رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منى حلمي تكتب: عمر الخيام.. برىء أمام محكمة المتطرفين

القراءة في التاريخ تقول ان عمر ظاهرة التربص بالابداع الفني قديم جدا ..ومن ذلك ما حدث مع الشاعر الفليسوف عمر الخيام صاحب (رباعيات الخيام) الشهيرة.
وهو شاعر فارسى مسلم، جمع فى العلم والنبوغ بين الرياضيات والفلسفة والشِعر والفلك والأدب ، يفهم فى اللغة والتاريخ . 

هو من القلائل الذين شغفوا بالرياضيات وأبدعوا فيها بالنظريات والحسابات والمعادلات ، وفى الوقت نفسه كان قلبه مليئا بالشِعر والتأمل الفلسفى الحكيم، أزال الحاجز التعسفى المزيف بين النبوغ فى مجال مادى كله أرقام كالرياضيات وحساب المثلثات والجبر ، والفلك ، وبين مجالات ليست مادية مثل الشِعر والتفلسف. 

اتهموه بالفسق والانحلال والدعوة الى الفساد والمجون ، لأنه فى أشعاره وأشهرها بالطبع " رباعيات الخيام " ، تكلم عن الاستمتاع بملذات الحياة الفانية ، والتشبث باللحظة الحاضرة وعيشها بكثافة ومتعة لأنها هى الوحيدة المضمونة.

لكنهم لا يفهمون ولا يشعرون ولا يدركون ولا يتعمقون ولهم أغراض خبيثة تستخدم دائما قديما وحديثا وحتى الآن.

واتهموه أيضا بالالحاد لأنه فى أشعاره يتسائل فى أسى وربما تهكم فلسفى بديع ، عن معنى الحياة التى قذفنا اليها دون أن نُسأل ، والتى هى فناء فى فناء ، كما أنه قال أن الجنة والنار فى داخل ذات الانسان . 

هذا الفكر الجلاّد الذى يتبنى الوصاية على الناس ومنعهم من التنفس الطبيعى ، خطة مدروسة سياسيا وثقافيا ودينيا وأخلاقيا..

لقد كان عمر الخيام مسلما ، وفى أشعاره ما يثبت ذلك واضحا لا شك فيه.

لكنهم يريدون مسلما منغلقا ، متجهما ، شاعرا بالتقصير الدائم وعقدة الذنب فى حق الدين والله ، خائفا من السؤال والتفكير ورفض الموروث المعلب الجاهز ، لأنه يسحب سيطرتهم ومنابع ثروتهم ومكاسب تحالفهم مع الحكام .

هذا بالاضافة طبعا الى جهلهم وانعدام قدراتهم على الابداع والخيال والغوص فى أعماق الأشياء ، وافتقارهم الى أى مواهب فى أى مجال، الا فقط ترديد ما قاله الأقدمون ، السلف الصالح وغير الصالح.

من مقولات عمر الخيام التى أحبها : " لتشرب السم قدمته لك يد عاقل ، واسكب الدواء على الأرض من جهول ". وكم هى فى منتهى الواقعية ، لو تأملنا كيف العقلاء ولو من أعدائنا ، قد استخدموا عقلهم فى افادة البشرية ، وكيف الجهلاء ولو من أصدقائنا ، قد تسببوا فى ايذائنا معنويا وثقافيا وحضاريا.