رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياسر عبد اللطيف: التوزيع أهم مشكلات النشر الحكومي.. والشعور بالاغتراب سبب هجرة العقول (حوار)

ياسر عبد اللطيف
ياسر عبد اللطيف

قاص وروائي ومترجم وشاعر، أصدر 3 مجموعات شعرية من بينها "قصائد العطلة الطويل كما أصدر 3 مجموعات قصصية، أبرزها "يونس في أحشاء الحوت"، وحصل على جائزة ساويرس لكبار الكتاب، وحظيت روايته " قانون الوراثة" بشهرة كبيرة من جانب الكبار.

كما حصل على جائزة ساويرس مرة أخرى في فرع الأدباء الشباب 2005، وترجمت أعماله للإنجليزية والإسبانية، وترجم عددًا من الأعمال الأدبية من الفرنسية والإنجليزية، هاجر إلى كندا عام 2010 وبالتحديد مدينة إدمنتون بكندا، إنه الكاتب ياسر عبد اللطيف، أجرت "الدستور" حوارًا حول أعماله الأدبية والمترجة ومسيرته الثقافية وإلى نص الحوار.

◘ في البداية.. نود الاطلاع على آخر مشاريعك الأدبية؟

أعكف الآن على كتاب ليس قصصي، بل هو عن تجربتي كمترجم متجول في المؤسسات الديمقراطية الحكومية الكندية الماسة بالعمل سواء في القضاء أو غيره، فهى تسمى ديقراطية.

◘ ما هى المهام التي شعرت أنها لا بدّ أن يسلط الضوء عليها أو تدون في الكتاب؟

هناك العديد من القضايا المهمة، والمهام التي ينبغى إلقاء الضوء عليها وهى "إزاي المهاجرين عمومًا والعرب خصوصًا يتعاملون مع القوانين ومع الثغرات التي بها، وكيف يتعامل الكنديين الآخرين  بطريقة مختلفة مع القوانين والنظم عمومًا، ولاحظت أننا محترفين فى خرق القوانين بشكل غير متوقع، وهذا يرجع من وجه نظري إلى عدم الإيمان بالقانون، أوكيف تحتال عليه.

◘ لكن القصص البشرية ماذا عنها؟ فهل لم تغرك؟

هناك الكثير من النماذج المشرفة التي تعرضت إليها في الكتاب، واستعرضت جزءًا منها في محيط جولاتي.

◘ هل الكتاب يختص بالمهاجرين بشكل غير شرعي؟

فى الحقيقة لا، فهو يختص بالأفراد المقيمين بشكل قانوني، وكمترجم أشعر أن أغلبهم متحايل على القوانين، وملاحظ أيضا أن القوانين ليست ديمقراطية بشكل كامل، وأن هناك تحت النصوص الديمقراطية تنفيذ القانون الذي دائما ظلال الأفكار القديمة والعنصرية موجودة أيضا والقانون يبدو فى مظهره عادل جدًا وديمقراطي، لكن عند تنفيذه هناك ظلال الروح القديمة.

◘ برأيك ما هى أبرز ملامح جيل التسعينات؟ وما هى السلبيات والايجابيات التي توجد به؟

أهم ملامح التجربة كانت الأثر الشعري في جيل التسعينيات، هو جيل شعري من الأساس وأخطت جيلًا جديدًا في الشعر العربي وليس المصري فقط، وقصيدة النثر اتجاه معين داخل الشعر الإنساني بعيدا عن الإغراق في اللغة العليا والمزاجية والجماليات المفرطة التي كانت في جيل السبعينيات وتلاميذ دوريش.

أظن أن أهم شئ هو تلاشي التأثير القوى جدًا للشاعر محمود درويش، وأهم سمة هو الشعر في جيل التسعينيات، والحقيقة ليس فكرة وعى، لكنه نفور جمالي من هذه الطريقة وكانت مغرقة في اقترابها عن الحياة بشكل عام وفى حالة ترفع، والقصيدة أجنبية ليست في مفرداتها، لكن أجنبية عن الشعر العربي الكلاسيكى، فهي مغتربة بشكل قوى جدًا عن الواقع مالهاش منفذ على الحياة، فهى معالجة محض جمالية للشعر، وليس لها علاقة بأي شئ آخر، وجيل التسعينيات تمرد على ذلك ولم يعجبه الوضع.

◘ برأيك.. هل أنتم كجيل التسعينيات تبالغون فى الإحساس بالاغتراب أم ترونه طبيعيًا؟

سأتحدث عن وقت كنا فيه أثناء المرحلة الجامعية، كان هناك سيطرة شبه تامة للتيارات الدينية بينما التيارات السياسية الأخرى كان لها حضور رمزي جدًا سواء ناصرية أو وفد أو غيره، والجناح الآخر من الجيش الطلابي كله كان "طلاب النشاط" فى مقابل الجماعات الإسلامية، والجوالة كانت جزء منهم تحتمل تذهب للإسلامين وللأحزاب.

وكان طلاب النشاط  منفرين أكثر من الإسلاميين، كانوا مهتمين بالجانب الترفيهي أكثر، فهى تًدين تواجدنا فكان هناك تشويه للثقافة، والاغتراب تشكل في الحياة الجامعية فكنا قلة قليلة محبوسة في الثقافة والشعر، جسم غريب في البحر أو الجبل الطلابي الذي هو نصفه ذقون والنصف الآخر محب لمصطفى قمر.

◘ هل كان هناك فى محاولات لكسر هذا الحاجز على مستوى الكتابة من خلال التقرب من الجماهير أكثر؟

فى الحقيقة لا كنا قلة قليلة، وكنا نقرأ الأدب العربي والأجنبي.

جيل التسعينيات قرر أن يهاجر.. فهل صدفة أم الاحساس بعدم الانسجام في المجتمع؟

غالبًا متعلق بعدم الانسجام في المجتمع الذي تكون في لحظة الجامعة، معظم جيلنا هاجر بعد الجامعة مباشرة وبالعكس أنا اتوظفت وأكثر شخص كان لى علاقة بالواقع، وعملت تجربة في الإعلام المصري، وهاجرت بعد الأربعين عامًا وكنت على وشك مدير عام في مؤسسة حكومية وهاجرت لدوافع أخرى وليست دوافع اغتراب، وهاجرت لأسباب شخصية بحتة.

◘ هل كان هناك ترحيب بكم ومحاولة لإعطائكم مساحة كنوع من الاعتراف والتشيجع أم كان هناك تجاهل؟

على مدار مشواري الثقافي فى الكتابة لم أحاول أن أقدم كتاب لدار نشر حكومية فى الفترة التي كان النشر الحكومي بها هو الأساس، وكان هناك محاولات خاصة من ميرت.

◘ لماذا لم تحاول التقديم في النشر الحكومي؟

كنت أرى أن الموضوع خاضع لإدارات موظفين فى النهاية ممكن يأخرك أو يقدمك، وكنت أريد الاستقلال وبشكل عملى لم أحب طريقة توزيع الكتاب الحكومي، برجماتي بحت، كان عندي موقف من المؤسسة والموظفين، أشعر أن توزيع الكتاب أقرب لطريقة توزيع الجرائد، ويختفى بعد ذلك وهو غير موجود، فالكتاب في معاملته التسويقية ليس صحيفة، فلا يجب معاملته بشكل سيار، والكتاب يحتاج أن يكون فى مكتبة على الأقل ثلاث سنوات مثلا، طريقة غير مفهومة، وهذا أحد الأسباب الجانبية للعزوف عن النشر الحكومي.

◘ هل فكرت في العمل الصحفي خاصة مع انخراط الكتاب في فترة الثلاثينات حتى السبعينيات؟

بالفعل اشتغلت فترة في العمل الصحفي، سنة في دار الهلال وفترة في الجمهورية، لكن عندما جاءت فكرة التلفزيون استهوتني أكثر وعملت في المنوعات، لأن الصحافة كانت تحتاج معافرة فالدخول واقتحام مؤسسة للتعيين كان صعب.

◘ ألفت "قانون الوراثة" وبه جزء ذاتي و"موسم الأوراق العالية" تتحدث عن أمور كثيرة تخص الطبقة الوسطى والوضع المجتمعى والسياسي.. كيف ترى هذه التجربة؟

افتكر أنها كانت موجة مخدرات عالمية، نهاية الثمانيات كانت وقت غريب جدًا فى العالم كله، كانت بدايات جيل جديد، وفى السياسة كانت وقت راكد للغاية، وأتذكر أن الفترة التي كانت تسبق حرب الخليج كانت فترة ركود سياسي واقتصادى في مصر، فكان مناخ مشجع، ونذكر أنه لم يوجد هذا التضخم في القنوات للتنفيث عن التعبير الفنى أو الذاتي عموما للشباب، فكانت المخدرات طريقة تعبير، فليست فقط طريقة احتجاح أو غياب، نعم بها الغياب والتعبير والاحتجاج في نفس الوقت.

وأرى أيضا أن فترة الاتجاة للمخدرات فيها نوع من التمرد على الأبوة، فتعمل عكس ما يطلبه منك والده، وهناك ملمح أخر إننا جيل الأباء الغاربين في الخليج، أو الذين ماتوا مبكرًا، فهناك جيل تربى بلا آباء، ربتهم الأمهات والتجربة في الشارع والجامعة والمدارس فهذه سمة فى المجتمع المصري، وربما فكرة المخدرات كانت تحدى لفكرة الأب الغائب.

وأكثر كانت الميل لتجريب الجديد، والتمرد ووسيلة أيضا للتعبير عن الواقع، وترفيه أيضا ، فالطاقة الفنية التي تستخدم أثناء كتابة قصيدة فهذه خبرة تعيشها، أو شبه الخبرة الدينية التي يعيشها الشاب الإسلامي أو الصوفى سواء أخذ الفكر الجهادي رافض الفكر الواقعي أو الصوفى التسامى، ففيها نفس الملاح.

◘ فى نهاية التسعينيات بدأ يظهر نوع جديد من الكتابة التجارية"البيست سيلر" قمة النخباوية.. فهل هى رد فعل علي التسعينيات؟

هم غير منفصلين، فنجيب محفوظ عندما أرخ للطبقة المتوسطة ليس هم تاريخي فقط وإنما كان يوجد عنصر جمالي،  وبالعكس البيست سيلىر هى العولمة، جيلنا جيل التسعينيات كان البعض يرانا على أننا ظواهر عولمية، اننا أدب مترجم، فالبيست سيلر تيار عالمى، سلاسل المكتبات الكبيرة، سلاسل إصدارات الروائية، مكتبة جرير والمكتبات الأمريكية والتنمية البشرية، فهى تعد اتساع رقعة الروايات تحديدًا وليس الأدب بشكل عام.

لكن الروايات كنوع من الترفيه، وهذا بدأ فى الألفنيات، وهى رواية الموضوع مثل ظاهرة عمارة يعقوبيان، رواية تلعب على حاجات حريفة حراءه فضائح اجتماعية فهو ثنائية الابعاد، فـ زمان كان بيقول الأدب الاجتماعي والمقصود به الأدب الاصلاحى، ولكن الأدب الاجتماعى أراه أنه الأدب ذات البعدين ثنائي الأبعاد أو قصة اجتماعية، أو حدوتة اجتماعية فمثال قصص إحسان عبد القدوس مثلا، على الرغم من أنه لديه أعمال أكثر عمقًا بحكم خبرته الصحفية وتشأته واطلاعه على الأدب اللإنجليزي.

ثم بدأ يظهر الأدب الجاد أدب الجريمة والرعب والبوليسية، الأدب النوعى، فكان نجيب محفوظ يتحدث عن أدب الجريمة وإحنا تربيا على ذلك، ومحمود سالم كان يوزع بنسبة كبيرة، وفى فترة ما  كان الأدب الاجتماعى يبيع كثيرًا، أمثال روايات يوسف السباعى وإحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبد الله، كانت أعمالهم الأكثر مبيعًا.

ما حدث من السبعينيات والثمانيات فهو توقف لحركة القراءة والطباعة والنشر، فلم يوجد ناس مثل إحسان عبد القدوس وأمثاله، كان يوجد جيل الستينيات الذي هو امتداد لنجيب محفوظ فقط، فلا نحكم عليه أنه واقعية اشتراكية، فنقول الأدب الجاد الذي ليس له أهداف تجارية ويتميز بأسلوب أدبي معين، فالبيست سيلر لم يكن موجودًا طوال فترة السبعينيات والثمانيات، ولا الأدب الاجتماعي الاصلاحى يمكن كان فى أدب روايات "عبير" يسمى الأدب الورد الرومانسي الجنسية على خفيف، فهذا الوحيد الذي كان موجود ويبيغ بنسبة كبيرة، ثم ظهر بعد ذلك الأدب الأكشن والمخابراتي نبيل فاروق، وأحمد خالد توفيق، رجع هذه الخطوط فازدهر مرة أخرى، فأحمد خالد توفيق ونبيل فاروق فرخوا أجيال من الكتاب، وخرج جيل كبير.

لا أرى خطرًا على الأدب الجاد من أدب البيست سيلر والعكس، فكل له قارئ، والبيست كان موجودا ومان ولكنه انتعش، وهذا راجع لوجود المكتبات الكبرى  وحركة الترجمة والعولمة واطلاع الناس على التجارب المختلفة، فكل هذ أحياها، والأجيال التي تربت على خالد توفيق ونيبل فاروق.

والكتاب مثل محمود سالم وصالح مرسي هم أبناء الأدب الجاد، فرأفت الهجان قبل عملها مسلسل، فباعت الرواية مبيعات كبيرة جدا وكذلك الحفار، وأتذكر أن والدى قرأ الحفار بإعجاب، .

◘ كيف ترى الواقع الثقافى الآن سواء على مستوى الرواية أوالجوائز؟

رواية يعقوبيان تحديدًا عندما ظهرت كان هناك أزمة في الدراما المصرية، والإنتاج الدرامي العظيم فى الثمانيات لأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد كان غير موجود في لحظة ظهور الرواية فهى ملت فراغ، فالدراما المصرية كانت لا تستطيع التحدث عن فضائح الحزب الوطني، وهى تلعب بنفس أدوات الدراما الشعبية فهناك نوع استهلاكي في هذا الجانب.

وأما واقع الكتابة هناك أصوات جميلة، وهناك كتاب أسلوبهم جيد، وهناك كتاب يعجبوني يوسف رخا، محمد عبد النبي، أحمد الفخراني، أحمد شافعى، محمد خير، أحمد مجدى همام، وتميزهم الجدية.

أما فيما يخص الجوائز، أرى أنها أصبحت وسيلة للحصول على الفلوس، وإنها أيضا حافز وسبب في انتشار الروايات وتنشيط الحركة الأدبية، وهناك جوائز استحدثت في مصر مثل ساويرس، وهذا أدى إلى رواج الرواية، وعندنا جائزة البوكر فهى ترسخ لنوع معين من الأدب، نوع قابل للترجمة للانجليزية ورواج للسوق الانجليزية.

◘ ما هو تقييمك لعلاقة الناس العادية بالثقافة؟

العلاقة بين الناس العادية والثقافة الآن أفضل من الأول بكتير جدًا، فالناس أصبح لديها وسيلة للمعرفة وهو الانترنت، فهناك أنماط معرفة وصلت لناس لم تكن تصل إليها أبدا، أشكال ثقافية كثيرة وتعبيرية ليس في الأدب فقط، وهذا لم يكن واصل للناس كثيرة في القرى والنجوع، واحتمال يخرج منه تعبير جيد، فالفوضي فى الأول لابد أن يكون هناك تعثر، وسوف يؤدى إلى المعرفة، فمتجمع مغلق غير مجتمع مفتوح.

◘ ما هى آخر أعمالك الشعرية؟

لدى ديوان " يا أيها العالم يا حبي" هو آخر ما كتبت الآن، وأفضل السرد القصير أشعر بمساحة التجريب فيه أعلى وحريتي فيه أكثر.

◘ إلى أى مدى تفكر في الانتشار والتجريب؟ وما هو ترتيب الكتابة عندك؟

لا أحد يكره أن يكون على نطاق أوسع ومنتشر بين الشباب والكبار، ولا اعتقد فى أي وقت أن اجاعب الذوق السائد، لأني اعتبر هذا تنازل فنى، ولا اعتقد أن كتاباتي صعبة، فالذهن الكسول يقرأ ما يحب أن يعرفه، ولا يبذل مجهود لمعرفة ما لا يعرفه.

◘ وما هو هدفك من الكتابة؟

لو عرفت بكتب ليه سوف أتوقف عنها، اكتب لأنى  لا أعرف مهنة غيرها، فهناك كثيرون يكتبون لأسباب والذي قال أن الكتابة بديل عن الجنون فهذا شعور له عن اللحظة، ويرى البعض أن الكتابة سيلة اتصال أو تغيير العالم يجوز ايضا، فالكتابة لها دور حتى لو فى أفكار فرد واحد، وتحتمل أشياء أخرى.