رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بديهيات مش بديهيات

من فترة كدا كنت بـ أذاكر مع منى بنتي لغة عربية، منى عدت عشر سنين، بعد ما شرحت لها نقطة، قالت لي: إنت يا بابا مناسب كـ مدرس لغة عربية، ليه ما اشتغلتش كدا؟
الواقع، إنه السؤال دا شاغلني جدا، لـ إني فعلا اشتغلت مدرس لغة عربية 20 سنة، منهم عشر سنين منتظم في مؤسسة، وكانت هي دي شغلتي الرئيسية، يعني أكتر من 40% من عمري، كنت أعمل هذه المهنة.
لما بنتي سألتني السؤال دا، اندهشت في البداية: هي إزاي ما تعرفش المعلومة دي؟
دي بنتي الكبيرة، ومن ساعة ما اتولدت وإحنا علاقتنا ممتازة ممتازة، وبـ نتكلم في كل حاجة، إزاي ما تعرفش عني معلومة رئيسية زي دي؟
كما إنه لولا إنها بـ الصدفة قالت التعليق دا، بـ الطريقة دي، كان ممكن تفضل مش عارفة.
كلامي هنا مش لـ إنها معلومة مهمة أو خطيرة، أو ذات دلالة فظيعة، لكنها معلومة "رئيسية"، المفروض إنها بديهية في حياتي.
ثم إني اندهشت من اندهاشي، وقلت لـ نفسي: ويعني هي هـ تعرف منين؟ لو أنا ما قلتلهاش المعلومة دي بـ شكل مباشر وقصدي، مهما كانت "بديهية"، تعرفها منين؟

مش بـ أحكي لـ حضرتك قصة شخصية. القصة دي هـ تنسحب معايا لـ العموم:
فيه معلومات كتير كتير كتير تخصنا كـ أشخاص وكـ بلد، وكـ قافة وهوية، بل وتخص العالم كله، المعلومات دي مش بـ ننقلها لـ أولادنا بـ افتراض إنها "بديهية"، وأكيد هـ تنتقل لهم من هنا أو هناك: هـ يسمعوها/ هـ يقروهاهـ يلاقوها في أي حتة.
إنما دا مش بـ يحصل، وكتير بـ نتفاجئ إنه ولادنا مش عارفين معلومات أساسية، رغم إنهم مش جهلة ومش أغبيا، لـ ذلك بـ نلاقي مطربين كبار كونوا جزء من وجداننا، ملحنين/ شعراء/ أدباء/ علماء/ سياسيين/ مفكرين/ إلخ إلخ الشباب مش عارفين حتى أساميهم، مش بـ أقول لك عندهم الحد الأدنى من المعرفة بيهم، لأ مش عارفينهم أصلا.
كمان أحداث كبرى، ومعلومات جغرافية بسيطة، ما يعرفوش عنها حاجة، لـ إننا ما اهتميناش نقولها لهم.
من ساعة ما منى سألتني السؤال دا، وأنا بـ أجيب منى وأختها  جنبي على طول، إن شا الله ربع ساعة كل يوم، عشر دقايق، أو حتى وإحنا ع الغدا:
أكلمهم بـ قصد عن "معلومة أساسية": سيناء/ النوبة/ حرب أكتوبر/ 23 يوليو/ الحرب العالمية الأولى والتانية/ أم كلثوم/ محمد عبدالوهاب/ شفيق جلال/ توفيق الحكيم/ صلاح عبدالصبور.. المتنبي .. إلخ إلخ.
وعلى قد ما يفهموا ويحصلوا، مش هـ أمتحنهم يعني في الكلام دا، بس مهم الحاجات دي تبقى في ودانهم.
بـ أي صيغة مش مهم، بـ أي رأي، بـ أي انطباع، مش دي النظرية، وحتى لو هم ما ركزوش فيها بعدين، ولو اختاروا يهتموا بـ حاجات تانية، أو يركزوا مع حاجات ويسيبوا حاجات، هم واختياراتهم بقى.
إنما البديهيات يا إخوانا مهمة، المعلومات الأساسية، أساسية، ولو ما نقلنهاش إحنا مش هـ تنتقل ذاتيا، أو خلينا نقول وارد ما تنتقلش ذاتيا، والله الموفق والمستعان.