رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تغطية الشعر أم تغطية العقل؟

يبدو الحرص على غطاء الرأس للمرأة، أو ما يعرف الآن بالحجاب كجزء من حرص رجال الدين على سيطرتهم على المرأة وسيطرتهم على الرجل، فخطاب رجال الدين دائمًا هو خطاب الوصاية، الخضوع، الطاعة، ويصورون هذا الخضوع والاتباع بأنه اتباع لله عز وجل، فى حين أنه فى الحقيقة خضوع وانصياع لمؤسسة دينية ورجال دين ينقلون إلينا آراء وتفسيرات رجال آخرين. 

لا يوجد خطاب دينى يدعوك للتعامل مباشرة مع القرآن الكريم، لا يوجد من يدعوك لتدبر معانى القرآن الكريم للتدبر والتفكير فى آيات الكون، لا يوجد خطاب دينى يدعو لتحرير المسلم من سلطة التقليد، من سلطة الاحتياج إلى وسيط بين الله والمسلم، السمو بروح المسلم، ودعوته للتخلص من رق الحاجة، والعمل على تنمية روحه وتطوير ذاته كى يقوم بدوره فى خلافة الله فى الأرض. 

ولعل الجدل الموجود الآن، والذى سيظل قائمًا حتى يراجع الأزهر موقفه النقلى هو مسألة غطاء الرأس، وهل هو فرض أم عادة؟ يقدم نموذجًا عن بنية تفكير وعقلية الإنسان المسلم فى هذا العصر، نحن نعيش جسديًا فى القرن الحادى والعشرين ونستهلك كل منتجات تطور العقل الإنسانى، ولكن عقولنا ما زالت حبيسة القرن السابع الهجرى. حيث أغلق باب الاجتهاد، وتم الأخذ فقط بآراء الفقهاء الأربعة، واعتمادها رسميًا رغم وجود عشرات المذاهب الفقهية الأخرى.

والمناقشات التى تدور حول غطاء الرأس تحتاج إلى دراسة من علماء اللغة والاجتماع للوصول إلى بنية تفكير المجتمع، وكيف نجح الخطاب الدينى السائد فى خلق مناخ عام لا يقبل الجدل أو التطور أو التغيير «هذا ما وجدنا عليه فقهاؤنا».

يتسم هذا الخطاب السلطوى الشعبوى بعدة سمات أولية: 

- اليقين القطعى «الحجاب فرض، مفيش كلام»، «الحجاب فرض من ربنا»، «الحجاب فرض مفيش جدال»، رغم أن الفقهاء تنازعوا فى ما بينهم فى مجال تأويل الكثير من النصوص القرآنية، وما هو ناسخ وما هو منسوخ، وما هو عام وما هو خاص، وقطعية الثبوت غير قطعية الدلالة.

-الترديد دون فهم: وكتابة الآيات الثلاث، التى لم تذكر غطاء الشعر نصًا، إنما هى تفسيرات المفسرين، وآراء فقهاء اجتهدوا فى تفسيرها فى إطار سياقهم الزمنى، حيث كان الزى الموجود هو غطاء الرأس للرجل والمرأة، الحرة والأمة، وعدم معرفة أسباب نزول الآيات والعلة أو الحكمة أو الغرض منها. 

- التسفيه مما يقدم رؤية مخالفة «موجود يا طنط فى سورة النور»، «أنت مين علشان نسمع كلامك» ولا يعلم هؤلاء أن الفقهاء القدماء كانت لهم أعمال أخرى يتكسبون منها رزقهم، ولم تكن هناك وظيفة اسمها عالم دين يقبض عليها راتبًا كل شهر، والمسلم مطالب بأن يتفقه فى الدين ويقدم رؤيته وتفسيره الملزم له، فلم تكن هناك هذه الترسانة من الآراء والاجتهادات التى كانت عظيمة بمقياس عصرها، والتى يجب علينا أن نبنى عليها من منطلق تعلم الاجتهاد والأخذ به وتطويره، بما يجعلنا جزءًا من العصر.

- التدليس: استخدم البعض مدخلًا للوصول إلى فرضية الحجاب بقوله «هل الصلاة فرض على كل مسلم أم لا؟ هل ينفع عوام الناس تناقش فرضية الصلاة بعد ألف وخمسمائة سنة إسلام؟ لو حضرتك استبدلت كلمة «الصلاة» بكلمة «الحجاب» فى الفقرات السابقة.. هتلاقيها هى هى.. وصلت؟

- فعدم تغطية الشعر يعنى «لو عايزة تمشى عريانة، أنت حرة» «تريدين أن تشيع الفاحشة»، «دعوة إلى العرى».

إن خطاب الستر، والحجاب والتغطية والانغلاق هو السائد فى مقابل خطاب إعمال العقل، والانفتاح، والاجتهاد.. ولعل من يتمركزون حول الخطاب السلطوى عن الحجاب يتذكرون كم من مرة غيّر رجال الدين من آرائهم فى مسائل فوائد البنوك، نقل الدم، زراعة الأعضاء. 

هم فقط متشبثون بالتفاسير القديمة، لأنها البضاعة التى يروجونها، ولأن ما دونها يحتاج إلى علم وفهم وثقة بالنفس كى يقف عالم الدين مباشرة أمام آيات الله، يفكر فيها ويتدبر معانيها دون حائل أو وسيط.