رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إهانة لمحفوظ».. «مصممو أغلفة» يتحدثون حول مشروع «أديب نوبل»

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

الأديب الراحل نجيب محفوظ من الشخصيات المعرضة دائمًا؛ للحديث عنها سواء عن رواياته أو أغلفة كتبه، وقد أثير على مدار الأيام القليلة الماضية طرح أغلفة عدد من روايات الأديب، في نسختها الجديدة التي أصدرتها دار ديوان للنشر، الفائزة بحقوق الملكية الفكرية لأعمال أديب نوبل، غضبًا كبير داخل الأوساط الثقافية، وانهالت موجة من التعليقات حول الأغلفة؛ لتصفها بأنها غير لائقة بشخصية مثل أديب نوبل.

والأغلفة الجديدة جاءت لروايات مثل: اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، أفراح القبة، من ضمن باقي الأغلفة حيث يرى البعض بأنها لا تعبر عن مضمون الأعمال، ووضعت تلك الأغلفة في مقارنة من جانب الجمهور بين الأغلفة الجديدة، وأغلفة مكتبة مصر التي رسمها الفنان التشكيلي الراحل جمال قطب، وأغلفة دار الشروق التي قدمها الفنان الكبير حلمي التوني.

وعلى غرار ما حدث في أزمة أغلفة الأديب الراحل، «الدستور» تناقش خلال السطور القادمة تاريخ أغلفة الكتاب، ومراحل تطويرها، وهل أثرت التطورات على تدهورها أم تقدمها؟

مراحل تطور غلاف الكتاب

مما لا شك فيه أن غلاف الكتاب يحظى بمكانة خاصة، وله دور كبير وأساسي في الترويج للكتاب والمساهمة في بيعه ورواجه، ويعتبر الغلاف فناً قائماً بحد ذاته، بدليل المسابقات والمعارض التي تنظم لهذا الفن الاستثنائى، بل أيضا تعرض متاحف العالم نماذج لبعض أغلفة الكتب القديمة، ومرت تلك الصناعة بمحطات مهمة منذ اكتشاف الطباعة وحتى الآن. 

وترجع صناعة الأغلفة إلى القرن الثامن عشر، حيث كان الكتاب وقتها من المقتنيات الثمينة فى المكتبات المنزلية، وكانت الحاجة لتغليف الكتب بأوراق سميكة، من أجل حمايتها من التلف أثناء نقلها، حيث كانت تنُشر الكتب فى النصف الأول من القرن الثامن عشر كحزمة من الأوراق، وأحيانا كانت تتم حياكتها حتى لا تتطاير، وتوجد مجموعة من أغلفة الكتب القديمة فى المكتبة البريطانية ويعود تاريخها إلى فترة 1919.

ويعد أقدم غلاف موجود حاليا لكتاب «تقدمة الصداقة» وهو محفوظ فى مكتبة «بودليان» فى أكسفورد ببريطانيا، وغلافه من الحرير الأبيض المطبوع عليه باللون الأسود، ومزخرف من الأطراف.

وفي منتصف القرن العشرين رأت الدولة المصرية أن عملية طباعة الكتب والنشر بشكل عام في حالة فوضى شديدة، وأن الدولة تفتقد إلى عمليات الحصر الدقيق فأنشأت دار الكتب ولجأت إلى طريقة أرقام الإيداع وبطاقة الفهرسة الكتب؛ للقيام بعملية الحصر الدقيق، كما قامت بتعديل قوانين الملكية الفكرية بعد قيام ثورة 23 يوليو.

وعند الشروع في عملية أرقام الإيداع وبطاقات الفهرسة كانت مرهقة ولم تؤت ثمارها، ولكن بعد مرور عام واحد من العمل بها اكتشفت الدولة أهمية هذه العملية، حيث نجحت في حصر دقيق للكتب سنويًا. 

وفي ستينات القرن العشرين، ظهر تطور جديد في صناعة الكتاب، تخص أغلفة الكتب حيث كانت في هذه الفترة تعتمد صناعة الأغلفة على رسامي الفن التشكيلي، أو على المجلدات التي ينقش عليها اسم الكتاب، ويرجع الفضل إلى الفنان محي الدين اللباد أحد عمالقة الفن التشكيلي المصري‏،‏ فقد أحدث نقلة نوعية وثورة جديدة في عالم صناعة الكتاب، وأصبح رائد فن الأغلفة في مصر.

وأما في العصر الحالي، وبعد التطور التكنولوجي تطور عالم صناعة الكتاب تطورًا ملحوظًا في آخر 10 سنوات، فقد ظهر على الساحة العديد من مُصممي الأغلفة التي تساعد على عملية بيع الكتاب، وترويج للجمهور واستخدام برامج الفوتوشوب وغيرها من الوسائل الحديثة التي تساعد على سرعة وإنجاز الغلاف.

مؤهلات وقدرات فنية وتشكيلية

وحول صناعة الأغلفة، قال الفنان التشكيلي الكبير حلمى التوني: «لا أستطيع التعليق على صانعي الأغلفة لأني طرف فى المسألة، ولكن أقول أن صناعة الأغلفة ليست من الصناعات القديمة، ما حدث على كتب الأديب الراحل فهذه الأزمة مرفوضة تمامًا».

وأضاف في تصريحات لـ«الدستور»: «أن صناعة الأغلفة يعمل بها عدد محدود من الأفراد، ولابد لمن يعمل بهذا الفن أن يتمتع بعدد من المؤهلات منها: الثقافة العامة، أي لابد أن أكون مدرك حتى بطبيعة الكاتب، وانتمى له واقرأ عن حياته حتى استطيع التعبير عنه بشكل جيد».

وتابع: «أن من ضمن المؤهلات أيضًا القدرات الفنية والخبرة التشكيلية حتى يأتي المصمم بشئ جديد، فهى صناعة لابد أن يتولاها المؤهلون المتخصصون، والذين عندهم خبرة وممارسة طويلة في هذا المجال.. ونرى أن الذين يصنعون الأغلفة الآن ليس لهم دراية بها ولم يقرأوا تاريخ صناعة الأغلفة وكيف كانت البداية، وما حدث في أزمة نجيب محفوظ من المفترض أن يخرج بشكل أكثر تطورًا وليس بشكل تراجعي».

تحديات تواجه صناعة أغلفة الكتاب

ويري المصمم والشاعر يحيى وجدى، أنه ليس هناك تدهور في صناعة الأغلفة، بل الإصدارات زادت وبكثرة خلال الفترة الماضية، وهذا أدى إلى كثرة الأغلفة، لافتًا إلى أن هناك الكثر من المُصممين الرائعين على الساحة الثقافية، ومن ضمن هذه الأسماء: حلمى التونى، محمد أبو طالب، أحمد اللباد.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«الدستور» أن ما حدث في حالة الأغلفة فهو نوع من الاستسهال، واستخدام الفوتوشوب والبرامج عن طريق الأوبن سور، لذلك نجد حالات تكرار خلال الخمس سنوات مما أدى إلى اتهام البعض بالسرقة، وفى الأخر نجد أن الاثنين استقوا من نفس المصدر. 

وأشار إلى أن ما حدث فى مسألة أغلفة كتب نجيب محفوظ ليس له علاقة بالاستسهال، ولكن له علاقة بإهانة الكاتب والبحث عن سبيل للترويج والداعية والخروج عبر التريند، فقد كانت فكرة تصميم الأغلفة رغم قبحها، وهم يعلمون ذلك الهدف منه الدعاية الرخيصة. 

وأوضح أن هناك تحديات كبيرة تواجه أغلفة الكتب منها: عدم الانفاق على الكتاب والاسترخاص، وغياب العقلية الفنية واللجوء إلى البرامج الحديثة الفوتوشوب وغيرها، فهذا سبب نتج عنه خروج أفكار غير معبرة، ولكن أيضًا هناك أغلفة بسيطة ليس عليها كتابة ومعبرة جميلة.

تطورات هائلة في صناعة الأغلفة

بينما قال المصمم أحمد الصباغ: «ليس هناك تحديات كبيرة بالمعنى المفهوم في صناعة الأغلفة، ولكنها مرتبطة بسوق صناعة النشر، ويمكن تلخيصها في أن المصممين يستطيعون التطوير، وللمصمم مساحة واسعة من الابداع وما يحده فقط أحيانا دماغ الناشر، وأحيانًا المؤلف يحكمه، وأحيانا قلة جودة الطباعة تعود بالتصمم إلى الخلف قليلًا».

وتابع الصباغ: «أن الطباعة ليست دائما تلبي الجودة المطلوبة، وفى العموم لا يوجد تحديات بالمعنى المفهوم».

وأضاف في تصريحات لـ«الدستور»: «أن صناعة الأغلفة من وجهة نظري في تطور مستمر، والمصممين في السنوات الأخيرة يجددون، والآن نرى أغلفة مميزة مستخدم فيها كل التقنيات المتاحة، وبدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي بين أيادي المصممين، وتطور الطباعة وتطور خاص ومذهل بتطور التكنولوجيا والبرمجيات والجرافيك والفوتوشوب وخامات الورق».

وأشار إلى أنه هناك دور نشر كثيرة خلال الفترة الأخيرة أصبحت تهتم بالغلاف بشكل خاص، والذي يفرق من فترة لأخرى هو حجم التطور، مُضيفًا: «وفى رأيي الشخصي هناك تطور مستمر».

ونوه بأن هناك فقزات تحدث في تطور صناعة الأغلفة من آن لآخر، تدخل أشياء جديدة فى عالم الأغلفة مثلما حدث في دخول الفوتوغرافيا، وأحيانا تكون القفزات غير واسعة في التطور.