رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلات المؤسسات الحكومية الخدمية

يخرج المواطن من بيته، في صباح مبكر، قاصدا مؤسسة حكومية معينة لإنهاء أوراق معلقة في يديه، تحتاج إلى توقيعات وأختام، من غيرها لا يكون لهذه الأوراق فائدة على الإطلاق، وهو ما يعطل المصالح ويوقف المراكب السائرة كما يقال..
يخرج متفائلا في العادة، يلقي صباح الخير على الجيران والناس في الطريق ويرد تحيتهم الصباحية، ويدعو في سره أن تنقضي الأمور بلا تعقيد، وما إن يصل إلى الموقع الحكومي الذي يريده حتى يبدأ التشاؤم في الظهور على وجهه، وشيئا فشيئا يستولي عليه كله.. زحام يسد الآفاق، وصيحات احتجاج، وفوضى عارمة.. يحوقل المواطن مندهشا مما يجري، ويحاول أن يتقدم بما لديه مستفسرا عن الإجراء الذي يجب عليه فعله، فإذا بالجموع الصاخبة تعترض على تقدمه، وتدفعه إلى الخلف بقوة، يخبرهم أنه يريد الاستفسار لا أكثر، وسيعود إلى مكانه في الطابور الطويل الذي امتد من داخل المصلحة إلى الشارع الخارجي، فربما كان عليه أن يكمل أوراقه (يصور بطاقته أو يشتري طوابع معينة أو ما شابه)، لكنهم يقولون له إنهم مثله لا يعرفون، وإنهم وقفوا بما في أيديهم بلا دراية كافية سوى ما كانوا تعودوا عليه أو سمعوه بدون تحقق من صحته، ولا أحد يفيدهم من الموظفين الذين ييرزون ويختفون ساكتين كأنهم يتلذذون بالصراع المهين، بل لا يلبون من ينادونهم، وإنهم، أي جموع المنتظرين، يخشون أن يفقدوا أماكنهم التي حصلوا عليها بصعوبة بالغة، وقد يفتي بعضهم الحائر، بعلم أو بغير علم، غير أنهم يحرصون على خنقه في موضعه؛ فيبدو خائفا من أن يصيبه الدور فيجد نقصا يضطره إلى الخروج لاستكمال أوراقه ثم العودة إلى رقم أكثر تأخيرا في الطابور الذي يزداد كثافة كل حين!  
يحدث مثل ذلك في جميع المؤسسات الحكومية تقريبا، لا سيما التي تواجه ضغطا شديدا، باستمرار، كالشهر العقاري والأحوال المدنية والضرائب، على سبيل المثال، ولا ريب في أن المواطنين أنفسهم مخطئون؛ فهم متعجلون على الدوام، وليسوا منظمين، ولا مستوثقين مما يتوجب عليهم القيام به، إلا أنهم، في الوقت نفسه، لا يفعلون سوى ما ربتهم الحكومة عليه منذ صغرهم.. الحكومة التي ينال موظفوها أجورا على مساعدة الناس وإزالة العقبات التي أمامهم، ولكن كأنهم
ينالونها على العكس للأسف!
الحل بسيط باعتقادي، غير أن أغلبية الموظفين الحكوميين والمتعاملين معهم كما لو كانوا يرفضونه، وهو أن يكون اليسر حاكما عموميا، وأن تغلب الرحمة صرامة القانون، هكذا بلا إيضاح تفصيلي فالمسألة أوضح ما تكون بإجمالها المذكور.. مصر بلد متحضر، وكل إنسان يشوه تحضره، أو يشوشه، لا يستحق الانتماء إليه.. إن البيروقراطية قاتلة؛ تسرق الوقت والجهد ولا تفضي إلى شيء ذي قيمة، والموظف والمواطن عليهما أن يمقتا نتاجها الفارغ!