رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تأملات فى يوم الصداقة العالمى

الصداقة هى من أهم العلاقات الإنسانية التى يتبادلها الناس فيما بينهم، وهى أيضًا فى تقديرى من أنبل العلاقات، وهى التى تجعل الإنسان يشعر بأنه ليس وحيدًا وبأن لديه إنسانًا قد اختاره ليكون رفيق رحلة العمر، لكنها أيضًا تعنى أنه إنسان قادر على تكوين صداقات ولديه قدرة على التعامل بشكل سوى وقدرة على تقدير الآخرين والتواصل معهم واحترامهم، ومن أهم الأسس التى تقوم عليها الصداقة وترتكز عليها الاهتمام بالآخرين والتعاطف والرحمة والعطاء، وهى تنقسم من وجهة نظرى إلى أنواع ولها درجات.

هناك الصداقة الحقيقية والمتينة القائمة على أسس المحبة والعطف والاهتمام وتقدير الآخر ودعمه، وهى أرقى الأنواع وأكثرها استدامة، وبقاؤها يعتمد على تبادل العطاء والمشاعر الراقية النبيلة، وهناك صداقة هشة لا تدوم لأنها بلا أسس ثابتة أو متينة بين الصديقين، وهناك صداقة وقتية وتكون للمصلحة والاستفادة، وهذه لا تدوم لأنها تنتهى بانتهاء المصلحة أو الغرض الذى قامت لأجله، وهناك أنواع تتجاوز الصداقة بين فردين، مثل الصداقة بين الشعوب وبين الدول وبين الثقافات، تسهم فى التقريب بين البشر وفى نشر السلم والسلام.

ويحتفل بعض الدول بهذا اليوم العالمى وخاصة فى أمريكا الجنوبية، وكذلك يحتفل العالم بيوم الصداقة العالمى فى ٣٠ يوليو من كل عام.. إلا أننا فى مصر لم يلقَ هذا اليوم اهتمامًا ولا التفاتًا إلى أهمية مغزاه فى التواصل بين الناس، ولأننى أعتبر الصداقة أرقى شعور إنسانى، فإننى أتمنى أن نبدأ الاهتمام به والاحتفال بالصداقة والتوعية به فى مدارسنا وفى الإعلام، لأنها تعزز العلاقات السوية بين الناس وتبنى جسورًا من المحبة والتواصل الإنسانى النبيل، مما يؤدى إلى نبذ الكراهية والعنف فى العلاقات، وأتمنى الاهتمام بنشر التوعية بمفهوم الصداقة كشعور إنسانى راقٍ بين الناس فى مجتمعنا، لأنه قادر على التصدى لمن يبثون مشاعر الكراهية فى بلدنا.. فما أحوجنا الآن إلى نشر مشاعر المحبة والتعاطف والرحمة والاهتمام بالآخرين، وخاصة الضعيف، واحترام الكبير والعطف على الصغير واحترام المرأة وتقدير كفاءتها وكيانها، إننا فى حاجة شديدة لمن يدعون للسلام فى العلاقات الإنسانية بين الناس لدعم الاستقرار فى مجتمعنا، ليظل نسيجه العريق قويًا ومتماسكًا.

ونظرًا لأهمية الصداقة، فقد خصصت لها منظمة الأمم المتحدة يومًا عالميًا، وتم إعلان ذلك فى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٧ أبريل ٢٠١١، وذلك بهدف تعزيز الصداقة بين الشعوب والثقافات، ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والأفراد- إلى الاحتفال باليوم العالمى للصداقة، وكل دولة وفقًا لثقافتها وذلك عن طريق الأنشطة التعليمية وأنشطة التوعية العامة، وبمناسبة هذا القرار دعا الأمين العام إلى الاهتمام بمغزى هذا اليوم وأهدافه، والاحتفال به والقيام بأنشطة ومبادرات تسهم فى الجهود التى يبذلها المجتمع الدولى من أجل تعزيز الحوار بين الحضارات والتضامن والتفاهم والمصالحة.

ويتم التعبير فى هذا اليوم عن الصداقة بأشكال فيها بهجة وفرح، حيث يتبادل الأصدقاء المعايدات والتهنئة وعبارات الود والمحبة والزيارات، كما يتبادلون الذكريات بينهم، ولكن: هل نحن حقًا فى حاجة إلى أن نفهم معنى الصداقة أو هل تخصيص يوم للصداقة من منظمة الأمم المتحدة كان ضروريًا؟

أظن أن فكرة الاحتفال بالصداقة هدفها تسليط الضوء على معناها وأهميتها فى حياة الناس، وفى موقعها الرسمى أكدت منظمة الأمم المتحدة أن العالم يرزح اليوم تحت وطأة العديد من التحديات والأزمات وقوى الانقسام، الذى يقوض السلام والأمن والتنمية والوئام الاجتماعى بين شعوب العالم، لذا ظل السعى مستمرًا وراء تعزيز روح التضامن الإنسانى المشتركة والدفاع عنها لتظل الصداقة بما تحمله من وشائج قوية تعزز روابط الثقة والتفاهم بين الجميع، وتنسج شبكة أمان وحماية للمستقبل، وتولد شعور الشغف بعالم أفضل، حيث الجميع متحدون من أجل الصالح العام.

ومن ملاحظاتى فى وقتنا الحالى وجدت أن الصداقة الحقيقية رغم أهميتها فى حياة الإنسان فإنها لم تعد موجودة كما كانت من قبل، بل أصبحت عملة نادرة ولم تعد موجودة بالصورة التى كانت عليها منذ ٢٠ أو ٣٠ عامًا. فقد التقيت بعض الصديقات مؤخرًا ووجدت أن هناك تحولًا فى الوفاء بين الأصدقاء وبين الصديقات، ولأننا نعيش فى زمن طغت فيه المصالح وفى زمن المادة واختلاط المعايير وكثرة مواقع التواصل الاجتماعى والعبارات التى يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى بحرية شديدة- لم تعد الصداقة هى تلك العلاقة التى تتسم بالوفاء، فالصداقة الحقيقية التى أعرفها لا بد لها أن ترتكز على الوفاء والأمانة والمحبة.

فالصديق الوفى من وجهة نظرى هو الذى يدعمك ويسند ظهرك إذا ما قست عليك الأيام، يكون معك فى الأوقات الحلوة والمرة، تستطيع أن تتحدث معه عن أوجاعك وآلامك أو عن أفراحك أو عن هواجسك ولا تجده يتجاهل هذه العلاقة وإنما يصغى إليك، وحينما تحتاج إلى رأى يقول لك الرأى السديد.

الصداقة تحمل أيضًا بين طياتها التعاطف والتقارب الفكرى والثقافى، وحينما يكون هناك أصدقاء على مستوى ثقافى واحد، فإن ذلك يجعل هذه الصداقة تستمر، لأنه لا توجد فجوة فى طريقة التفكير أو فى الثقافة ولكن إلى حد كبير لا بد أن يكون هناك نوع من المشاعر الإنسانية الراقية المتبادلة، وأن يكون لديهم هذا الإحساس الراقى بأن كلًا منهم سند للآخر.

الصداقة أيضًا نعمة وهدية من الله، لذلك فإذا ما وجدت صديقًا وفيًا وداعمًا وحقيقيًا ويُكن لك المشاعر النبيلة فلا تتخلَ عنه ولا تتجاهل الاهتمام به. والصداقة أيضًا فيها عطاء متبادل، أى أنه لا يمكن أن يكون هناك صديق يعطى من جانب واحد الاهتمام والسند والدعم، بينما الآخر لا يبادله هذا الدعم أو السند أو المواقف التى تؤكد مساندته فى الأوقات الصعبة. لذلك الصداقة تدوم إذا ما مرت السنوات وإذا ما كان العطاء متبادلًا.

إن الأصدقاء فى الحياة هم كالأحجار الكريمة النادرة بألوانها الثابتة وبريقها اللامع الحقيقى. إن وجود الأصدقاء الأوفياء فى الحياة هو مصدر سعادة حقيقية لأنهم يخففون من متاعبها ومن أحزانها، والإنسان المحظوظ هو من يستطيع أن يجد أو أن يعقد صداقات حقيقية فى حياته تدوم وتستمر معه إلى آخر سنوات العمر أو إلى سنوات العمر الصعبة حينما تتخلى عنه الصحة، وحينما يصبح الإنسان ليس مصدرًا للمصلحة. 

كما أن الصداقة بين السيدات قد تكون أيضًا لها أشكال عديدة، منها من أجل قضاء الوقت السعيد فقط، والصداقة من أجل الثرثرة والفضفضة فقط، وأحيانًا تدب الغيرة بين الصديقات لأن صديقة قد تفوقت على الأخرى فى مجال عملها أو حظيت بشهرة كبيرة، ويا لها من صداقة كانت هشة بلا أساس سليم. وحينما تبدأ الغيرة فمن الأفضل الابتعاد عن هذه المرأة.

وهناك أيضًا أنواع من الأصدقاء من يبعثون على البهجة والمرح والوقت اللطيف، وهناك من يبعثون على الكآبة ويصدرون للآخرين طاقة سلبية وهؤلاء من الأفضل الابتعاد عنهم إلى أبعد نقطة ممكنة.

إن الصداقة الحقيقية فى تقديرى هى مواقف وأفعال وليست أقوالًا وثرثرة فقط. وإن من أجمل العبارات التى قيلت عنها ما قاله بطل الملاكمة محمد على كلاى: «إن الصداقة هى أصعب شىء فى العالم يمكن تفسيره، إنه ليس شيئًا تتعلمه فى المدرسة لكن إذا لم تكن تعلمت معنى الصداقة، فإنك حقًا لم تتعلم أى شىء».

من وجهة نظرى، فإن الصداقة الحقيقية هى محبة وونس وعزوة، وهى لا تعتمد على القرابة أو النسب وإنما هى مشاعر نبيلة والتقاء أرواح تآلفت وتقاربت وكونت علاقة راقية تجمع بين شخصين يكون كل منهما سندًا وداعمًا للآخر فى أوقات الفرح كما فى الأوقات الصعبة، فإذا كان لك صديق حقيقى أو أكثر فاحرص على الحفاظ عليه، لأنه عملة نادرة فى زمن عزت فيه المشاعر الصادقة، ودعونا بمناسبة يوم الصداقة العالمى نحتفل بأصدقائنا ونتواصل معهم ونوثق من أواصر الصداقة بيننا وبينهم.