رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زكى طليمات يكتب عن ذكرياته مع «الجندول» محمد عبدالوهاب.. فماذا قال؟

محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب

محمد عبد الوهاب بقلم زكي طليمات، هو عنوان المقال الذي كتبه عميد المسرح العربي زكي طليمات، في مجلة الكواكب بتاريخ 1 أبريل 1949، وذلك ضمن سلسلة مقالات “وجوه عرفتها”. في هذه الزاوية كتب زكي طليمات عن رفيق “لهوه وفنه” بحسب تعبيره موسيقار الأجيال النهر الخالد محمد عبد الوهاب.

 

يستهل “طليمات” مقاله بالإشارة إلي الصداقة التي جمعته مع عبد الوهاب موضحا: " يشاركني "عبد الوهاب" أكثر من نصف حياتي، أخا لهو وفنون، وصداقة وزمالة، وإن صار هو للغناء والتلحين، وصرت أنا للتمثيل والإخراج.

 

ثم يواصل “طليمات” حديثه عن كواليس صداقته بـ عبد الوهاب قائلا: "عرفته ــ وكنت في أول شبابي وكان هو فتي مراهقا غض الأهاب ــ أيام كنت للمسرح محترفا التمثيل في فرقة المرحوم عبد الرحمن رشدي المحتمي، أستاذي في اعتناق المسرح، وقائد الطليعة للشباب المتعلم الذي يحتضن المسرح منذ ربع قرن تقريبا.

 

كان عبد الوهاب إذ ذاك يطرب الجمهور بين فترات الاستراحة بالسهل البسيط من أغاني سلامة حجازي وسيد درويش، وكان فتي نحيل الجسم، في وجهه شحوب وهزال، وفي عينيه قوة وبريق، وفي نظرته حلم وصفاء، يقرئنا التحية علي الطريقة الإسلامية فنرد التحية عليه باسمين "وعليكم السلام ورحمة الله يا أثتاذ" بحرف الثاء، مقلدين لثغته الطريفة التي تقضي بأن يجري حرف السين علي لسانه بين الثاء والسين.

 

وعن شهية عبد الوهاب “المفتوحة” دوما يضيف زكي طليمات: وكنا إذا اشتركنا في تناول طعام حسبنا له ألف حساب، إذ كانت لهذا الفتي النحيل شهية مثل شهية "السوس" تنخر في الأكل نخرا ولا تعرف الشبع. غير أننا كنا نغفر له هذه الشهية ونطلب له المزيد منها، حينما يعتلي المسرح ويطلق صوته بالغناء، بل كنا ننسي لثغتة لسانه في حين أنها تملأ أسماعنا في بعض ما يغنيه، لأن أداءه في الغناء كان يسد علينا مذاهب اللتفات والتمييز، ويصرفنا عن كل شئ سوي متابعة الطرب إلي أقصي مداه، فإذا أفقنا أمن كل منا علي رأي صاحبه من أن ما يلتهمه عبد الوهاب من الطعام يذهب كله غذاء للغناء.

 

ــ شهية المعدة تنقلب إلي الغناء والتلحين

ويتابع زكي طليمات حديثه عن ذكرياته مع الفنان محمد عبد الوهاب: وشب الفتي، فإذا شهية المعدة تنقلب رغبة إلي تعلم العزف علي العود ومحاولة التلحين، وكان لا يعرف العزف علي آلة موسيقية، ثم إذا الرغبة تستحيل طموحا لأن يكون الأول والمبرز في عالم التلحين والإنشاد. 

وتجتمع في النهاية شهوة الطعام بالرغبة والطموح فيتألف منها جوع للإثراء، ونهم إلي كيل المال بالصاغ، وعده برزم أوراق البنكنوت !!

 

ويواتيه الحظ فيصبح السابق المبدع في التلحين وهو في شرخ شبابه، بين الرفاهة والوداعة في قصر أمير الشعراء أحمد شوقي بك، ويوالي الحظ إطعام هذا الشاب بمعلقته الذهبية، في رحاب السينما، فإذا هو الثري رقم "1" بين جميع الممثلين والمطربين والراقصات، ولما يزل في عنفوان الرجولة.

 

ــ هكذا حقق عبد الوهاب مجده بالدأب والعمل

ويلفت زكي طليمات في مقاله عن الجندول محمد عبد الوهاب إلي أنه: ولا نقول أن عبد الوهاب من أبناء الحظ السعيد، ومن عنقاء القدر فحسب، بل نقرر جازمين أن عبد الوهاب ما كان يبلغ كل هذا الشأن، لو لم يكن وراء طموحه صبر ودأب، واستقطار عرق الجبين من الجهد والعمل، فالرغبة شئ، والقدرة علي تحقيق الرغبة شئ آخر.

 

ويضيف "طليمات" متسائلا: "أتدري كيف تعلم عبد الوهاب العزف على العود؟ بدأ بالأخذ والتلقين عن أساتذة العزف ــ وهو أسها الأمور ــ فلم يستفد كثيرا، فانثني يقيم بينه وبين العود معاشرة بالإكراه، هي أشبه ما يكون بما يقوم بين زوجين متنافرين، ولكنهما متحابان، ينطح كل منهما الآخر، حين يمتنع أحدهما عن إمداد صاحبه بكل ما يريد أخذه منه، ثم يعود الصفاء بينهما برهة، ليعاودا المناطحة من جديد.. كان عبد الوهاب إذا استعصى عليه أن يستخرج من العود النغم الذي يريد ــ والذنب ليس علي العود بل علي ريشة العازف ــ أنحني علي مقبض العود بأسنانه يعضه عضا!

 

ومن بين أوتار هذا العود المغلوب علي أمره، خرجت تلاحين عبد الوهاب تتابع وتتلاحق ساطعة بالطبع الرقيق، والخفة والطلاقة، وهي تتقلب بين القديم والجديد من النغم، وتترنح بين "البياتي" العريق في شرقيته، وبين "التانجو" الأصيل في أوروبيته، ووضح للملحن الذي سطع نجمه، ميل إلي الأخذ عما تأتي به أزياء التلاحين الواردة من أوروبا، وحلا بعبد الوهاب أن يطلق شعر سوالفه، يهبط حتى منتصف العارضين، تشبها بمظهر المأسوف علي "سوالفه" رودلف فالنتينو، فقيد السينما، ومغامرات العشق والهيام.