رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البيئة العالمية تتضوّر ألماً

أوروبا تشتعل.. هل تتأثر مصر بـ«موجة الحر القاتلة» فى القارة العجوز؟

حرائق أوروبا
حرائق أوروبا

ما بين درجة حرارة الـ40 وأكثر، يعيش المجتمع الأوروبي مأساة لم يشهدها من قبل في ارتفاع درجات الحرارة، متخطية المعدلات الطبيعية للحرارة في هذه البلاد، في مثل هذا التوقيت من العام، وهو ما أدى إلى حرائق في الغابات، ووفاة 1027 شخصًا.

وحسب الأرقام الصادرة عن معهد كارلوس الثالث الصحي، سجلت البرتغال وإسبانيا في عدة أيام فقط حوالي 440 حالة وفاة، كما كان هناك 360 وفاة مرتبطة بالحرارة في إسبانيا، ونُسبت 237 وفاة إلى ارتفاع درجات الحرارة من 10 إلى 14 يوليو، مقارنة بـ25 وفاة مرتبطة بالحرارة في الأيام الخمسة السابقة.

 

وشهدت إسبانيا ما يقرب من 20 حريقًا من حرائق الغابات لا يزال نشطًا وخرج عن السيطرة في أجزاء مختلفة من البلاد، من الجنوب إلى الشمال. 

كما أُجبرت النيران على إخلاء ما يزيد قليلاً على 3000 شخص ، ثم تمكن 2000 شخص من العودة إلى منازلهم، وحسب وزيرة الزراعة الأندلسية، كارمن كريسبو، فإن «رجال الإطفاء لم يتوقفوا عن العمل لمكافحة الحرائق».

البنية التحتية تتأثر بالسلب

وأعلنت بريطانيا عن أنها تواجه سوء خدمات النقل الرئيسية بسبب الطقس غير المتوقع، مثل تساقط الثلوج بكثافة أو الرياح الشديدة، وحالة "طوارئ وطنية" نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بشكل لم يسبق له مثيل، وفقا لرويترز.

وقال وزير النقل جرانت شابس، في تصريحات تناقلتها وكالات عالمية، إن الأمر سيستغرق عدة سنوات قبل أن تتمكن بريطانيا من تحديث بنيتها التحتية بالكامل للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، بعد أن ظهرت علامات الأضرار على مدرجين على الأقل والتواء بعض قضبان القطارات.

ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2022، فإن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان وما ينتج عنه من جفاف، قد يؤدي إلى عدد حرائق أكبر بنسبة 30% في غضون 28 عامًا.

ونتيجة لهذه الحرائق تضاعفت مساحة الريف الأوروبي المحترق إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العام، مع ما يقرب من 450 ألف هكتار من الأراضي المتفحمة حتى 16 يوليو، مقارنة بمتوسط ​​2006-2021 البالغ 110 آلاف هكتار، خلال الأشهر نفسها من العام.

وحسب بيانات أصدرها نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبية التابع لبرنامج مراقبة الأرض للاتحاد الأوروبي "كوبرنيكوس"، تخطّت المساحات التي اجتاحتها النيران في الأسابيع الأخيرة في أوروبا المساحة الإجمالية للأراضي المُحترقة خلال العام 2021 بأكمله، ولفت العلماء إلى أن الأمور قد تزداد سوءًا في السنوات المقبلة مع اشتداد تغير المناخ ما لم يتم اتخاذ تدابير مضادة.

نزوح جماعي

لم يدرك الكثيرون أن واحدًا من أسباب اندلاع حرائق الغابات في أوروبا هو ظاهرة النزوح الجماعي، والتي بدأت منذ النصف الثاني من القرن الماضي، إذ عزم الآلاف من الأوروبيين على ترك قراهم والتوجه نحو المدن بحثًا عن حياة أفضل، وهو ما حوّل الكثير من المناطق إلى مساحات مهملة. 

هذه المناطق كان بينها مدينة وودلاند الأمريكية، وهي مدينة مليئة بالمواد القابلة للاحتراق، من جذوع الأشجار الميتة والأغصان المتساقطة والأوراق الميتة والأعشاب الجافة، حسب يوهان جولدامر، رئيس المركز العالمي لرصد الحرائق، الذي أكد أن «هذا هو السبب في أننا نشهد زيادة عالمية غير مسبوقة في الحرائق الشديدة»، لافتًا إلى أنه "خلال الألف أو الألفي عام الماضية، لم يكن لدينا هذا الكم من المواد القابلة للاشتعال من حولنا".

الاحتباس الحرارى

الاحتباس الحراري أحد أكثر الأنشطة البشرية المسئولة عن زيادة حرارة كوكب الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية من الفترة 1850-1900 حتى الوقت الحاضر، وذلك حسب مؤسسة "World Wildlife Foundation" التي أكدت أن الجمع بين موجات الحرارة الطويلة والجفاف المتراكم والرطوبة المنخفضة المقترنة بالنباتات شديدة الجفاف والغابات غير المدارة يولد حرائق أسرع بكثير وبقوة لم يسبق لها مثيل من قبل. 

وقال فريدريك أوتو، المحاضر الأول في علوم المناخ في معهد جرانثام لتغير المناخ في "إمبريالكوليدج" لندن، إن دور الاحتباس الحراري يظهر أكثر في مناطق جنوب أوروبا، والتي فيها ارتفعت الحرائق الناجمة عن موجات الحر ودرجات الحرارة المرتفعة والجفاف والرياح العاتية، مما جعل حرائق الغابات الصيفية "القاعدة الجديدة".

ما هو الاحتباس الحرارى؟

عرّف العلماء الاحتباس الحراري بأنه ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم مع زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى في الجو.

وانتهت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى أن الغازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية هي المسئولة عن معظم ارتفاع درجة الحرارة الملاحظة منذ منتصف القرن العشرين، في الوقت نفسه لم تكن الظواهر الطبيعية، مثل الضياء الشمسي والبراكين، مسئولة إلا عن تأثير احتراري صغير منذ عصور قبل الصناعة حتى عام 1950 وتأثير تبريد صغير بعد ذلك.

توقعات تأثيرات المُناخ المستقبلية

توقع الخبراء أن زيادة درجات الحرارة العالمية ستؤدي إلى ارتفاع منسوب سطح البحر، وتغير كمية ونمط هطولات الأمطار، كما من المحتمل أيضًا توسيع الصحاري المدارية، بالإضافة إلى أنه من المتوقع استمرار انحسار الأنهار الجليدية، والأراضي دائمة التجلد، والبحر المتجمد، مع تأثر منطقة القطب الشمالي بصورة خاصة.

فضلًا على ذلك من المتوقع انكماش غابات الأمازون المطيرة، والغابات الشمالية، وزيادة حدة الأحداث المناخية المتطرفة، وانقراض الأنواع، والتغيرات في المحاصيل الزراعية.

 1998 هو أدفأ عام على كوكب الأرض

وحسب تقديرات معهد جودارد لأبحاث الفضاء "Goddard Institute for Space Studies" التابع لناسا، فإن عام 2005 كان ثاني أدفأ عام بعد 1998، الذي وصلت فيه حرارة الجو إلى دفء بشكل غير طبيعي بسبب حدوث أكبر «نينو» في القرن الماضي في تلك السنة.

وظاهرة الـ نينو في منطقة خط الاستواء بمياه المحيط الهادئ تتمثل في ارتفاع حرارة سطح المياه عن المعدل المعتاد في تلك المنطقة. وتتركز هذه الظاهرة ما بين السواحل الشرقية لقارة آسيا والسواحل الغربية لقارة أمريكا الجنوبية.

وينتج عنها اختلال في مناخ هذه المنطقة بشكل أساسي، وقد تمتد تأثيراتها لتشمل كافة دول العالم بدرجات متفاوتة متسببة في ظهور نشاطات مناخية متطرفة من الأعاصير والجفاف، وهو ما يؤدي إلى اضطراب شديد في انتاج الغذاء سواء كان على شكل أسماك ومحاصيل بحرية أو كان مصدره محاصيل زراعية تتأثر بتلك الاضطرابات.

وتتمثل ظاهرة النينو بتسخين شديد غير اعتيادي لسطح المياه في المنطقة الشرقية المدارية من المحيط الهادئ، وينتج ذلك عن تحرك للتيارت الدافئة من شرق قارة آسيا وشمال شرق أستراليا نحو الشرق لتصل إلى سواحل أمريكا الجنوبية الغربية، وتحديدًا إلى شواطئ البيرو والإكوادور والتي تمثل الجهة الشرقية من المحيط الهادئ.

وفقًا للباحثين، فإن متوسط درجات الحرارة الحالي هو الأعلى خلال 12 ألف سنة الأخيرة، ويقترب من قيمته التي كانت بين العصور الجليدية. 

تأثر مصر بموجة النار الأوروبية

وقال الدكتور أحمد عبدالعال، رئيس هيئة الأرصاد الجوية سابقًا، إن ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا هو أمر في صالح مصر، وذلك لأن هذا الارتفاع ناتج عن منخفض الهند الموسمي، وهذا يعني أنه كلما امتد هذا المنخفض إلى أوروبا أصبحت درجات الحرارة في مصر "معقولة وغير مرتفعة"، وهو ما حدث بالفعل إذ لم تتخط درجات الحرارة في مصر في ظل موجة النار الأوروبية 37 درجة.