رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتحاد الأوروبى.. ومقترحات «بوريل»: إيران لن توافق على الاتفاق النووى

ما بين إيران وأوروبا، وللدقة بين العالم، مساحة من العجز والانهيار السياسي، ظهر ذلك فيما أعلنه كبير المفاوضين الإيرانيين "علي باقري" من إن نقاشات بناءة وجادة جرت خلال الأسبوع الماضي مع الأطراف الأخرى (....) بشأن مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي.

يأتي كلام "باقري" تزامنًا، مع ما يثيره مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيف بوريل "عندما كشف عن مسودة نص جديد لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، وأنه لم يعد هناك مجال لمزيد من التنازلات الكبيرة.
عمليًا، كشف" بوريل"، عن مخاوف عميقة يعنيها الاتحاد الأوروبي، نتيجة متاهات وتشعبات الملف النووي الإيراني؛ ذلك أن الحرب الروسية الأوكرانية، ونقص الطاقة وانقطاع سلاسل الإمداد الغذائية والانهيار الاقتصادي العالمي، أحرج الولايات المتحدة وحلف الناتو، فيما جعل صورة إيران في العالم، تبدو غير منحازة إلى أي تفاوض بموجب الرؤية التي تريدها الإدارة الأمريكية، وإسرائيل ودول إقليمية متباينة الاتجاهات والسياسات.

*اللعبة الإيرانية 
إيران تلعب لعبة سياسية مختلفة، جيوسياسية، وأمنية لها أبعادها الخطيرة، إذا ما استمرت تداعيات الحرب في أوكرانيا، ورسميًا، ترى "إيران السرية" أن المنسق الأوروبي قدم أفكاره بشأن كيفية إتمام المفاوضات، وفي المقابل، لدى إيران أفكارها الخاصة لإتمام المفاوضات من حيث الشكل والمضمون، وأنها ستقدمها، وهي ذات الأفكار التي تتداول عبر طاولة المفاوضات بين عواصم العالم من فيينا إلى الدوحة، ومن طهران إلى موسكو وإسطنبول، فما تقوم به إيران، يعكس اهتمامها بالرؤية العسكرية الأمنية، ونفوذها المشبوه حول دول المنطقة والإقليم والعالم.

*بوريل.. واتفاق عام 2015
" بوريل" قدم مبادرة، أفصح عن جوانب منها، تبدو من شكليات التفاوض، قال في مقال نشر  بصحيفة فاينانشال تايمز: "لقد وضعت الآن على الطاولة - غالبًا هناك طاولة- نصًا يتناول بالتفصيل الدقيق رفع العقوبات، بالإضافة إلى الخطوات النووية اللازمة لاستعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة"، في إشارة إلى اتفاق عام 2015.

مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يعيد تسليط الأضواء،  على المفاوضات ومدى استقرارها، ينظر إلى الأزمة من زاوية مختلفة، ليس فيها أي جدية، أو تأكيد وقال: "بعد 15 شهرًا من المفاوضات المكثّفة والبناءة في فيينا والتفاعلات التي لا تُحصى مع المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة والولايات المتحدة، خلصت إلى أن المجال أمام تقديم تنازلات إضافية مهمة قد استنفد".

*البحث عن وقت 
الوقت ينفد أمام استعادة العمل بالاتفاق الذي حدّت إيران بموجبه من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يناقش مع إيران مخاوفه التي تذهب "أبعد من قضية النووي، مثل حقوق الإنسان وأنشطة إيران الإقليمية"، ويحرص على القول:
"حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية سريعة لإنجاز مفاوضات فيينا، على أساس النص الذي اقترحته، والعودة على الفور إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة". 
يراوح "بوريل" بين لحظة الكتابة وبيان المقترحات، ويعلن من طرف واحد:
"إذا تم رفض الاتفاق، فإننا نخاطر بمواجهة أزمة نووية خطيرة مع احتمال زيادة عزلة إيران وشعبها".

*طهران واشنطن 
وزارة الخارجية الأمريكية، عبر الناطق الرسمي "نيد برايس" الذي حاول الرد على ما يحدث بقوله: إن واشنطن تراجع "مسودة التفاهم" التي طرحها بوريل، وسترد مباشرة على الاتحاد الأوروبي، فيما تراقب دول أخرى عدا إيران، ما يحدث، وأقصد هنا دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي وجدت في الاقتراح الأوروبي، فرصة لإبراز دورها في  محاولة مواجهة إيران،  لهذا  حذر وزير الدفاع بيني جانتس من أن إحياء اتفاقية عام 2015 مع القوى العالمية لكبح الأنشطة النووية الإيرانية لن تكون سوى تكتيك للتأخير، وزعم أن إسرائيل يمكن أن "تلحق ضررًا جديًا بالبرنامج النووي وتؤخره".

*أفضل صفقة ممكنة.. دائمًا 
فن التفاوض، بحسب السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، يشدد على أن الاتفاق مع إيران المطروح الآن على الطاولة هو أفضل صفقة ممكنة.
 وعادة ما يكون "بوريل" مدافعًا ومجادلًا بأن استراتيجية استخدام العقوبات القاسية ضد النظام الإيراني فشلت، ويقول إن أطراف المحادثات لديها مسئولية مشتركة لتوقيع الاتفاقية.

*المقال والمسئول والاتفاق 
تداعيات ما كتب  مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ومقاله في صحيفة فاينانشيال تايمز، وأنه قدم [مسودة نص اتفاق]، بشأن برنامج إيران النووي، وحث الأطراف على قبوله أو "المخاطرة بحدوث أزمة نووية خطيرة"، إشكالية دبلوماسية، ربما جرى توقيتها، لأن  الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وربما أغلب العالم، لم تعد ترى جدية من إيران، بل تملص، بشكل دائم.

 حاولت صحيفة فاينانشيال تايمز،  من المسئول الأوروبي، والاتفاق والمقال، صنعت صورة إعلامية للحدث، المقصود في اللحظة القول:
"إنه بعد أكثر من عام من المفاوضات ، توصل الطرفان إلى "أفضل صفقة ممكنة أرى أنها ممكنة، بصفتي ميسرًا للمفاوضات"، وأن "مساحة التنازلات الإضافية المهمة قد استنفدت".
*ماذا عن اتفاق عام 2015

 جيوسياسية الأمن النووي، كانت واضحة منذ بداية ملاحقة نووي إيران وأذرعها المنتشرة في كل مكان، سياسيًا واقتصاديًا ودينيًا طائفيًا، وقد منحت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA) إيران تخفيف العقوبات مقابل قيود على برنامجها النووي لمنعها من الحصول على أسلحة نووية وهو هدف تنفيه إيران. انهار الاتفاق بشكل مطرد بعد أن سحبت إدارة ترامب الولايات المتحدة في عام 2018 وفرضت عقوبات صارمة على إيران - وهي خطوة أيدتها، دول أوروبية وشرق أوسطية ودول آسيا الوسطى، التي بدأت الآن تحرض إيران على الخروج من المفاوضات، وتحديدًا دولة الاحتلال الإسرائيلي.

برغم ما حاول بوريل أن ينبه له، والواضح أن اللعبة الإيرانية، وغالبًا بدعم من روسيا، قد تلجأ إلى رفض المقترح، دون أية إشارات مرجعية، ذلك أن المقترح، فتح الغرب على التأويل العسكري، والتكتيكي النووي. 
 وما كتب هذا الدبلوماسي، أن المطروح (الصفقة).. غالبًا لن تكون ضمن أي مستوى من مستويات التفاوض، بالذات مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ودور إيران في بعض التفاهمات السرية بعد قمة طهران التي حضرها أردوغان وبوتين… لهذا نقول: "ليست اتفاقًا مثاليًا، لكنها تتناول جميع العناصر الأساسية وتتضمن تنازلات تم الحصول عليها بشق الأنفس من قبل جميع الأطراف".

أما عن احتمال حدوث "أزمة نووية خطيرة" إذا تم رفض الاتفاقية، فمن الآن، نقول عبر "الدستور"، إيران لن تقبل أي مؤشرات تفترض مساهمتها في أحداث الخطر النووي، أو أن  المشاركين في المفاوضات لديهم "مسئولية مشتركة" للتوقيع على الاتفاقية.
 الوضع حرج، وقد يجر المنطقة لحرب موازية لما يحدث في العالم من خراب وحروب وأزمات.