رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يحافظ الآباء والأمهات على أطفالهم من أفلام «والت ديزنى»؟

جريدة الدستور

الأديان السماوية تُحرّم هذا السلوك وتعتبره ضد الفطرة

تعريض الأطفال لجرعة مكثفة من المشاهد المثلية يؤثر فى أفكارهم ويحدد توجهاتهم الجنسية

كانت البداية فى فيلم "الجميلة والوحش"، الذى ظهر فى أفلام "والت ديزنى" ٢٠١٧، حيث ظهرت مشاهد قصيرة جدًا تمثل علاقة مثلية، وتكرر إنتاج عدد من الأفلام فى نفس الشركة التى تعتبر من أكبر شركات إنتاج الأفلام الكرتونية، وهنا طلب عدد من الدول حذف المشاهد المثلية قبل عرض تلك الأفلام على أراضيها، وهى على سبيل المثال السعودية ومصر وقطر والإمارات والصين وغيرها، ولكن الشركة المنتجة كانت ترفض ذلك على الرغم من الخسائر الاقتصادية التى تلحقها بسبب هذا الموقف. 

ثم كانت المفاجأة حيت تم تداول فيديو لـ"كيرى بورك"، رئيسة المحتوى الترفيهى لشركة ديزنى، تؤكد فيه أن هناك نية فى الشركة لإنتاج وتحويل نحو ٥٠٪ من الشخصيات الكرتونية، التى تظهر فى أفلام ومسلسلات الكرتون الخاصة بديزنى بنهاية عام ٢٠٢٢، إلى شخصيات مثلية الجنس، كمحاولة لدعم مجتمع المثليين والعابرين والمتحولين جنسيًا ومزدوجى الهوية الجنسية. وهنا اتضح أن الأمر سياسة معلنة للشركة ربما بتوجيه وضغط من اللوبى المثلى قوى التأثير فى المجتمعات الغربية بحجة أن المثليين يشكلون أقلية مضطهدة فى كثير من المجتمعات، خاصة المحافظة منها، وأنه مطلوب تطبيع هذه المجتمعات مع السلوك المثلى، بحيث يشعر المثليون بالتقبل، بل وحتى بالفخر وهم يعلنون عن ميولهم وممارساتهم الجنسية.. وقد حدث شىء مماثل على شبكة NETFLEX، حيث تظهر المشاهد الجنسية المثلية فى أكثر من ثلث الأعمال المعروضة على الشبكة، وكان هناك أيضًا إصرار على ظهور الأعلام الممثلة لمجتمع المثليين فى الأحداث الرياضية الكبرى كمباريات كرة القدم، وفرض على اللاعبين الدوليين فى بعض الأندية أن يلبسوا "فانلة" عليها شعار المثليين، وحين رفض بعضهم قُدم للتحقيق بدعوى أنه يعادى المثليين ويتخذ موقفًا عنصريًا منهم، على الرغم من أن قوانين "فيفا" تمنع ظهور أى علامات أو إشارات فئوية أو طائفية أو عرقية أو سياسية فى الأحداث الرياضية، إلا أنها تكسر هذه القاعدة تحت ضغط اللوبى المثلى ومن يساعده، وتكون الحجة دائمًا هى الدفاع عن حقوق فئة المثليين كأقلية وسط المجتمع الدولى والإنسانى. 

وعلى الجانب الآخر، شعر الآباء والأمهات بالصدمة من هذا التصريح، وشعروا بالقلق الشديد من تعرض أبنائهم لهذا المحتوى، ليس فقط فى الشرق المحافظ، ولكن أيضًا فى كثير من الدول الآسيوية وفى المجتمعات الغربية، فعلى الرغم من علو صوت لوبى المثليين إلا أن نسبة الجنسية المثلية فى المجتمعات حوالى ٢٪، وليس من المنطقى أن نسبة قليلة هكذا تفرض ثقافتها وممارساتها على سائر المجتمع الإنسانى الذى ربما لا يرغب فى الدخول فى هذه المساحة بناء على اعتبارات دينية "الأديان السماوية الثلاثة الكبرى تحرم هذا السلوك وتعتبره ضد الفطرة" أو أخلاقية أو ثقافية.. وإذا كان دعاة الحرية يتنادون بحرية ٢٪ من البشر فلا يجب أن يكون ذلك انتقاصًا من حرية ٩٨٪ منهم لا يرغبون فى تعرض أبنائهم لمحتوى جنسى "سواء المثلى أو الغيرى" فى أفلام الكرتون، وهذا يتماشى مع الرأى العلمى بعدم فتح الملفات الجنسية للأطفال فى سن مبكرة، وأيضًا للقواعد الإعلامية العالمية بالتنبيه على بعض المواد الإعلامية أنها "+١٨" حتى لا يتعرض لها الأطفال، فكيف الحال إذا كان ٥٠٪ من محتوى أفلام الكرتون التى تنتجها ديزنى سيكون عن مشاهد جنسية مثلية. 

ومن المعروف أن تعرض الأطفال لهذه الجرعة من المشاهد المثلية يؤثر فى أفكارهم وفى تحديد توجهاتهم الجنسية، لأن نفوسهم تكون فى مرحلة التشكل، وهذا سيوسع من انتشار سلوك الجنسية المثلية، وهو سلوك- رغم حذفه من تقسيمات الاضطرابات النفسية تحت ضغط اللوبى المثلى- إلا أنه ما زال يرتبط بأمراض مصاحبة عالية، مثل زيادة نسب الإصابة بالأمراض الجنسية وعلى رأسها الإيدز، والاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب، واضطراب العلاقات حتى فى البلدان التى لا تمارس أى تمييز ضد المثليين بل وسمحت لهم بالتعبير الحر عن وجودهم.. وهذا لا يعنى تمييزًا عنصريًا ضد المثليين بقدر ما يعنى حماية الأطفال من محتوى جنسى غير مناسب لهذه المرحلة من العمر. 

وقد أدت محاولات الفرض القسرى للثقافة الجنسية المثلية على سائر المجتمع أن قامت مجموعات من الناس بالتحذير من أفلام ديزنى التى كانت مصدر تسلية مهمًا لأبنائها، كما تم اعتبار أن هذا المسلك يخالف مهنية الإعلام بعدم مراعاة احتياجات واحتياطات وحقوق خاصة بالفئة العمرية للأطفال.

وهنا يأتى السؤال: هل مشاهدة الأطفال الأفلام الكرتونية لوالت ديزنى تؤدى إلى تحولهم للجنسية المثلية؟.. والإجابة هى أن الجنسية المثلية الأصلية تحتاج لتكامل العناصر التالية لكى تظهر:

■ طفل شديد الحساسية.

■ أم متشبثة بطفلها ولا تسمح له بالحركة نحو أبيه، وقد تشوه صورة الأب.

■ أب ضعيف أو رافض أو بعيد أو مشوه أو كثير الانتقاد للابن.

■ يأنس الطفل بعالم النساء ويجالسهن ويندمج معهن، ويتصرف مثلهن، ولكن يظل بداخله حنين شديد إلى أب عطوف متقبل وإلى رجل يكتمل به ويعطيه الحب والحنان.

■ يتعلق الطفل تعلقًا شديدًا بمدرسيه أومدربيه أو أصدقائه الأكبر سنًا.

■ يتلوث الشعور بالحاجة للحب والحنان من نفس الجنس بالرغبة الجنسية فيما بعد.

وهذه الظروف المذكورة آنفًا تشكل العوامل الأولية لظهور الجنسية المثلية، أما العوامل الثانوية التى تشجع أيضًا على السلوك الجنسى المثلى فهى معايشة المجتمعات المثلية فى الواقع الحياتى أو الواقع الافتراضى "كافيهات وبارات ونوادى المثليين، والأفلام الكرتونية والمواقع الجنسية لهم"، حيث تفتح مسارات للاستمتاعات الجنسية المثلية ربما لم يكن ينتبه إليها الطفل فى أحواله العادية، فيدخلها على سبيل التجربة ويتعود عليها وقد يدمنها.. إذن فأفلام "والت ديزنى" ذات المحتوى الجنسى المثلى تشكل عاملًا ثانويًا لانتشار السلوك المثلى، أما العوامل الأولية فهى تكمن فى البيت من خلال اضطراب العلاقات بين الطفل وأبويه، خاصة لو كان هذا الطفل بتكوينه الجينى شديد الحساسية، ويضاف إلى ذلك عنصر آخر وهو التعرض لاعتداء جنسى فى الطفولة، هذا بالنسبة للذكور، أما بالنسبة للإناث فالسبب الأساسى هو اضطراب العلاقة بالأم إضافة إلى تحرش أو اعتداء جنسى فى الطفولة.

والخطورة أن بعض الأطفال الذين يعيشون ظروفًا أسرية مضطربة، ولكنها لم تصل إلى حد تثبيت السلوك المثلى، قد يعانون فى فترة الطفولة والمراهقة بعض التوتر والتخبط فى الميول الجنسية، وفى هذه الظروف إذا وجدوا خيار المثلية أمامهم سهلًا ومقبولًا فإنهم يتوجهون إليه فورًا. 

وهناك نسبة من الناس قد تلجأ إلى الممارسات المثلية كنوع من التنويع والتغيير والتجربة، خاصة إذا تم التطبيع مع السلوك المثلى من خلال أفلام تُظهر السلوك المثلى ليس فقط على أنه متقبل فى المجتمع بل بشكل يثير الإعجاب والتقليد. 

والأطفال كعادتهم فى هذه السن يُعجبون بأبطال الأفلام ويتعاطفون معهم ويقلدونهم ويعتقدون أن ما يفعلونه هو الصواب، والطفل فى هذه السن غير قادر على التمييز والاختيار ولهذا سيحاكى ما يعرض عليه دون وعى بعواقبه. 

ونتيجة لمحاولات التطبيع، وعرض السلوك المثلى بصور تدعو للإعجاب والتعاطف، فقد زادت أعداد المثليين فى مدارس كندا وأمريكا بأعداد غير مسبوقة مقارنة بسنوات طويلة مضت لم يحدث فيها ذلك التطبيع والتجميل لصورة المثلية. 

والسلوك المثلى قد يبدأ بالحب والتعاطف لدى الأطفال مع الشخصيات الكرتونية التى تعرض المثلية فى صورة مألوفة أو براقة، ومع التكرار يحدث شغف وحب تجريب، ومع التجربة يحصل تعزيز ثم يتثبت السلوك. 

وهكذا تصبح شبكة ديزنى، وما تعرضه من مواد، شبكة غير آمنة للأطفال. 

وفى ولاية فلوريدا صدر قانون يمنع عرض ثقافة المثليين فى المدارس، وتبعتها عدة ولايات أمريكية أخرى على اعتبار حق الطفل وحق أسرته فى عدم تعرضه لمثل هذا المحتوى، وهناك أكثر من ٧٠ دولة تمنع انتشار الجنسية المثلية، على رأسها روسيا والصين، ففى روسيا قانون يمنع زواج المثليين، أى أن دول الشرق الأوسط ليست هى الوحيدة التى تمنع نشر الثقافة المثلية، ولكن كثيرًا من المجتمعات الشرقية والغربية تمنع ذلك، خاصة فى المدارس وفى المواد الترفيهية التى تعرض على الأطفال؛ لعلمها بأن الطفل يتأثر بما يراه ويحاكيه دون وعى منه بآثاره. 

وإذا افترضنا حسن النية، فإن شبكة ديزنى تريد أن تؤكد فكرة المساواة عند الأطفال وتمنع التنمر والاضطهاد للمثليين من خلال تطبيعهم مع السلوك المثلى، لكن هذا قد يفتح مسارات للممارسة المثلية كنوع من التقليد أو التعلم بالنمذجة لدى نسبة من الأطفال، والأفضل أن يتم تعليم المساواة وعدم التنمر وعدم التمييز كمبادئ عامة وحقوق للبشر جميعًا وللأقليات على وجه الخصوص، دون التطبيع مع المثلية.

من هنا يبدو أن الابتعاد عن المواد التى تنشر المثلية للأطفال مهمة حتى لا يزيد انتشار السلوك الجنسى المثلى، خاصة أن الأديان السماوية الثلاثة تحرّم هذا السلوك، وأن الثقافة العربية وثقافات أخرى كثيرة فى العالم لا تستسيغه، وهذا قد يجعل إدارة الشبكة تعود عن إصرارها على هذه السياسة خاصة للأطفال. ومن المفارقات أن سياسة ديزنى ونتفليكس تنص على عدم ظهور شخصيات مدخنة أو مدمنة أو منتحرة لعدم التأثير على الأطفال بإعطاء نموذج، بينما فى المقابل تفرض ظهور شخصيات مثلية للتطبيع معها. وهذا لا يعنى بالضرورة الهجوم على المثليين أو اضطهادهم لأن هذا يؤدى إلى تعاطف المراهقين والشباب معهم، وربما التماهى مع سلوكهم مكايدة للمهاجمين الذين ينظرون إليهم على أنهم متخلفون وعنصريون يضطهدون الأقلية المثلية. والأهم من ذلك توعية الآباء والأمهات بالعوامل التى تشكل البنية الأساسية لتنامى السلوك الجنسى المثلى، وهى عوامل موجودة داخل بيوتنا من غياب الأب أو ضعفه أو تشويه صورته بواسطة الأم واحتضان الطفل فى وسط أنثوى يتماهى فيه مع النساء، وتعرضه للنقد الشديد أو القهر من الأب، أو تعرضه للتحرش الجنسى.