رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البشر العدميون واستعجال نهاية العالم

كل حدث قاس أو كارثي يجري على الأرض، يكمن فيه نفع ما مقدار انطوائه على خطر كبير طبعا، وفي تصوري أن أكثر نفعه يكون كشف طائفة من البشر يتصفون بالعدمية على اختلاف درجاتها، العدمية التي تناقض الوجود فلا قيمة للحياة ولا معنى لها عند العدميين.. يظهر الأمر بوضوح في تجليات هؤلاء بحيال النوازل؛ فأغلبيتهم يسوقون الأدلة على النهاية التي باتت وشيكة، ومهما تكن حقيقة الأمر ضد تصوراتهم حينذاك، فإنهم يغلِّبون رؤاهم القاتمة كأنهم يستعجلون النهاية فوق ما يستشعرون قربها!!
تفرط أقلامهم في التشاؤم، وتصنع أخيلتهم فيديوهات تحث الناس على الاستعداد لمواجهة الموت الأكيد القادم، ويشرعون في ممارسة البكائيات الندمية كأنهم فرقة موسيقية سوداء، كانت تنتظر عزف مقطوعتها الحزينة الأخيرة، وحانت فرصة العزف بجريان ما جرى على سطح الكوكب الأرضي المسكين..
المبالغة أساس حركتهم بلا ريب؛ فلو كان الجاري في الواقع حربا عسكرية مثلا فإنهم يعطونها بعدا دينيا يعزز جحيمها المحتمل، ولو كان خلافا دينيا بين عقيدتين، أو طائفتين من عقيدة واحدة، فإنهم يسلحون الطرفين المتنازعين تسليحا رهيبا فوريا، ويخلقون لكل طرف أنصارا، ويشيرون إلى دنو ساعة الملاحم الكبرى، وهكذا إلى أن يملؤوا القلوب رعبا، ويحولوا العالم بأسره إلى حوارات قليلة المنطق عظيمة الفوضى، يفضي فيها العارفون وغير العارفين بآرائهم وتوقعاتهم، وسط ذهول متابعين حكماء، تتسم تحليلاتهم بالأمانة والموضوعية، ولا يسعون البتة إلى تثوير الأحداث ولا تهييج الشعوب دون طائل..
إن البشر العدميين نتاج طبيعي للحالة الإعلامية العبثية التي اعتمدها أشرار نافذون عظيمو الثروات لتكون الباب الذي يدخل منه البشر إلى الوقائع؛ فكثيرون من الإعلاميين، بمقتضى تلك السياسات المريبة المعتمدة، عدميون من الأصل للأسف، وناشرو عدم، وحريصون على إنفاذه في النفوس، ومن المستحيل أن يتخلص العدميون المقلدون من عدميتهم بغير محو هذه الصورة الراسخة لقادة العدم الذائعين.. لقد ملك السحرة الصغار الآن نوافذ ككبارهم الذين علموهم السحر.. صاروا إعلاميين بالمثل، بعد أن تعددت الوسائل الإعلامية، ولم يكن مستغربا أن يسيروا في نفس المسارات، بالإضافة إلى أن التعقيدات العالمية، بشتى المجالات، أيدت وقوعهم في أسر العدم، وسلبت تفاؤلهم وحفاوتهم بالنهارات..
"الأشياء السيئة تحدث".. هذه العبارة يقول الأمريكان مثلها في أفلامهم السينمائية الباهرة الجذابة، وهي بديهية، ولكن متى كان هذا يعني استسلام البشر وذهاب طاقاتهم الإيجابية؟!
العالم مطالب بتغيير عاجل لمنظومته الإعلامية، طبيعتها وطريقتها، وسيجد مقاومة شرسة، لا محالة، من المتحكمين في مفاتيحها والمنتفعين باضطرابها وخللها؛ ولذا عليه أن يكون قادرا على التحديات وواثقا من الانتصار، وأما الأطفال الذين أدمنوا محاكاة العواجيز المخرفين، الأطفال الذين صارت عدميتهم معضلة تضاف إلى عدمية تشع من معظم الكائنات؛ فعليهم الإفاقة والاستقلال واستشراف خيرية المواسم والأيام!