رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حادثة ليبرتي.. التاريخ خير مُعلّم

تحاول إسرائيل، بجميع الطرق، إيقاف المشروع النووى الإيرانى.. ولكن السؤال هو: كيف ستحقق هذه المهمة؟.. التاريخ يقول، و(الماضي خير مُعلّم)، إن قادة إسرائيل سيفعلون أى شيء، لمنع واشنطن من إعادة الاتفاق النووى مع إيران، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق عام 2017.. وهذا يدفعنا للسؤال الثاني: هل من أجل القضاء على البرنامج النووى الإيرانى، ستقوم إسرائيل بالتخطيط لعملية كاذبة تدخل الولايات المتحدة، على إثرها، فى حرب ضد إيران؟، كما حولت أن تفعل في 1967.. وكم هنالك من الوقت حتى تُقحم إسرائيل الولايات المتحدة فى حرب أخرى فى الشرق الأوسط؟.. هذا ليس ببعيد، فإسرائيل تسببت فى دخول الولايات المتحدة فى حرب العراق، على مزاعم أن الأخيرة تمتلك أسلحة دمار شامل، وهو دور لعبت فيه حكومة إسرائيل، بقيادة نتنياهو وأجهزة اللوبى التابعة لإسرائيل فى أروقة الكونجرس، دوراً كبيراً.
من التاريخ، نسترجع يوم الثامن من يونيو عام 1967، يوم يجب على العالم تذكره، لأنه اليوم الذى هاجمت فيه إسرائيل سفينة تجسس التابعة للبحرية الأمريكية (يو إس إس ليبرتي)، وهى فى حرب الأيام الستة.. ولكن لماذا هاجمت إسرائيل سفينة تابعة لدولة تعد من أخلص حلفائها؟.. فهل كان الهجوم خطأً أم متعمداً؟.
قبل فترة، نشر مركز Global Research مقالا للكاتب تيموثى جوزمان، تناول فيه حادثة هجوم إسرائيل على السفينة الأمريكية (ليبرتي) خلال حرب 1976، وتحديد هدف إسرائيل الرئيسى من محاولاتها إقحام الولايات المتحدة فى حروب فى الشرق الأوسط، تضعف دول المنطقة، حتى يتحقق ما تسعى له من السيطرة على الأراضى العربية، وهى نفس الاستراتيجية التى نراها الآن فى محاولاتها إشعال حرب بين إيران وأمريكا.. يومها، وقع حادث سفينة التجسس، التي تحمل طائرات وطوربيدات تابعة للبحرية الأمريكية.. ضربت إسرائيل السفينة وقُتل أربعة وثلاثين من بحارتها وأصيب 171 آخرون.. كانت السفينة الأمريكية فى المياه الدولية شمال شبه جزيرة سيناء.. وصرحت الحكومتان، الأمريكية والإسرائيلية، أن الحادثة كانت خطأً، بينما قال أفراد الطاقم الذين كانوا على متن السفينة، إن الهجوم كان متعمداً.. فأين تكمن الحقيقة؟.
خلال حرب الأيام الست، حافظت الولايات المتحدة على وضعها كدولة محايدة، وقبل أسبوع من اندلاع الحرب، أُمرت السفينة (ليبرتى) بالتوجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، للقيام بمهمة جمع معلومات استخبارية بالقرب من الساحل الشمالى لسيناء.. أثناء المهمة، حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق السفينة، مدعية أنها كانت تبحث عن غواصات مصرية، تم رصدها من قبل بالقرب من الساحل.. حوالى الساعة الثانية مساءً، أرسل سلاح الجو الإسرائيلى مقاتلتين للتأكد من السفينة التى زعموا أنها لا تحمل (علامات مميزة)، أو أى علم على السفينة.. ثم تعرضت حاملة الطائرات للهجوم من قبل طائرات وطوربيدات إسرائيلية.
استطاع من على السفينة تنظيم أنفسهم وقت الهجوم، والاتصال وطلب المساعدة.. تلقت طائرتان مقاتلتان أمريكيتان نداء الاستغاثة، وكانتا فى طريقهما إلى تقديم المساعدة، ولكن فى تحرك غريب، وصلت أوامر من واشنطن بوقف العملية.. علمت إسرائيل أن المقاتلتين الأمريكيتين كانتا فى طريقهما، ولذلك أمرت على الفور بوقف الهجوم.. فقد أبلغت إسرائيل واشنطن أنها هاجمت السفينة الأمريكية خطأً.. وقتها، قال الرئيس جونسون، إنه لم يأبه لغرق السفينة، ولكنه لم يكن ليقوم بإحراج حليف.
فى 2007، أتيحت معلومات جديدة متعلقة بالهجوم الإسرائيلى.. ونقلاً عن أكثر من عشرين من قدامى المحاربين بالبحرية الأمريكية الذين نجوا من الهجوم، فإن الحكومة الأمريكية تسترت على هذا الهجوم الإسرائيلى.. وأشارت الوثائق أيضاً إلى أن الحكومة الأمريكية، التى حرصت على الحفاظ على سمعة حليفها، قد أغلقت القضية بسرعة ولم تقم بإجراء تحقيقات كافية.
هل عرفت إسرائيل أن تلك السفينة أمريكية؟.. فى فجر يوم الثامن من يونيو، ظهرت الطائرات الإسرائيلية وحلقت فوق (ليبرتى) مراراً وتكراراً، بعد أن سيطر سلاح الجو الإسرائيلى على الأجواء، فى اليوم الأول من الحرب، من خلال تدمير سلاح الجو المصري.. وعرف الإسرائيليون بتواجد الأمريكيين.. فمهمة السفينة كانت مراقبة الاتصالات بين العرب والسوفييت، ولكن ليست الاتصالات الإسرائيلية.. والسفينة كانت على بعد 13 ميلاً من شبه جزيرة سيناء.. ووقت الهجوم كان البحارة الأمريكيون على سطح السفينة فى وقت راحة.. وقد اعترفت محكمة تحقيق عسكرية إسرائيلية، بأن القيادة البحرية لبلادها علمت، قبل الهجوم بثلاث ساعات، أن السفينة ذات المظهر الغريب كانت (سفينة المراقبة الصوتية الكهرومغناطيسية التابعة للبحرية الأمريكية).. وخلصت المحكمة إلى أن هذه المعلومات ضاعت ولم تصل إلى المراقبين الأرضيين الذين شنوا الهجوم الجوى أو هجوم الطوربيدات.
يمكن اختزال الجدل فى سؤال واحد.. هل كانت السفينة ترفع العلم الأمريكي؟.. وهل كان مرئياً؟.. أجمع الناجون من الهجوم على أن العلم كان يحلق فوق السفينة، قبل وأثناء وبعد الهجوم، وذكرت إحدى وثائق وكالة الأمن القومى، التى رفُعت عنها السرية، أن (المقابلات الرسمية مع العديد من أفراد طاقم سفينة ليبرتى، قدمت دليلاً على أن السفينة كانت ترفع علماً أمريكياً.. علاوة على ذلك، كانت الظروف الجوية مثالية لضمان سهولة مراقبتها وتحديد هويتها).. وذكر ستيف فورسلند، وهو محلل استخباراتى إسرائيلى رفيع المستوى، أن محطة التحكم الأرضية الإسرائيلية ذكرت أن الهدف كان أمريكياً، وأن الطائرات الإسرائيلية أكدت ذلك قبل الهجوم، إلا أن محطة التحكم أمرت بتنفيذ الهجوم وإغراق السفينة وقتل كل من عليها.
بعد عقد من الزمان، قررت صحيفة (هاآرتس) إعادة النظر فى حادثة (ليبرتى)، فى مقال لها (لكن سيدى، إنها سفينة أمريكية).. (لا تهتم، اضربها!).. عندما هاجمت إسرائيل (ليبرتى) ادعت إسرائيل أن الهجوم كان خطأً.. اعتذرت إسرائيل وقدمت تعويضات لأفراد طاقم السفينة أو عائلاتهم بأموال دافعى الضرائب الأمريكيين والمساعدات التى يتلقونها من واشنطن.
فى كتاب بعنوان Remember the Liberty (تذكر ليبرتى.. غرقت بسبب الخيانة فى أعالى البحار) للكاتب فيليب نيلسون وإرنيست جالو ورونالد كوكال وفيليب تورنى (بعضهم نجوا من الهجوم)، ذكروا بالتفصيل ما حدث وقت الهجوم، ولكن ما أغفله الكتاب هو الإجابة عن التساؤل حول مصلحة إسرائيل فى إغراق السفينة؟.. الإجابة الصحيحة هى أن إسرائيل أرادت أن تورط الولايات المتحدة فى حرب، كان من الممكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة فى ذلك الوقت.. والذى خطط للهجوم، كان يريد إلقاء اللوم على الرئيس جمال عبدالناصر، باعتبار أن مصر هي من قامت بضرب (ليبرتي)، وبعدها دفع القوات الأمريكية للانضمام إلى إسرائيل فى حربها ضد العرب.
استمرت إسرائيل، منذ الهجوم على سفينة (ليبرتى)، فى شن حروب عديدة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، بمساعدة الولايات المتحدة، أدت إلى تدمير لبنان وسوريا، وإزالة العقبة الأكبر فى ذلك الوقت، العراق، حيث لعبت إسرائيل دوراً فعالاً فى الفترة التى سبقت غزو واحتلال العراق، من خلال اللوبى المؤيد لإسرائيل (إيباك).. وما زالت خطة إسرائيل للسيطرة على الشرق الأوسط مستمرة حتى يومنا هذا.. تهدف إلى زعزعة إيران، لأنها واحدة من آخر العقبات المتبقية لتعزيز سيطرتها وهيمنتها على المنطقة.
خلاصة القول إن كل هذا يتناسب مع الخطة الصهيونية للشرق الأوسط، يمكن لإسرائيل، من خلالها، الشروع فى عملية أخرى كاذبة، حتى تتمكن من إلقاء اللوم على إيران، وإجبار الولايات المتحدة على حرب أخرى، لا يمكن الانتصار فيها فى الشرق الأوسط.. فهل تنجح إسرائيل؟.. لسوء الحظ، قد يكون الجواب نعم!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.