن مستوى الانحدار التعليمي في العاصمة مدى تأخر مستوى التعليم في الأرياف والقرى حيث يعاني سكان هذه الأماكن من جهل وأمية.

ذلك رأي كبار الكتاب، من ينتقدون عيوب الدولة بشجاعة، من يريدون التغيير ويخشون تأخر وطنهم، ويريدون نهضته وتقدمه.

أما عن الطرف الآخر المؤيدين للحكام والمسؤولين، وأغلبهم من الباشوات أصحاب العزة، فنرى مقال صاحب العزة السعيد حسيب بك في جريدة الزمان بتاريخ 7 مايو 1952، نراه وعلى ما يقرب من الألف كلمة أو أكثر، وبأسلوب عظماء الشعراء حيث اللغة السليمة المنسابة الجامعة بين مقومات الشعر والنثر، يمدح الملك فاروق، بل يمدح أسرة محمد علي وسلالته من الحكام فرد، فرد، ويتغنى بصفاتهم الحميدة، وكيف استطاعت مصر بفضلهم أن تعيش أزهى العصور، وأن يعبروا عن حضارة مصر وتاريخها، واستطاعوا الحفاظ على مصر كبلد الأمن والأمان ومصدر للوحي والإلهام.

أما مجلة المصور يوم 23 مايو 1952، يكتب د. أحمد زكي مقال بعنوان "ماذا قالت مجلة التايم الأمريكية عن الأحوال في مصر؟" يأتي فيه ببعض الأحاديث التي قيلت عن مصر في تلك الفترة في مجلة تايم الأمريكية.

"كنا إذا ذكر الفقر وذكر المرض اتجهت أفكارنا وأفكار العالم إلى آسيا، إلى الهند والصين، وما حسبنا أن يجئ الزمن الذي فيه يقال لمصر بل أنت الغاية التي ليس بعدها غاية، فموضعك وراء الهند والصين في تمثيل هذه المآسي الإنسانية".

هذا كان حديث مجلة تايم عن مصر ووضعها، كما قامت المجلة بعمل دراسة دقيقة للواقع الاجتماعي الذي أتضح، أن البلهارسيا تهدد 92% من سكان القرى في مصر، وأن الديدان المعوية تصيب 64% من السكان، والرمد الخطير الذي يصل إلى حد العمى يهدد 89%.

هذه نسب خطيرة، تتحدث عنها المجلة بالإضافة إلى بعض المشاكل التي تهدد حياة الفلاح المصري، والتي إذا أضفناها إلى المقال الذي تحدثنا فيه عن التعليم وجدنا أن مشاكل مصر لم تنتهي عند حد التعليم أو غلاء الأسعار فقط بل أيضًا في الصحة.. فماذا تبقى للمصريين من مصر؟