رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما يحدث هذا لمصلحة من؟

من القضايا التاريخية والمصيرية التى تمثل خطورة حقيقية على مصر وشعبها طوال التاريخ دون مبالغة، قضيتا مياه النيل والعلاقة الإسلامية المسيحية.
وإذا أخذنا القضية الثانية على أرضية وطنية وموضوعية وبروح دينية نقول: إن هذه العلاقة دائمًا وأبدًا يتم استغلالها خارجيًا من كل القوى الاستعمارية التى تهدف إلى احتلال مصر واستغلال مقدراتها البشرية والمادية لصالحها مع تعدد وتنوع الصور الاستعمارية، ودائمًا يكون محور هذا الاستغلال تلك النظم الحاكمة التى كانت تفرق بين المصريين على أساس الدين بداية من حكام غير مصريين حكموا مصر باسم الإسلام وباسم الحكومات الإسلامية فى الوقت الذى لم يطبق هذا الحاكم وتلك الحكومات أى قيمة دينية إسلامية أو إنسانية.
ولكنه كان ولا يزال هو استغلال الدين، هنا وجدت تلك القوى الاستعمارية الفرصة للعب بورقة العلاقة الإسلامية المسيحية عن طريق التدخل الأجنبى فى الشئون المصرية بحجة حماية المسيحيين، وكان هذا التدخل يتم دائمًا على أرضية استغلال الاضطهاد الواقع عمليًا على الأقلية العددية المسيحية، فكان دائمًا طرح وتأجيج شعار (فرق تسد).
كان من الطبيعى أن تنتج هذه السياسات وتلك الممارسات مناخًا طائفيًا ينتج سلوكًا طائفيًا يؤدى بالطبع إلى فرز طائفى، هذا الفرز (مسلم ومسيحى) كان قد ترسب وترسخ فى الضمير الجمعى الشعبى المصرى، وبالرغم من أن هذا المناخ وذلك السلوك هو نتاج صراعات مجتمعية  نتيجة لمعطيات وعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية أسست وجذرت هذه العلاقة التى يستفيد منها المستعمر، ولكن وللأسف الشديد كان ولا يزال يستفيد أيضًا من هذا الموروث الاجتماعى وليس الدينى كل تجار الدين على اختلاف مسمياتهم على الجانبين الإسلامى والمسيحي. 
فهل هذا المناخ وذلك الصراع وهذه السلوكيات من صميم الدين؟ أى هل أن المقاصد العليا للأديان والمقاصد الإلهية لتلك التعددية الدينية هى السبب؟ أم أن الأسباب الأساسية والحقيقية هى صراعات وتعالٍ اجتماعي وتمايز طائفى وموروث عائلى يتم التمسك به مثل التمسك والافتخار باسم العائلة والانتماء إلى القبيلة. فمن باب أولى الإظهار والافتخار كل منهم بدينه خلطًا شديدًا بين الدين بقيمه العليا والجليلة وبين ذلك الموروث الاجتماعى الخاطئ والمريض؟
ولذا نجد ازدياد المناخ التدينى الشكلى وليس الدينى الإيمانى الصحيح، فالجميع هنا وهناك يتشدقون بالمظاهر الدينية الشكلية التى لا علاقة لها البتة بالسلوك المناقض كل التناقض لهذا الشكل التدينى! هنا غرقنا وغرق المجتمع فى هذا الشكل الذى ظهر فى إطار التفرقة فى الملبس وفى التعبيرات اليومية التى يتم التعامل بها بين المصريين (فهذا تعبير إسلامى وذاك مسيحى).
وجدنا الشعارات التمييزية على كل المستويات أسماء المحلات التجارية، أسماء المواليد، الشعارات الطائفية على وسائل المواصلات (سيارات، تكاتك.. إلخ) محاولة خلق عادات وتقاليد تأخذ السمة الدينية تمايزًا واختلافًا مع الآخر، كما أننا نجد أن هناك البعض الذى استملح التمسح بالشكل الدينى كلامًا وشعارات، وكأنه من الأولياء والقديسين الذين يدافعون عن الدين وكأنهم هم من يدافع عن الدين الذى يحفظه الله وحده.
فى نفس الوقت فهذه الممارسات ترضى غرورهم الذاتى والعائلى والاجتماعى، حيث إن هذا المظهر أصبح الآن يجمع الإعجاب والتعليقات على الفيس التى ترضى هذا الغرور، نتيجة لهذا المناخ وجدنا من يدخل فى صراعات وملاسنات دينية وهى لا علاقة لها بأى دين.
ولكن لها علاقة بإثبات الذات المريضة أو إرضاء للنفس التى تتعامل مع الدين فى إطار الشكل الذى يستغل العاطفة الدينية لكى يظهروا وكأنهم الأبطال المدافعون عن الدين، ناهيك عن المكاسب المادية التى يحصلون عليها بصورة أو أخرى من دول تقوم بدور تخريبى وباسم الدين هنا وهناك. فهل الأديان وهل الله سبحانه وتعالى الذى خلق الإنسان وأوجد الأديان وأراد التعددية يرضى بهذا الصراع الدينى الذى يسىء إلى الدين؟ كيف؟ لأن الله أراد تعدد الأديان وهذا وارد فى الكتب الدينية، (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا) (لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) (ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا)، وفى الإنجيل (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم) وهذا يعنى أن من الطبيعى أن يكون هناك مسلم ومسيحى وبوذى وهندوسى.. إلخ.
هل أراد الله من هذه التعددية الصراع الدينى بين أصحاب الأديان؟ بالطبع لا، لأن حكمة الأديان ومقاصدها العليا رغم الاختلاف العقيدى بينها تدعو للسلام والتعاون والتعارف، إذن إذا كنا نؤمن بهذه التعددية هل من حق أحد أن يصارع من يختلف معه فى الدين؟ لا لأن (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
هل من حق أحد محاسبة الآخر والحكم عليه بالجنة أو النار؟ لا ولا  (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد).
هل كل من آمن بدين لمجرد هذا الإيمان فقط سيدخل الجنة أو السماء؟ (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا).
هل الاختلاف الدينى يجعلك تقاتل وتتخلص من كل مختلف معك دينيًا؟ (إنما ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). أما على الجانب المسيحى فالموعظة على الجبل السيد المسيح فقد كانت دليلًا مرشدًا للإنسانية فى التعامل الإنسانى الراقى والمثالى مع كل البشر بلا تفرقة وكان الملخص فى تلك القاعدة الذهبية (حبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم).
والغريب ودليل على ذلك الصراع الدينى المختلق والمتاجر به زورًا وبهتانًا وجدنا الشيخ عطية يختلق صراعًا بين الإنجيل والقرآن، ويعتبر أن الحديث عن الموعظة على الجبل تقليل من القرآن الكريم! مع العلم أن فى المعتقد الإسلامى أن القرآن هو تكملة لعقيدة الألوهية فى التوراة والإنجيل، كما أن فضيلة الشيخ الطيب له حديث رائع عن تلك الموعظة.
على كل الأحوال هذا التلاسن وذلك الصراع المختلق لا يليق بالأديان ولا بواجدها الأعظم ولا يفيد مصرنا الغالية التى تحتاج من الجميع التوحد والتماسك والتمسك بصحيح الأديان واحترام عقائد الآخر.. هكذا أراد الله.
حمى الله مصر وشعبها العظيم ودائمًا مصر لكل المصريين.