رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهد تأملية.. 103 ملايين إله على أرض مصر

- المشهد الأول:
وصل تعداد مصر لـ103 ملايين، 103 ملايين إله على الأرض يقررون بكل بساطة وأريحية بل وفخر أيضًا الإيمان من عدمه، يكفرون ويشتمون، أوصياء وحكام يحرضون ومحرضين على العنف والكراهية والإقصاء المعنوى والمادى، يؤمنون أن هناك إلهًا واحدًا لا شريك له يعبدونه يصلون ويصومون له ويحجون لبيته، ومع ذلك انتزعوا اختصاصات هذا الإله علنًا فى وضح النهار وفى الإعلام وفى الشوارع وفى كل مكان وأصبحوا آلهة يقيمون ويحكمون ويعاقبون أو يطالبون بالعقاب الذى قد يصل للقتل والنبذ والتشهير الرخيص البذئ.
- المشهد الثانى:
تهانى الأعياد والبهجة أصبحت مبرمجة وخرافية البذخ المستفز فى بلاد 40% من سكانها تحت خط الفقر وأغلبها تحت خط الخوف والجهل والتقليد والنقل وعدم تشغيل العقل، مجتمعات تحت سيطرة الثقافة التى تقتل بسبب ثقب غشاء البكارة وتلون حياتها بفكر دينى وهابى إخوانى سلفى، وحيث الوصاية على الناس أصبحت معلمًا قوميًا من معالم الوطن، وحيث الفلوس والمناصب والنفوذ هى التى تعبد وتقدس.
وحيث العلاقات كلها بين أعلى وأدنى، نجد تصرفات البعض وتهانى الأعياد وأفراحها المصطنعة التى تستعرض الثراء الفاحش، تشعرنا أن هناك أناسًا لا يشعرون بما يمر به الوطن، الإنسان النبيل عندما ينعم بحياة أفضل وسط غالبية تعانى فليس من اللياقة والحياء والأدب أن يستعرض ما يملك من مال وحياة مرفهة، هذه بديهية من محاسن الأخلاق.
- المشهد الثالث:
يفشل الزواج ويصبح سببًا رئيسيًا فى التعاسة والاكتئاب وكثير من الأمراض النفسية والعضوية وتحول العاطفة المثيرة للدهشة والفرح لقطعة من الحجر مثقلة بالمسئوليات والأعباء والتوقعات المخيبة للآمال.
أعتقد أن الصحة النفسية والجسدية والعاطفية ضد أى نوع من أنواع المعيشة المشتركة تحت سقف واحد لمدة طويلة، ليس فقط بين رجل وامرأة فى علاقة ارتباط، ولكن حتى بين الإخوة والأخوات والآباء والأمهات والأصدقاء مهما توفر الحب والإخلاص والنبل الإنسانى واستقامة الخلق.
كل إنسان امرأة أو رجلًا له إيقاع خاص به متفرد، يمارس به تفاصيل حياته، المعيشة المشتركة تكسر هذا الإيقاع وتعطله وتجعله متعثرًا غير قادر على الاستمرار فى إنجاز ما يريد، ويؤدى لعدم التركيز والتشتت فى أشياء خارجة عن تحقق ذاته المتفردة غير الشبيهة بأحد، حتى الأطفال بعد سن معينة ليس من المفروض، فى رأيى، أن يعيشوا مع الأهل.
فالكبار لهم إيقاع والصغار لهم إيقاع وتداخل الإيقاعات ضد مصلحة الكبار ومصلحة الصغار، هذا ما استنتجته من أقوال صديقاتى وأصدقائى وشكاوى أطفالهم وهو مؤكد بالخبرة الحياتية من زوجات وأزواج وأطفال أعرفهم شخصيًا وعددهم ليس بالقليل، وهى شكوى عامة تشير للمشكلة الأبدية داخل البيوت المغلقة، لكنهم مع ذلك لا يفكرون فى الحل.
المشهد الرابع:
الثورة الثقافية والأخلاقية هى حينما يزهو رجل مصرى أو عربى على الملأ بأن زوجته أو أخته أو ابنته أو أمه، تعمل راقصة، وعندما يتزوج الرجل العربى راقصة ولا يشترط عليها أن تترك الرقص حتى يمن عليها ببيت الزوجية، المرأة لا تشترط على الرجل أن يترك عمله أيًا كان، فلماذا هو فقط الذى يشترط ويتحكم؟ والمرأة التى توافق تستحق ما يحدث لها.
التقدم الحضارى أن تُحترم الراقصات مثلما تُحترم أى مهنة لكسب الرزق وأن تتدخل الدولة بمعاقبة منْ يتطاول على الراقصة مثلما تتدخل فى التطاول على الوزراء والمسئولين أو أى مواطن أو مواطنة تم إيذاؤها فى كرامتها ونوع مهنتها.
على الأقل الراقصة ترقص على النغمات الموسيقية بينما آخريات وآخرون فى كل مجال يرقصون على أشياء أخرى سافرة أو محجبة، على "يوتيوب" إعلاميون علنًا يشتمون الراقصة دون أى حياء يصفونها بالعاهرة التى تتكسب من بيع لحمها للرجال، هكذا بكل بساطة وأريحية حتى تعبير "تبيع لحمها" تعبير ذكورى منحط.
وإذا كانت هناك واحدة ما تتكسب من التجارة بجسدها فإنها توصف بالمرأة العاهرة، لكننا لا نسمع أى وصف بالعهر للذكور الرجال الذين تقاسموا معها الفعل، والذين هم الطلب والقوة الشرائية لجسد هذه المرأة.
الرجل هو أيضًا عاهر بالشكل والدرجة نفسها، هكذا يقول المنطق العادل الذى لا يميز فى الحكم على ارتكاب الفعل.
كما أن الرجل الذى تتعفرت شهواته لرؤية الراقصة هو الذى تجب إدانته، فالنظرة الشهوانية فى عين المشاهد وليس فى حركات الراقصة، هناك رجال يتفرجون على الرقص الشرقى مأخوذين بالرشاقة واللياقة وإبداعات الجسد المتناغم مع الموسيقى ولا يشعرون بأى عفرتة لشهواتهم وغرائزهم الجاهزة للتحرش والاعتداء على أى امرأة أو فتاة وليس بالضرورة أن تكون راقصة.
أليست الجرائم التى نشهدها بكثافة ضد أجساد الفتيات والنساء فى القرى والمدن فى الشوارع والجامعات ووسائل المواصلات وهن غير راقصات ومتغطيات بالقماش أكبر دليل على أن صاحب الشهوة الجاهزة دائمًا المتربصة لحركة جسد المرأة أينما كانت هو أصل الداء؟
- المشهد الخامس:
الذكور فى بلادنا حتى الذين تحت خط الفقر "برضه" يجدون ما يرفه عنهم شظف العيش، محدش بيحجبهم ولا ينقبهم ولا يمنع عنهم الخروج والشغل وزيارة الأهل والمعارف وسماع الراديو ومشاهدة التليفزيون، أما الأنثى غير أنها فقيرة اقتصاديًا فهى اجتماعيًا مقهورة ومحرومة ومفروضة عليها وصاية دينية وأخلاقية وثقافية وعرفية وإعلامية، ألف عين عليها.. مليون رقيب على أنفاسها وحركاتها ولفتاتها ونظرات عيونها، حتى الصمت مشكوك فى أغراضه وأهدافه تخدم الأهل ثم تخدم الزوج البعل وعياله وتخدم ذكورية المجتمع المنحطة فكريًا وأخلاقيًا تظل خادمة طول عمرها تشتغل من الفجر حتى تقع من التعب و"تتخمد" تنام عشان تصحى اليوم اللى بعده للمرار الطافح نفسه.
لا شىء فى الحياة إلا خدمة الآخرين تحت مسميات خادعة عشان السجينة تفضل فى سجنها وتشكر ربنا على إن فيه دكر من ضهر ذكر لمها فى بيت وسترها وبيأكلها ويشربها هى وعيالها، أما عن ممارسة ما يسمونه "الحق الشرعى للبعل على مراته" اللى غالبًا كل ليلة وبعد ما تكون الست كل حاجة فيها اتهدت وملهاش نفس لأى حاجة غير إنها تنام أو تصحى عشان تهرب من القرف والقهر والنكاح المهين المعذب ومن وش الذكر اللى هى كارهاه أصلًا ومش طايقة لا وشه ولا جسمه ولا صوته ولا شكله ولا معاملته.
والنتيجة إيه؟ النتيجة المنطقية الطبيعية هى الجرائم البشعة التى نسمع عنها والاختلالات العقلية والنفسية التى تصيب المرأة والتعاسة والاكتئاب والكراهية المعلنة أو الكامنة تحت الجلد، والتى يمكن أن تنفجر على أهون شىء غير متوقع وتكون حينئذ مدمرة حارقة من طول وكثرة التراكمات على مدى سنوات ونلاقى أغلب الناس يقولوا الست عاوزة إيه ما هى مستورة وبتاكل وبتشرب وعندها ضل راجل وعيال.. أسرة زى الفل وربنا كرمها بحد يتجوزها ويعولها وربنا رزقها بعيال، عاوزة إيه أكتر من كده.. هتنهب؟
- المشهد السادس:
القضية للمرأة ليست عندما يستجيبب الرجل لتلبية احتياجاتها المعنوية والعاطفية والنفسية التى تعبر عنها وتصرح بها، ولكن عندما يستجيب لتلبية هذه الاحتياجات دون أن تعبر عنها، دون أن تصرح بها، أو حتى تلمح بها، الرجل الذى لا مثيل له ولا بديل عنه للمرأة هو الذى يفهمها دون أن تلفظ بكلمة واحدة أو تذرف منها دمعة واحدة، هو يرى ويشعر بالأنين الصامت الكامن تحت الجلد، وليس الصرخات أو الصخب، فيترك الدنيا وما فيها ليضمها بحنان لا يسعه الكون، يمسح البكاء الذى لم ينهمر من العيون ويعزى أحزانها المختزنة تحت السطح والأكبر من كل عزاء.
الرجل الذى ليس له مثيل أو بديل أو شبيه هو الرجل "الموجود" للمرأة حينما تكون لم تطلب وجوده، لكنها تحتاجه من الجذور حتى النخاع، إلى كل امرأة إذا وجدتِ هذا الرجل الذكى الحساس لما لا يظهر فلا تفرطى فيه أبدًا.
تلاقى الراجل من دول معاه أرفع الشهادات فى أعقد التخصصات ومشهور فى تخصصه أشهر من النار على العلم ويجهل شفرة المرأة التى معه، إلى كل امرأة اعملى اختبارات دقيقة قبل أن تعطى مشاعرك وجهدك ووقتك وحياتك لمنْ لا يستحق، اختارى منْ يكون موجودًا بجانبك دون أن تقولى له بأى شكل "كن موجودا".
- المشهد السابع:
أن يحصد الإنسان امرأة أو رجلًا كراهية الناس أو رفضهم أو نبذهم أو شتائمهم أو تشويههم أو إشاعاتهم، لكنه يحب نفسه المتفردة السابحة ضد التيار المشمئزة من جوقة القطيع المتشابه ويتشبث بها ولا يفرط فى شبر واحد من قناعاته مؤمن بها إيمانًا مطلقًا لا يحيد عنها ويجد داخلها دائمًا القوة والعزاء والحكمة، أكرم له مليون ألف مرة وأشرف وأنبل وأفضل أن يحصد مديح الناس واحتضانهم وتزكيتهم؛ لأنه يشبههم ولا يثير حفيظتهم ولا يجرح مشاعرهم ولا يفضح كذبهم وزيفهم وتناقضاتهم وطاعتهم.
هذا هو معنى شرف الإنسان.. هذا هو شرف المرأة وهذا هو شرف الرجل.
- المشهد الثامن:
التدين يجعل الناس تخاف من عذاب الله فى جهنم فيضطرون لاتباع التعاليم ويؤدون الطقوس دون تفكير ويربون أولادهم وبناتهم على هذا الخوف، والخوف لا يمكن أن يخلق شخصيات صحية سوية ليس لديها تناقضات وازدواجيات يندى لها الجبين، الخوف لا ينتج أى شىء له قيمة إيجابية دائمة وراسخة.
وأسأل نفسى دائمًا ما علاقة الأديان والتدين بأحداث التقدم الحضارى والنهضة الثقافية؟
وهل الجماعات والشعوب والبلاد التى تردد ليل نهار أنها متدينة بالفطرة وتؤدى الطقوس دون انقطاع وتحفظ الكتب المقدسة وتقول "بأبى وأمى يا رسل وأنبياء الله" وتستعرض التدين وتفرضه على الناس بالقوة وتعاقب غير المتدينين مثلها، هل هى فى عداد الدول المتقدمة اقتصاديًا وثقافيًا وفنيًا ودستوريًا وقضائيًا وحضاريًا وبيئيًا؟ أم أنها فى الذيل على جميع الأصعدة والمستويات؟ بل إنها تستورد طعامها وكل احتياجاتها من بلاد لا دين لها وناسها غير متدينين؟
والأكثر من هذا أن سكان البلاد المتدينة بالفطرة يتركون التدين الفطرى ويهاجرون لبلاد لا دينية وبلاد لا تعترف بالأديان أصلًا أو تنقدها علنًا فى الإعلام والسينما والكتب بسهولة وحرية دون أن يتعرضوا للنبذ والتشهير والقتل.
قال المتدينون بالفطرة وشيوخهم إن الله قد سخر البلاد غير المتدينة أو الكافرة عشان خاطر عيون الشعوب المتدينة بالفطرة لينهلوا من نعيمها وثمارها على الجاهز مكافأة على إيمانهم وتدينهم.
لماذا لم يسخر الله النعيم والثمار فى البلاد المتدينة نفسها حتى لا يتعبوا ويتحملوا مشقة وتكلفة السفر ويعيشون فى مجتمعات تدوس على عاداتهم وتقاليدهم؟
ويصبح شاغلهم بعد أن ينعموا بالثمار هو نقل بلادهم المتدينة بالفطرة للبلاد "الكافرة" ونقل عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم ولبسهم وطعامهم وشرابهم ودور عباداتهم على أرض دار الكفر والفجر والانحلال.
- المشهد التاسع:
يا ريت حد يقول لى ما معنى ناقد ينقد عملا أدبيا أو فنيا؟ وما هى وظيفة الناقد بالضبط؟ أفهم وجود القارئة والقارئ أو المتذوق لأى نوع من الفنون، المتلقية والمتلقى بشكل عام وأفهم وجود الكاتبة والكاتب والنحات والموسيقار والممثل والمخرج والفريق الفنى المتكامل وراء العمل السينمائى، منْ يفعل الفعل الفنى ومنْ يتلقاه.
لكن الناقد ماذا يفعل وما هى وظيفته؟ أليست هذه وساطة ووصاية على الفن والمتلقى؟ مفيش وسيط بين الفن والناس.. العلاقة مباشرة بينهما.
لا تحتاج وسطاء أو أوصياء، كهنة الفنون والآداب هذا هو الاسم الحقيقى للنقاد تمامًا مثل كهنة الأديان، لا نحتاج وصى يزعم أنه يفهم ويحس أكثر لكى يتأمل معنا لوحة أو يقرأ قصيدة ورواية وقصة أو يسمع أغنية أو قطعة موسيقية.
- المشهد العاشر:
يفتخر الجنود فى كل زمان ومكان بأنهم يضحون بحياتهم المتاحة مرة واحدة من أجل تراب الوطن وتسعد أسرهم وعائلاتهم بأنهم أعطوا الوطن شهداء لا يبخلون على الوطن بدمائهم، ولكن الجندى الوطنى من هؤلاء يبخل على أى أنثى فى أسرته وعائلته أو فى حياته عامة بأن يغير من سيطرته ووصايته عليها وملكيتها له بحيث يلغى كل أشكال ودرجات التفرقة بينه وبينها.. ماذا نسمى هذا؟ وكيف نفسره؟
هنا أتذكر مقولة للشاعر والروائى والسياسى والعالم والناقد الألمانى يوهان جوته 28 أغسطس 1749 - 22 مارس 1832، تناسب جدا هذا السياق.
يقول جوته: "التضحيات الكبيرة سهلة والتضحيات الصغيرة المتواصلة صعبة".
هذا إذا اعتبرنا أن الموت من أجل الوطن تضحية كبيرة والتضحية بالذكورية سهل، لكن تبقى مقولة جوته شديدة البلاغة ناقدة وساخرة من سهولة ما يسمونه "تضحيات كبيرة" التى تحدث مرة واحدة فى العمر وصعوبة ما يسمونه "تضحيات صغيرة" التى تتطلب تحدى الذات كل لحظة وكل يوم.
حقًا الصراع مع عدو خارجى فى الحروب أسهل مليون مرة من الصراع مع عدو داخلى فى السلم، تمثله معتقداتنا وعواطفنا وأهواؤنا وأخلاقنا الموروثة المغروسة فى العقل والوجدان والتربية والثقافة والتقاليد.
من بستان قصائدى 
- منْ أنا؟
- إنسانة أنا فى بساطة الماء
- وفى تعقيد الظمأ أعيد هفواتى أكرر حماقاتى
- لا أتعلم من الخطأ 
- يطربنى صوتى حينما يغنى يشجينى الرقص تحت المطر
- أكره بيت الزوجية لا أحب الأطفال والاستسلام للقدر
- إنسانة أنا سلمت أغلى ما أملك للسكون والهدوء
- إلى رائحة البحر والقهوة والشِعر طلبت حق اللجوء   
- إنسانة أنا لا تأتيها سن اليأس منتصف وآخر العمر
- الصمت.. البكاء.. فنجان الشاى.. معطف أمى.. مدفأة الزيت 
- هم أصدقائى الأوفياء